الفقه العقدي للأقليات الإسلامية د. زياد بن حمد العامر
احمد ابوبكر
1439/02/01 - 2017/10/21 07:20AM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن العلاقة بين أهل الإيمان فقال: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (1)، وهكذا أهل الإيمان تربطهم رابطة الإيمان مهما تباعدت بلدانهم، واختلفت ألوانهم، وتذكيراً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء) (2)، وفي هذا مدح للغرباء الذين جاءت صفتهم في رواية أخرى (فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي) (3)، وفي رواية (أناس صالحون، في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) (4).
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن العلاقة بين أهل الإيمان فقال: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (1)، وهكذا أهل الإيمان تربطهم رابطة الإيمان مهما تباعدت بلدانهم، واختلفت ألوانهم، وتذكيراً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء) (2)، وفي هذا مدح للغرباء الذين جاءت صفتهم في رواية أخرى (فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي) (3)، وفي رواية (أناس صالحون، في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) (4).
وبسبب الظلم الواقع على المسلمين في كثير من البلدان التي تكون السيادة أو الكثرة فيها لغير أهل الإسلام، وانتشار الجهل، وكثرة مخالطة غير المسلمين، مما جعل كثير من معالم الإسلام تذوب في نفوس المسلمين من أهل تلك البلدان، وبدأت شعائر الإسلام تذبل في مظاهر حياتهم، مما يستدعي التواصل المستمر مع إخواننا الذين أضعفتهم الغربة، ورَفْع الاعتزاز بالإسلام في نفوسهم، وتذكيرهم بمعالم دينهم، وبيان الحدود التي تضبط تعاملاتهم في مسائل الاعتقاد والفقه وسائر علوم الشريعة، وكان لزاماً على أهل العلم والمختصين تجلية الأحكام العقدية وبيان الحكم الشرعي في مثل هذه المسائل عن طريق منهج علمي واضح، ورغبة بالمشاركة في هذا الجانب كان هذا البحث بعنوان / الفقه العقدي للأقليات الإسلامية.
وقد انتظم سلك هذا البحث كما يلي:
- المقدمة: وفيها مدخل للتعريف بالبحث، وخطة البحث، وهدف البحث، والدراسات السابقة.
- التمهيد: وفيه مطلبان: الأول في تعريف مفردات عنوان البحث.
الثاني: في نشأة الأقليات الإسلامية.
- المبحث الأول: وفيه بيان أهمية العناية بدراسة النوازل العقدية المتعلقة بالأقليات الإسلامية.
- المبحث الثاني: وفيه بيان جملة من القواعد الشرعية المؤثرة في الفقه العقدي للأقليات الإسلامية.
- المبحث الثالث: وفيه تأصيل لمسألة الولاء والبراء، وتطبيق لذلك على مسألة المحبة الطبيعية للكافر، والتجنس بجنسية الدولة الكافرة.
- المبحث الرابع: وفيه تأصيل لمسألة الحكم بما أنزل الله، وتطبيق لذلك على مسألة التحاكم إلى محاكم الكفار، وتولي الولايات العامة في بلاد الكفر والترشح لها.
- المبحث الخامس: وفيه تأصيل لأحكام الاجتماع وترك التفرق، وتطبيق لذلك على مسألة التحالفات بين أهل الإسلام، ودور أهل الحل والعقد في ذلك، وأهمية تفعيل الولايات الصغرى في ذلك.
- الخاتمة: وفيها أبرز النتائج، وأهم التوصيات.
- المقدمة: وفيها مدخل للتعريف بالبحث، وخطة البحث، وهدف البحث، والدراسات السابقة.
- التمهيد: وفيه مطلبان: الأول في تعريف مفردات عنوان البحث.
الثاني: في نشأة الأقليات الإسلامية.
- المبحث الأول: وفيه بيان أهمية العناية بدراسة النوازل العقدية المتعلقة بالأقليات الإسلامية.
- المبحث الثاني: وفيه بيان جملة من القواعد الشرعية المؤثرة في الفقه العقدي للأقليات الإسلامية.
- المبحث الثالث: وفيه تأصيل لمسألة الولاء والبراء، وتطبيق لذلك على مسألة المحبة الطبيعية للكافر، والتجنس بجنسية الدولة الكافرة.
- المبحث الرابع: وفيه تأصيل لمسألة الحكم بما أنزل الله، وتطبيق لذلك على مسألة التحاكم إلى محاكم الكفار، وتولي الولايات العامة في بلاد الكفر والترشح لها.
- المبحث الخامس: وفيه تأصيل لأحكام الاجتماع وترك التفرق، وتطبيق لذلك على مسألة التحالفات بين أهل الإسلام، ودور أهل الحل والعقد في ذلك، وأهمية تفعيل الولايات الصغرى في ذلك.
- الخاتمة: وفيها أبرز النتائج، وأهم التوصيات.
هدف البحث:
يمكن إجمال هدف البحث في بيان الموقف الشرعي في مسائل العقيدة المتعلقة بالأقليات الإسلامية.
الدراسات السابقة:
لم أقف على دراسات خاصة تتعلق بالأقليات الإسلامية من الجانب العقدي، سوى رسالة علمية غير مطبوعة بعنوان (المسائل العقدية المتعلقة بالأقليات الإسلامية) للدكتور: عبد المنعم عبدالغفور، وهي من رسائل قسم العقيدة بجامعة أم القرى، والباحث بذل جهداً يشكر عليه، غير أنه فات الرسالة جملة من المسائل العقدية المتعلقة بالأقليات، ولم أوافقه على جملة أخرى من المسائل، مع أن عدم طباعة الرسالة كان سبباً في عدم انتشارها، وصعوبة الوصول إليها، فلم أستطع الحصول إلا على مواضع منها، وقد حاولت عدة مرات طلبها إلكترونياً من موقع مكتبة جامعة أم القرى فلم أظفر بشيء.
ومن الأبحاث التي لها تعلق بموضوع هذا البحث: (تأصيل النوازل العقدية) د. زياد العامر، وهو بحث علمي محكم منشور في مجلة الدراسات العربية، وهو خاص بالجانب التأصيلي للنوازل العقدية من ناحية مصادر البحث في النوازل العقدية، وضوابط دراسة النوازل العقدية، ومراحل دراسة النوازل العقدية، ويختلف هذا البحث عن بحث (الفقه العقدي للأقليات الإسلامية) أنه بحث تأصيلي ولم يتعرض للجانب التطبيقي للنوازل، كما أنه عام فيما يتعلق بالأقليات الإسلامية وغيرها.
وأكثر الكتابات التي تمت فيما يتعلق بالأقليات كانت في جانب الفقه، فأردت أن أبرز نماذج من الجانب العقدي في هذا الباب.
وأكثر الكتابات التي تمت فيما يتعلق بالأقليات كانت في جانب الفقه، فأردت أن أبرز نماذج من الجانب العقدي في هذا الباب.
ومن تلك الأبحاث الفقهية:
1/ (فقه النوازل للأقليات الإسلامية)، د. محمد يسري، رسالة دكتوراه في الفقه الإسلامي من كلية الشريعة والقانون من جامعة الأزهر، وطبعت الطبعة الثانية عام 1433 ه، وقد بذل فيها الباحث جهداً يُشكر عليه، وجمع ما تفرق في الأبحاث التي سبقته، غير أنه تكلم في تأصيل النوازل بشكل عام وأفاض في ذلك حتى استغرق ثلثي الكتاب تقريباً، وباقي تطبيقات النوازل استغرقت الثلث، وهذا البحث لا يختص بالنوازل العقدية بل أغلبه في غير العقيدة مثل نوازل العبادات ونوازل المعاملات ونوازل النكاح، ثم ختم البحث بالنوازل السياسية ولم يذكر فيها إلا مسألتين لها ارتباط بالعقيدة هما: حكم التجنس بجنسية دولة غير مسلمة، والمشاركة السياسية في الدول غير المسلمة، وفيها من المسائل ما هو مشترك بين الفقه والعقيدة، ودراستها في العقيدة أولى وأقرب، ويختلف هذا البحث عن بحث (الفقه العقدي للأقليات الإسلامية) من جانب بحث المسائل هل يكون بصبغة فقهية أو يكون بصبغة عقدية من ناحية إبراز المنزع العقدي المؤثر في المسألة، كذلك طريقة الاستدلال للمسائل وترجيحها بين البحثين.
2/ (الأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي)، د.سليمان توبولياك، وهي رسالة علمية استكمالاً لمتطلبات الماجستير في الفقه وأصوله بالجامعة الأردنية عام 1996 م، وقد بذل فيها الباحث جهداً يُشكر عليه، ويقال فيها نفس ما قيل في البحث السابق لأن البحث السابق قد استفاد منها أبرز ما فيها.
أسأل الله فيه التوفيق والسداد، وأن يكون إضافة علمية في الدراسات الشرعية.
أسأل الله فيه التوفيق والسداد، وأن يكون إضافة علمية في الدراسات الشرعية.
التمهيد: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعريف بمفردات عنوان البحث.
الفقه:
الفقه في اللغة: مطلق الفهم، (الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح، يدل على إدراك الشيء والعلم به، تقول: فقهت الحديث أفقهه. وكل علم بشيء فهو فقه. يقولون: لا يفقه ولا ينقه، ثم اختص بذلك علم الشريعة، فقيل لكل عالم بالحلال والحرام: فقيه)(5).
ويطلق الفقه بالمعنى العام ويشمل مسائل أصول الدين من أمور الاعتقاد، فإن (علم أصول الدين أشرف العلوم، إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع) (6).
ويطلق الفقه بالمعنى العام ويشمل مسائل أصول الدين من أمور الاعتقاد، فإن (علم أصول الدين أشرف العلوم، إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع) (6).
العقدي:
العقدي من العقد، وهو في اللغة: مأخوذ من الشد والربط والجزم.
قال ابن فارس: (العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها... وعقد قلبه على كذا فلا ينزع عنه) (7).
وقال الفيومي: (اعتقدت كذا: عقدت عليه القلب والضمير، حتى قيل: العقيدة: ما يدين الإنسان به، وله عقيدة حسنة: سالمة من الشك) (8).
قال ابن فارس: (العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها... وعقد قلبه على كذا فلا ينزع عنه) (7).
وقال الفيومي: (اعتقدت كذا: عقدت عليه القلب والضمير، حتى قيل: العقيدة: ما يدين الإنسان به، وله عقيدة حسنة: سالمة من الشك) (8).
وقد ذكر بعض أهل العلم أن لفظة (العقيدة) لم ترد في نصوص الكتاب والسنة (9)، ويمكن أن يُستدرك على ذلك (10) بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يعتقد قلب مسلم على ثلاث خصال، إلا دخل الجنة)، قال: قلت: ما هن؟ قال: (إخلاص العمل، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) (11).
والمراد بالعقيدة في هذا البحث العقيدة الإسلامية، ويمكن تعريفها بأنها (ما يَشُدُّ ويربط الإنسان قلبه عليه من أصول الإيمان وما يلحق بها).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجزم واليقين متوجه إلى أصول الإيمان، أما بعض المسائل الاحتمالية غير القطعية مما يُلحق بأصول الإيمان فلا يلزم منه الجزم واليقين، وذلك من جنس اعتقاد دلالة قوله تعالى (فثم وجه الله) هل المراد بها صفة الوجه لله؟ أم قِبْلَة الله؟
قال ابن تيمية: (الدين نوعان:
أمور خبرية اعتقادية.
وأمور طلبية عملية.
أمور خبرية اعتقادية.
وأمور طلبية عملية.
فالأول كالعلم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ويدخل في ذلك أخبار الأنبياء، وأممهم، ومراتبهم في الفضائل، وأحوال الملائكة، وصفاتهم، وأعمالهم، ويدخل في ذلك صفة الجنة والنار، وما في الأعمال من الثواب والعقاب، وأحوال الأولياء، والصحابة، وفضائلهم، ومراتبهم وغير ذلك، وقد يسمى هذا النوع أصول دين، ويسمى العقد الأكبر، ويسمى الجدال فيه بالعقل كلاما، ويسمى عقائد، واعتقادات، ويسمى المسائل العلمية والمسائل الخبرية، ويسمى علم المكاشفة.
والثاني الأمور العملية الطلبية من أعمال الجوارح، والقلب، كالواجبات، والمحرمات، والمستحبات، والمكروهات، والمباحات، فإن الأمر والنهي قد يكون بالعلم والاعتقاد، فهو من جهة كونه علماً واعتقاداً أو خبراً صادقاً أو كاذباً يدخل في القسم الأول، ومن جهة كونه مأموراً به أو منهياً عنه يدخل في القسم الثاني، مثل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهذه الشهادة من جهة كونها صادقة مطابقة لمخبرها فهي من القسم الأول، ومن جهة أنها فرض واجب وأن صاحبها بها يصير مؤمناً يستحق الثواب، وبعدمها يصير كافرا يحل دمه وماله فهي من القسم الثاني) (12).
الأقليات الإسلامية:
الأقليات في اللغة: جمع أقلية وهي خلاف الأكثرية (13).
وأما الأقليات الإسلامية في الاصطلاح فإنه يختلف التعريف الاصطلاحي لها عن التعريف اللغوي حيث يكون معناه أوسع من معنى مخالفة الأكثرية فقط، وهناك مجموعة من التعريفات للأقليات الإسلامية يمكن استخلاص تعريف جامع منها بأن الأقليات الإسلامية هي: (مجموعة من أهل الإسلام تعيش مع من لهم السيادة من غير المسلمين) (14).
وأما الأقليات الإسلامية في الاصطلاح فإنه يختلف التعريف الاصطلاحي لها عن التعريف اللغوي حيث يكون معناه أوسع من معنى مخالفة الأكثرية فقط، وهناك مجموعة من التعريفات للأقليات الإسلامية يمكن استخلاص تعريف جامع منها بأن الأقليات الإسلامية هي: (مجموعة من أهل الإسلام تعيش مع من لهم السيادة من غير المسلمين) (14).
وهذا التعريف يشمل جميع أنواع الأقليات، سواء كانوا أقل عدداً بين أغلبية غير مسلمة لها السيادة، كما هو شائع.
أو كانوا أكثرية ولكن الأقل هم الذين لهم السيطرة على الدولة كما في دولة ألبانيا، ودولة نيجيريا قبل أن يحكمها مسلم مؤخراً.
أو كانوا أكثرية ولكن الأقل هم الذين لهم السيطرة على الدولة كما في دولة ألبانيا، ودولة نيجيريا قبل أن يحكمها مسلم مؤخراً.
ويخرج بهذا التعريف ما إذا كان المسلمون هم الأقل عدداً ولكن لهم السيطرة على الدولة كما في دولة الغابون، فلا يوصفون بأنهم أقلية (15).
إذاً فالضابط للأقليات الإسلامية هو أنهم مجموعة ينتمون للإسلام بغض النظر ل