الفساد.

سالم بن محمد الغيلي
1442/05/14 - 2020/12/29 11:20AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً , أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.

-     {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102]

-     {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]

-     }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [سورة الأحزاب:70]

عباد الله:

صفة خبيثة وخلق ذميم وسلوك منحرف, إذا سلكه الإنسان أرداه وأشقاه, لا يحبه الله ولا يحب أهله, إنه الفساد... الفساد... والمفسدون, ذاقت الأمم الويلات والنكبات من المفسدين, اشتكت الأرض وأنَّتْ المفسدين, قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { [سورة الروم: 41].

والفساد قد يكون في التدين, في التمسك بالدين في العقيدة , وهذه مصيبة كبرى مصيبة أن يكون فساد المسلم في دينه وفي عقيدته, يُعتقد في الله أو في كتابه أو في رسوله صلى الله عليه وسلم شيئاً ما أمر الله به ولا أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم, يتبع أهل الأهواء والإغواء والأمزجه, يعبد هواه {...وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ } [سورة القصص: 50], {..وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}  [سورة ص: 26], الفساد في التدين قد يكون لدى المسلم شرك بالله أو محاربة أو كراهية لدين الله ولأهله, {وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} [سورة يونس: 40] .

أو يكون متلبسًا بالنفاق }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ, أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ} [سورة البقرة: 11,12], أو متكبراً على الله وعلى دينه وكتابه يرى أن الدين تخلف ورجعية وهمجية وتقييد لحرية الإنسان {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [سورة النمل: 14].

قد يكون لدى المسلم نزعة عناد يعاند الله وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم, يحل حرامًا, يرتكب منكرًا, ينكر دليلًا , يصدق منحرفًا , يدعوا إلى فساد الدين.

يتلبس ببدعته, يشكك في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة, ينكر الأدلة يفرح بفساد المرأة ويتمنى أن يراها كنساء الغرب لا قيمة لها ولا حدود ولا كرامة.

وأشياء وأشياء لا حصر لها فهذا فساد في التدين فساد في القلب فساد في الطوية , وصاحب هذا هالك لا نجاة له إلا أن يتوب ويؤوب إلى علام الغيوب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ , إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء: 88,89],  قلب سليم  ليس فيه فساد عقيدة ولا خبث طوية ولا محاربة لدين رب البرية{ ...وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ...} [سورة البقرة: 220] , قال فرعون صاحب الفساد الاكبر قال عن موسى ..{إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [سورة غافر: 26], وقال عن اليهود لعنهم الله …{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ{ [سورة المائدة: 64[ , وقال الله عن السحرة لعنهم الله وأخزاهم وأهلكهم وعذبهم لأنهم من أعظم المفسدين في الأرض ومن أعظم الناس فسادًا في العقيدة والتدين {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ{ [سورة يونس: 81].

 

الخطبة الثانية:

الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.

عباد الله:

وفساد آخر بعد فساد التدين وبينه وبين فساد التدين تلازمًا وتقاربًا , فإذا فسد تدين المسلم فسدت دنياه , ومن رضي بالفساد في تدينه واعتقاده سيكون مفسدًا لا محالة سيكون مفسدًا في الأرض, مفسدًا في تعامله مع الناس مفسدًا في بره بوالديه وأهله, مفسدًا في وظيفته وتعامله مع الناس.

والفساد اليوم تشتكي منه كل الأمم وتئن منه كل الدول, وسببه الأول هو قلة الخوف من الله قلة مراقبته, الغفلة عن الموت ويوم الحساب والقبر والميزان والصراط والجنة والنار.

في بعض الوظائف والمناصب أموال تسرق , أموال تهدر, فواتير تزور, مشاريع حبر على ورق محسوبيات رشاوى, توظيف للأقارب والجماعة والبقية عاطلون عالة على أهليهم ومجتمعهم, تأخير لمعاملات الناس معاملات بعض الناس تتأخر سنة وسنتين وثلاث, من مكتب إلى مكتب ومن دائرة إلى دائرة ومن موظف إلى موظف, لأن صاحبها ضعيف أو فقير لا يستطيع دفع رشوة وليس لديه وسائط, أما صاحب الجاه والمال والكاش والواسطة, فالمعاملات تجري جريًا وتنجز انجازًا في ساعات وفي أيام وفي اسابيع.

يرى الناس مشاريع تنفق عليها الدولة ملايين مملينة, ويراها الناس لا تساوي مئات الآلاف ما إن ينتهي المشروع إلا و يُبدأ في ترميمه وترقيعه, فساد... فساد عريق يدل على قلة الدين والخوف من رب العالمين, يدل على استغلال الوظائف والمناصب في المصالح الشخصية يدل على عدم الاخلاص وعلى استغلال مقدرات البلد وهدر أموال الناس بالباطل, قال الله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [سورة ص: 28].

ومَرَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي.) صحيح مسلم, واسْتَعْمَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِن بَنِي أسْدٍ علَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ وهذا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ - قالَ سُفْيَانُ أيضًا فَصَعِدَ المِنْبَرَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه ثُمَّ قالَ: ما بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتي يقولُ: هذا لكَ وهذا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أيُهْدَى له أمْ لا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يَأْتي بشيءٍ إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى رَقَبَتِهِ، إنْ كانَ بَعِيرًا له رُغَاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ ألا هلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا.) اخرجه البخاري ومسلم.

واليوم ليست ناقة ولا بقرة ولا شاة إنما الأمر أدهى وأمر أراضي ومشاريع وملايين ووظائف وفساد لا يعلمه إلا الله, {..إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ{ [سورة يونس: 81] , { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ , وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ , وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}  [سورة البقرة: 204,206]

الآ فلنتق الله ياعباد الله نراجع انفسنا نراجع ديننا وعقيدتنا, نراجع تعاملنا ووظائفنا ومسؤولياتنا, وإذا غابت عنا أعين الرقيب من الناس فإن الله كان علينا رقيبا.

وصلوا وسلموا...

والله اعلم

جامع النور 1442/4/26هـ
المشاهدات 489 | التعليقات 0