الفرار إلى الله في زمن الفتن
علي القرني
1434/10/07 - 2013/08/14 11:20AM
الحمد لله العليم بما في الكون من خطوب، البصير بما حل بالمسلمين من كروب، أحمده حمد الشاكرين لنعمة الذاكرين له كثيرا، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقلب الليل و النهار ويغير العالم من حال إلى حال، يذل من اعتز بقوته و يعز من اعترف بذنبه و لجأ إلى ربه، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أعطاه الله الحجة الدامغة و الحكمة البالغة، صلى الله عليه و على آله و صحبه ومن نهج نهجه و سلك طريقه و دعا بدعوته إلى يوم الدين وبعد:
فان خير الكلام كلام الله - عز وجل- و خير الهدي هدي سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار أعاذني الله و إياكم منها.
عباد الله: أوصي نفسي و إياكم بتقوى الله - عز وجل – قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين " أما بعد : (يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين " معاشر المسلمين إن الناظر اليوم بعين البصر و البصيرة في واقع الأمة و ما حل بها من مصائب و ويلات، ليأخذ به الأسى و التوجع مأخذا بعيدا، حتى إن اليأس ليوشك أن يحيط به لولا عظيم الأمل في وعد الله - عز وجل - الذي قال: " فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا"( ومما يذهب اليأس ويعزي النفوس معرفة المسلم بسنن الله - عز وجل - في عباده و إدارك أن ما أصابنا من المصائب إنما هو من عند أنفسنا و بسبب ذنوبنا، وبما طرأ على حياتنا من بعد عن الله - عز وجل - و نسيان للآخرة و انغماس في الملذات و إقبال على الدنيا. ما دام الداء قد عرف و المرض قد شخص فلا يبقى أمام من ينشد النجاة لنفسه و لأمته إلا أن يقبل على العلاج و ذلك بالفرار إلى الله - عز وجل - والإنابة إليه و الاعتصام به سبحانه وتعالى كما أمر في كتابه العزيز بقوله: " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين "
و هذا الفرار يعني ترك أسباب سخطه إلى أسباب مرضاته، والفرار من عقوبته إلى معافاته، ومنه إليه، كما جاء ذلك في دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم) حين قال : " اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك " أخرجه الترمذي.
على المسلم أن يفر إلى الله في زمن الانفتاح الشديد على الدنيا و تغلب الجانب المادي على حياة الناس أكثر، و ما ترتب عن ذلك من تكالب على حطامها دون تمييز بين حلال و حرام وطيب و خبيث، فحصل التنافس الشديد على حطامها و صار الحب والبغض من أجلها ، بل والقتال من أجلها والعياذ بالله.
على المسلم أن يفر إلى الله في زمن حصلت فيه الغفلة الشديدة عن الآخرة و الغاية التي من أجلها خلقنا، و تحولت هذه الدنيا الفانية من كونها خادمة إلى مخدومة ، قد ذلت كل عزيز و غدرت بكل طامع و أسكرت أقواما تعلقت قلوبهم بها ففقدوا وعيهم، و ضلوا طريقهم، فمن أجلها يظلمون ويبغون على بعضهم البعض و يعيشون كسباع الغابة يفترس القوي الضعيف، ويلتهم الكبير الصغير من أجل مال أو امرأة أو شهرة أو منصب أو غير ذلك من حب الجاه و المال و شهوة السيطرة و الاستعلاء، و قد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحذر أصحابه فيقول: " و الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها و تهلككم كما أهلكتهم ". أخرجه البخاري ومسلم .
على المسلم أن يفر إلى الله في زمن ظهرت فيه الفتن المتلاطمة التي يوقظ بعضها بعضا، و تساقط فيها خلق كثير ما بين هالك فيها بقلبه أو بلسانه أو بيده...
إن الفرار إلى الله يقتضي منا أن نقبل على كتاب الله - عز وجل – بالتلاوة والتدبر و النظر في معانيه و العمل بأحكامه، نفر إلى الله بالدعاء و قيام الليل و صيام التطوع و إخراج الصدقات، نفر إلى الله بفعل ما أمرنا به و اجتناب نواهيه... نفر إلى الله فرار السعداء لا فرار الأشقياء الذين يفرون منه لا إليه، فاللجوء إليه - سبحانه وتعالى – و الذهاب إليه و الهجرة إليه والمسارعة إلى مغفرته و جناته كلها من معاني الفرار إليه سبحانه، وذلك بتوحيده و السعي إلى مرضاته و جنته هربا من سخطه و عقوبته، و في ذلك يقول الإمام ابن قيم الجوزية :" وله في كل وقت هجرتان : هجرة إلى الله بالطلب و المحبة و العبودية والتوكل و التسليم والتفويض والخوف و الرجاء و الإقبال عليه وصدق اللجوء و الافتقار إليه، وهجرة إلى رسوله في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة بحيث تكون موافقة لشرعه ". إن الذي يفر إلى الله بصدق، فان الله يكشف عنه مصائبه و يتغمده برحمته الواسعة، و يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا:
إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل فلن يخيب لنا في ربنا أمل / و إن أناخت بنا البلى فان لنا ربا يحولها عنا فتنتقل
الله في كل خطب حسبنا، وكفى إليه نرفع شكوانا ونبتهل /فافزع إلى الله و اقرع باب رحمته فهو الرجاء لمن أعيت به السبل . عباد الله أقول قولي هذا و أستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله وكفى و الصلاة على المصطفى و من بآثاره اقتفى و بعد:
أيها المسلمون إن فلسفة الألم في الإسلام سنة كونية من سنن الله تعالى، يراد بها تذكير الناس بالله، إن الله إذا أوجع الأمم أو الشعوب إنما يريد بذلك أن يفر الناس إليه و أن يقبلوا عليه ويقولوا: " ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون " (، فهلا تضرع الناس عندما يتألمون، هلا علموا بأن لهم ربا يعطي و يمنع و يخفض ويرفع، إن الآلام تنزل بالأمة سيلا منهمرا و حال العباد في قلق مستمر، مع ذلك نتساءل : أين أصوات الضارعين ؟ أين أصوات المستغيثين برب العالمين ؟ لا تجد، وفي المقابل لا ترى إلا مجونا و فسوقا و تبرجا يندى له جبين الكرامة ، كل ذلك يحدث جهارا نهارا أمام أعين الناس و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هل هذه الآلام تنزل بالبشر أم تنزل بجماد؟ ألا نعرف ربنا حتى نتضرع و نستغيث به ؟
قال الله تعالى : " و لو رحمناهم و كشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون، ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون "
أيها المسلمون إن أحوج ما نحتاج إليه اليوم هو أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر، نحتاج إلى عودة صادقة إلى كتاب الله - عز وجل – فو ينظم للإنسانية طريقها و يضبط غرائزها،
قال تعالى : " و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و هدى ورحمة و بشرى للمسلمين " ثم صلوا وسلموا على نبيكم فقد أمركم بالصلاة عليه ....
فان خير الكلام كلام الله - عز وجل- و خير الهدي هدي سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار أعاذني الله و إياكم منها.
عباد الله: أوصي نفسي و إياكم بتقوى الله - عز وجل – قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين " أما بعد : (يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين " معاشر المسلمين إن الناظر اليوم بعين البصر و البصيرة في واقع الأمة و ما حل بها من مصائب و ويلات، ليأخذ به الأسى و التوجع مأخذا بعيدا، حتى إن اليأس ليوشك أن يحيط به لولا عظيم الأمل في وعد الله - عز وجل - الذي قال: " فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا"( ومما يذهب اليأس ويعزي النفوس معرفة المسلم بسنن الله - عز وجل - في عباده و إدارك أن ما أصابنا من المصائب إنما هو من عند أنفسنا و بسبب ذنوبنا، وبما طرأ على حياتنا من بعد عن الله - عز وجل - و نسيان للآخرة و انغماس في الملذات و إقبال على الدنيا. ما دام الداء قد عرف و المرض قد شخص فلا يبقى أمام من ينشد النجاة لنفسه و لأمته إلا أن يقبل على العلاج و ذلك بالفرار إلى الله - عز وجل - والإنابة إليه و الاعتصام به سبحانه وتعالى كما أمر في كتابه العزيز بقوله: " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين "
و هذا الفرار يعني ترك أسباب سخطه إلى أسباب مرضاته، والفرار من عقوبته إلى معافاته، ومنه إليه، كما جاء ذلك في دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم) حين قال : " اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك " أخرجه الترمذي.
على المسلم أن يفر إلى الله في زمن الانفتاح الشديد على الدنيا و تغلب الجانب المادي على حياة الناس أكثر، و ما ترتب عن ذلك من تكالب على حطامها دون تمييز بين حلال و حرام وطيب و خبيث، فحصل التنافس الشديد على حطامها و صار الحب والبغض من أجلها ، بل والقتال من أجلها والعياذ بالله.
على المسلم أن يفر إلى الله في زمن حصلت فيه الغفلة الشديدة عن الآخرة و الغاية التي من أجلها خلقنا، و تحولت هذه الدنيا الفانية من كونها خادمة إلى مخدومة ، قد ذلت كل عزيز و غدرت بكل طامع و أسكرت أقواما تعلقت قلوبهم بها ففقدوا وعيهم، و ضلوا طريقهم، فمن أجلها يظلمون ويبغون على بعضهم البعض و يعيشون كسباع الغابة يفترس القوي الضعيف، ويلتهم الكبير الصغير من أجل مال أو امرأة أو شهرة أو منصب أو غير ذلك من حب الجاه و المال و شهوة السيطرة و الاستعلاء، و قد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحذر أصحابه فيقول: " و الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها و تهلككم كما أهلكتهم ". أخرجه البخاري ومسلم .
على المسلم أن يفر إلى الله في زمن ظهرت فيه الفتن المتلاطمة التي يوقظ بعضها بعضا، و تساقط فيها خلق كثير ما بين هالك فيها بقلبه أو بلسانه أو بيده...
إن الفرار إلى الله يقتضي منا أن نقبل على كتاب الله - عز وجل – بالتلاوة والتدبر و النظر في معانيه و العمل بأحكامه، نفر إلى الله بالدعاء و قيام الليل و صيام التطوع و إخراج الصدقات، نفر إلى الله بفعل ما أمرنا به و اجتناب نواهيه... نفر إلى الله فرار السعداء لا فرار الأشقياء الذين يفرون منه لا إليه، فاللجوء إليه - سبحانه وتعالى – و الذهاب إليه و الهجرة إليه والمسارعة إلى مغفرته و جناته كلها من معاني الفرار إليه سبحانه، وذلك بتوحيده و السعي إلى مرضاته و جنته هربا من سخطه و عقوبته، و في ذلك يقول الإمام ابن قيم الجوزية :" وله في كل وقت هجرتان : هجرة إلى الله بالطلب و المحبة و العبودية والتوكل و التسليم والتفويض والخوف و الرجاء و الإقبال عليه وصدق اللجوء و الافتقار إليه، وهجرة إلى رسوله في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة بحيث تكون موافقة لشرعه ". إن الذي يفر إلى الله بصدق، فان الله يكشف عنه مصائبه و يتغمده برحمته الواسعة، و يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا:
إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل فلن يخيب لنا في ربنا أمل / و إن أناخت بنا البلى فان لنا ربا يحولها عنا فتنتقل
الله في كل خطب حسبنا، وكفى إليه نرفع شكوانا ونبتهل /فافزع إلى الله و اقرع باب رحمته فهو الرجاء لمن أعيت به السبل . عباد الله أقول قولي هذا و أستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله وكفى و الصلاة على المصطفى و من بآثاره اقتفى و بعد:
أيها المسلمون إن فلسفة الألم في الإسلام سنة كونية من سنن الله تعالى، يراد بها تذكير الناس بالله، إن الله إذا أوجع الأمم أو الشعوب إنما يريد بذلك أن يفر الناس إليه و أن يقبلوا عليه ويقولوا: " ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون " (، فهلا تضرع الناس عندما يتألمون، هلا علموا بأن لهم ربا يعطي و يمنع و يخفض ويرفع، إن الآلام تنزل بالأمة سيلا منهمرا و حال العباد في قلق مستمر، مع ذلك نتساءل : أين أصوات الضارعين ؟ أين أصوات المستغيثين برب العالمين ؟ لا تجد، وفي المقابل لا ترى إلا مجونا و فسوقا و تبرجا يندى له جبين الكرامة ، كل ذلك يحدث جهارا نهارا أمام أعين الناس و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هل هذه الآلام تنزل بالبشر أم تنزل بجماد؟ ألا نعرف ربنا حتى نتضرع و نستغيث به ؟
قال الله تعالى : " و لو رحمناهم و كشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون، ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون "
أيها المسلمون إن أحوج ما نحتاج إليه اليوم هو أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر، نحتاج إلى عودة صادقة إلى كتاب الله - عز وجل – فو ينظم للإنسانية طريقها و يضبط غرائزها،
قال تعالى : " و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و هدى ورحمة و بشرى للمسلمين " ثم صلوا وسلموا على نبيكم فقد أمركم بالصلاة عليه ....
المشاهدات 6136 | التعليقات 3
جزاك الله خيراً، ورفع قدرك، ونفع بك الإسلام والمسلمين.
خطبة تعالج واقع اﻷمة اليوم، وتصف العﻻج الناجع.
أشكر أخوي على المشاركة والتعليق وأسأل الله أن ينفع بها
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
كتب ربي أجرك شيخ أبا عبدالملك ما أجمللها من موعظة وما ألطفها من عبارات وكما ذكرت الفرار إلى الله شوق والفرار إلى الله طمع ورغبة فإلى ربنا تأنس قلوب المحبين وإلى مولانا تسكن أفئدة المشتاقين.
اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ولا فرحة الأنس بك
تعديل التعليق