الفساد التجاري-9-3-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد بن سامر
1443/03/08 - 2021/10/14 17:53PM

الفساد التجاري-9-3-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أَغنانا بحلالِه عن حَرامِه، وكَفانا بفضلَه عَمَّنْ سِواه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له ولا نَعبدُ إلا إياه، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه ومُصطفاهُ، صَلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه ومن والاهُ، وسَلمَ تَسليمًا كثيرًا، أمَّا بَعدُ: فيا إخواني الأعزاء:

تراهُ في المَسجدِ يُصلي خَاشعًا، سَاجدًا ورَاكعًا، ثُمَّ تراهُ يَتلو القرآنَ مُتأثرًا بالآياتِ، ويعلو وجهَه البهاءُ والجلالُ، وقبلَ المغربِ يُخرجُ من جيبِه تَمراتٍ؛ ليُفطرَ بعدَ صيامِ يومٍ من الأيامِ الحارةِ الطِّوالِ، فتقولُ في نفسِك: سبحانَ من وفَّقهُ وأعانَه على فعلِ الخيراتِ، وبلوغِ الكمالِ.

ثُمَّ تخرجُ إلى السُّوقِ فترى ذَلكَ الرَّجلَ في دُكانِه أو مكتبِه فإذا بهِ يكذبُ، ويغشُّ، ويرتشي، ويَتَستَّرُ، ويَخدعُ، ويَظلمُ، ويأكلُ أموالَ النَّاسِ بالباطلِ، وإذا نصحَه ناصحٌ أو وعظَه واعظٌ، قالَ مُستكبًرا: "يا هذا، السُّوقُ لا يَصلحُ فيه الأخلاقُ والحياءُ، ويحتاجُ إلى مَكرٍ ودَهاءٍ، وينبغي إذا كُنتَ في السُّوق أن تضعَ نَصبَ عينيكَ الحكمةَ العظيمةَ: إن لم تكنْ ذئبًا أكلتكَ الذِّئابُ، ودعْ العبادةَ والقرآنَ إذا خرجتَ من مسجِدكَ عِندَ البابِ"، فتفركُ عينَيكَ مُستغربًا، وتقولُ في نفسِك مُتعجِّبًا: أهو هو؟ فيأتيكَ الجوابُ مُتأسفًا: هو هو، أيُعقلُ أن يَكونَ هذا في أسواقِ المُسلمينَ؟ ومَن يُصدِّقُ أنَّ هؤلاءِ هم أتباعُ الصَّادقِ الأمينِ؟

أتعلمُونَ أنَّهُ عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-قد اشتغلَ بالتَّجارةِ وهو صغيرٌ، ومَكثَ في السُّوقِ حَتى تجاوزَ الأربعينَ من عُمُرِه، وتنقَّلَ في رِحلاتٍ تجاريةٍ بين البُلدانِ، وخالطَ كِبارَ التُّجارِ في كثيرٍ من الأسواقِ، واكتسبَ الخِبرةَ العظيمةَ في مهاراتِ التِّجارةِ، وأصبحَ معروفًا في أسواقِ مكةَ، والأسواقِ القريبةِ، وكَانَ لا يُعرفُ إلا بالصَّادقِ الأمينِ.

لقد كانَ سمحًا إذا باعَ، سمحًا إذا اشترى، بل وكانَ خيرَ شريكٍ؛ فعَن السَّائِبِ بنِ أَبي السَّائِبِ-رضيَ اللهُ عنهُ-أَنَّهُ قَالَ: "أَتيتُ النَّبِيَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسلمَ-يَوْمَ الْفَتْحِ، فَجعلُوا يُثنونَ عَليَّ، ويَذكروني-يَذكرُون محاسِنهَ ويذْكرونَه بالخيرِ-، فَقَالَ عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: أَنا أعلمكُم بِه، فَقَالَ السَّائبُ: صَدقتَ بِأبي وَأمي كُنتَ شَرِيكي فِي الْجَاهِلِيَّة، فَكنتَ خيرَ شريكٍ؛ كُنتَ لَا تُداريني-لا تُخالفُني-وَلَا تُماريني-لا تُجادلُني-.

إذًا فقَبلَ أن يكونَ نبيًّا عظيمًا، كانَ تَاجرًا كَريمًا، وبعدَ ذلكَ أتاهُ الوحيُّ من ربِّ العالمينَ بالآياتِ والأحكامِ، في تقريرِ المعاملاتِ الماليَّةِ، وتعزيزِ الأخلاقِ التِّجاريَّةِ، وتقويةِ المراقبةِ الذَّاتيةِ، ثُمَّ يأتي من يأتي ويقول ببساطةٍ: ما العلاقةُ بينَ الدِّينِ والتِّجارةِ؟

فهل جاءَ الأنبياءُ إلا بصلاحِ الدُّنيا والآخرةِ؟ فها هو شعيبٌ-عليه السَّلامُ-يمشي في السُّوقِ ناصحًا قومَه: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فأمرَهم بالوفاءِ بالكيلِ والميزانِ، وألا يَبخَسوا النَّاسَ أشياءَهم، وأخبرَ أن هذا هو سببُ فسادِ الأرضِ، فيُجيبونَه بهذه الشُّبهةِ: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)، شبهةُ قديمةٌ: ما دَخلُ الدِّينِ بالأموالِ والاقتصادِ؟

بل كَانَ-عليه وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-يُتابعُ التِّجارةَ بنفسِه، ويقومُ بحملاتٍ تفتيشيةٍ في السُّوقِ، "مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ؛ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي"، هذا كلامُ الأنبياءِ، في تنظيمِ البيعِ والشِّراءِ.

 أسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ وللمسلمين...

الخطبة الثانية

 الحَمْدُ للهِ الذِي أَحَلَّ لِعِبَادِهِ البَيْعَ والشِّرَاءَ، وجَعَلَهُما سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ اليُسْرِ والرَّخاءِ، وطَرِيقًا مَشْروعًا لِلْرِّبْحِ والثَّراءِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، تَاجَرَ فَعُرِفَ بِالصِّدقِ والأَمَانَةِ، ونَهَى عَنِ الجَشَعِ والخِيانَةِ،-صَلَّى اللهُ وَسَلَمَ عَليهِ وآلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ تَبِعَهم بِإحْسَانٍ-، أَمَّا بَعْدُ:

فإنَّ التِّجارةُ لا تقومُ إلا بالتَّاجرِ الصَّادقِ الأمينِ المستقيمِ، قالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسلمَ-: "التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ، مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"، فهل هناكَ مُحفِّزٌ ومُشَجِعٌ لأمانةِ التَّجارِ وصدقِهم مثلُ هذا؟

لكنَّ المُصيبةَ عندما يرى بعضُ التَّجارِ أنَّ الحلالَ: هو الربحُ وتكثيرُ المالِ بأي طريقةٍ، واشتُهِرَ عندهم، أنَّكَ إذا أردتَ لقمةَ حلالٍ، فليسَ لكَ مكانٌ في سوقِ المالِ، وإذا كُنتَ من الذينَ عن أكلِ الحرامِ يتوَّرعونَ (قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، ونسوا أو تناسوا، قولَه-تَعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).

فيا أيُّها المسلمُ: ليسَ لكَ عذرٌ اليومَ ألَّا تُبلِّغَ عن أيِّ فسادٍ تجاريٍّ؛ فالجميعُ يحاربُ الفسادَ بأنواعِه، ويقفُ ضدَّ الفسادِ والفاسدينَ.

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللَّهُم َّاكْفِنَا والمسلمينَ بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1634234029_الفساد التجاري-9-3-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1634234030_الفساد التجاري-9-3-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1051 | التعليقات 1

أحسنت بارك الله فيك خطبة موفقة ومسددة تناقش  وضع أغلب تجار اليوم إلا ممارحم الله