الفتنة الكبرى
الخطيب المفوه
1433/04/09 - 2012/03/02 08:02AM
الفِتْنَةُ الكُبْرَى
خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبدالعزيز الدريهم .
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
البشريةُ أيها الأحبة في الله ، موعودةٌ بفتنة كبرى لا مناصَ منها ولا محيدَ، ولا عاصم منها إلا من رحم الله ؛ لقد ذكرها الأنبياءُ وحذروا منها ؛ فقد ذكرها نوحٌ ، وهو في أول الزمان ؛ وكذلك من بعدَه ؛ وفي هذا مؤشرٌ ودلالةٌ على عِظَمِ الفتنة ، وأنَّها مُطْبِقَةٌ تكاد تشمل الأرض ومن عليها، وحيث مضت تلك القرونُ ولم تظهر تلك الفتنةُ ولم تقع ؛ فهي ولا ريب واقعةٌ فينا ، ولو وقعت لكان الأنبياءُ دون أممهم في التصدي لها ، ولكان نبيُّنا محمدٌ دون أمته في المحاجة وقمعِ التمويه ؛ ولكن رَحَلَ النبيُّ ورحلت القرونُ المفضلةُ ، ولم يكُ هناك أثرٌ يذكر ، ولكنَّ النبيَّ أبان معالم هذه الفتنةِ الكبرى ؛ حتَّى لكأنك تراها رأيَ عين ، وهذا من تمام البلاغ النبويِّ الكريم ، ومن جِمَاع النصيحة منه .
لقد جعل النبيُّ علامةَ خروج هذه الفتنة ؛ عدمَ ذكرِها من على المنابر والمجالسِ وحِلَقِ العِلم ، وأنت ترى مِصْدَاقَ ذلك ؛ فرغم كثرة المنابر واتساعِ القول ، لا تجدُ لفتنة المسيح الدجال ذكراً ، ولم تعد الآذن تَشَنَّفُ لسماعه ، بل ربَّما عُدَّ ذكرُه عند بعض الناس من الأساطير التي لا ترغب العقولُ في التفاعل معها ، ولا تَلْقَى لها رواجاً فيها ، كما أن خِفَّةَ الدين واليقين واضمحلَالَهما في النفوس مؤشرٌ عليه ؛ لذا يعظُمُ أثرُه ويقوى سلطانه ، وتكونُ الغوايةُ به عظيمةً لا حدَّ لها ؛ بل إنها لَتُزلزلُ أقواماً كان يُظَنُّ بهم الصلاحُ والخيرُ ؛ بل إنَّ الرجل ليأتيه وهو يرى في نفسِه المكنةَ للتَّصدِي لفتنته الدجال ؛ فيعودُ وقد اهتزَّ ما في نفسه من الإيمانِ واليَقِينِ ؛ لذا كان الأمرُ مِنَ النَّبِيِّ لأُمتِهِ أَنَّ من سمع بالدجال فلينأَ عَنهُ ، بل إنَّ ذوي القلوب الحيَّة ليلحقون هم وأهلوهم بالجبال خَوفاً من الدَّجَالِ على إيمانهم.
إنَّ الدَّجَّالَ أيُّها الأحبة في الله ، هو الفتنةُ الكبرى التي حذَّر منها الأنبياءُ وحذَّر منها نبيُّنا محمدٌ ، وهي واقعةٌ قبل قيام الساعة ، وهُو من بني آدم ، وقد وصفه النبيُّ بأنه شابٌّ أحمرُ قَصيرٌ أفحجُ جَعْدُ الرأسِ أَجْلَى الجَبْهَةِ عَرِيضُ النَّحْرِ ممسوحُ العَينِ اليُمْنَى وباقٍ أثرها ، وهذه ولا ريبَ صِفَاتٌ جَلِيَّةٌ ، لا تَجعلك في مِريةٍ منه أو شكٍ فيه ؛ فكيف إذا جاءك هذا الدَّجَّالُ ومكتوبٌ بين عينيه « ك ف ر » بالحروف المقطَّعة ، أي : كفر ، أو كَافِرٌ ؛ إنَّه لا وصفَ بعد هذا الوصف ؛ لكي تتبين لك حقيقةُ هذا الدَّجَّالِ . ومن عجيبِ الأمر : أن هذه الكتابةَ يقرؤها المؤمنُ قَارئاً كانَ أو غير قارئ ؛ لتقومَ الحُجَّةُ علَى العِبَادِ وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولَئكَ الَّذِينَ لَم يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ..
وَالدَّجَّالُ الذي حُذِّرنا منه ومن فتنته حَيٌّ وموجودٌ منذ عهد النبي ، وهُو مُوثَقٌ في إِحْدَى الجُزُرِ ؛ حتى يأذنَ الله بخروجه ، وقد أَطْلَعَ اللهُ عليه نفراً من العَرَبِ ومنهم الصَّحَابِيُّ الجليلُ تميمٌ الدَّاريُّ ، وقد أخبر بخبره مع الدجال النبيَّ فصدَّقه ، بل ونَادى النبيُّ في الصحابة ليسمعوا حديث تميمٍ ؛ ليُؤكِّدَ لَهم ما حدَّثَهُم عَنه ؛ وقصةُ تميمٍ الدَّارِيِّ طويلةٌ ، وهي مرويةٌ في صحيح مسلم بطولِها، وملخصُها : أن القَوم ركبوا البحر فاضطرب بهم شهراً ؛ فنزلوا جزيرة ؛ فوجدوا فيها دابَّةً عظيمةً ، لا يعرفون لها اسماً ؛ فأرشدتهم إلى الدجال ؛ فإذا هو خلقٌ عظيمٌ موثقٌ بالأصفاد ؛ فسألهم عن النبيِّ هل خرج في العرب ؟ ثم سألهم عن ماء بحيرةِ طَبَرِيَّة ، وعن نخل بَيْسَانَ ، وعن عين زُغَر ، وهيَ مُؤشراتٌ على خُرُوجِهِ ، ثم أخبرَهم أنَّهُ الدَّجَّالُ الذي سيخرجُ آخرَ الزَّمَانِ ، وأنه سيطأُ الأرضَ كلها ، إلا مكةَ والمدينةَ ؛ فإنَّ اللهَ العزيزَ سبحانه قد حماها بملائكة على نقابها يمنعونه منها ، وكلُّ ذلك أيها الأحبة ، في أربعين يوماً ، وهذه الأيام كما فصَّلَها النبيُّ : واحدٌ منها كسنة ، وثانٍ كشهر ، وثالثٌ كأسبوعٍ، وبقيتُها كأيامنا هذه أربعٍ وعشرين ساعة ، وهذا الطُّولُ في أيامه حقيقةٌ وليس مجازاً؛ فذلك اليومُ الذي كسنة يستغرقُ أيامَ السنة ، والشهرِ ، وكذلك الأسبوعِ ، ومما يجلِّي ذلك ويبينُه أنَّ الصَّحَابَةَ رضوان الله عليهم عندما سألوا عن هذه الأيامِ الطِّوَالِ : هل تكفيهم فيها صلاةُ يَومٍ وَاحِدٍ ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره ، أي : بالساعات ، وهذا يُوقِفُنَا على خَلَلٍ في نِظَامِ الكَونِ ، وهذا مما تَعْظُمُ به الفتنة ، ولكم أن تعجبوا أيها الجمع الكريم، من حِرصِ الصحابة على دينهم خاصة صلاتُهم ؛ فهم لم يسألوا عن دنيا بل سألوا عن دين ، وعن جماع الدين وهي الصلاة ! فأينَ من ضيَّع الصلاةَ وهُو آمنٌ مطمئنٌ عن هَذَا الحرصِ من الصَّحَابَةِ ، وهم يُدركون عظم البَلِيَّةِ وَشدَّةَ النَّازِلَةِ ؛ فلا حولَ ولا قوة إلا بالله ..
إنَّ الإِنسانَ أيها الجمع الكريم ، وهو يتذكرُ فتنةَ الدجال وعظمَها ؛ لتتكدرُ عليه الدنيا ، ويضيقُ عليه عيشُه وهو ذو سَعَةٍ ؛ فالذكر له يفعلُ بك ذلك ؛ فكيف لو أطبقت الفتنة عليك وعَاينتَها ؛ إنها واللهِ الباقعةُ والحالقةُ ؛ فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعصمنا من الدجال وأوهامِه ، وأن يأخذَ بأيدينا لسُبُلِ النَّجَاةِ منه ، ألاَ وإنَّ من سبل النَّجَاةِ فَوَاتِحَ سورة الكهف وخواتمَها ، وأنتم وبنعمة من الله وفضل تلتاثون بها كل أسبوع ؛ فمكنوا منها قلوبكم يا رعاكم الله ، واحفظوها ، وتدبروا ما فيها من العبر والعظات ؛ لعلها أن تكون درعاً حصينة تأرزون إليها إذا وقعت الفتنة بعد حفظ الله ، والله نسأل أن يعيذنا من عذاب النار وعذابِ القَبْر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال ..
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه ، وعظيم سلطانه ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسله ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ :
فيا أيها الأحبةُ في الله ، هذه الدعواتُ الأربعُ التي ختَمْتُ بها خُطْبَتِي الأولى ، نحن مأمورونَ بالإتيان بها أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ فرضاً ونفلاً ، وهي من سُنن النبيِّ ؛ فلا تفوتنَّكم وتواصوا بها ؛ فإنَّ فيها بإذن الله الوقايةَ من الأمر الجلل ، فاحرصوا عليها وقد بلغ من حرص السلف أنَّ مسروقاً رحمه الله أمر أحدَ بنيه بإعادة الصلاة عندما ذَكَرَ له أنَّهُ نسيها ؛ فلم يتعوذ من عذابِ النَّار وعذابِ القبر ، ومن فتنة المَحيا والَمماتِ ومن فتنة المسيح الدجال ، ولو تَفكرتَ لوجدت أن هذه الأمورَ عظيمةٌ وهي من أمور الغيب ، وذكر الدجال بينها دلالة على عظم فتنته..
والآن أيها الجمع ، نعود لِنُجَلِّي الحقائق حول فتنةِ الدَّجال ، وقد بيَّنْتُ في صدر حديثي أن خروجَه حالاً يكون في إدبار من الدين ، ومكاناً في أكثر البلاد سعياً إلى الفتنة وبحثاً عنها ، ولن تكونَ إلا إيران ، حيث يخرج في محلة اليهود أصبهان ، ويتبعُه من يهودها سبعون ألفاً عليهم الطيالسة ، وأكثر من يتبعُه بعد انتشار فتنته اليهودُ والعجمُ والتركُ ، وأخلاطٌ من الناس من الأعراب والنساء ، ومن أخبارِ فتنته أنه يأمر السماءَ فتمطرُ ، ويأمرُ الأرضَ فتنبتُ ؛ فمن تَبِعَهُ أغناه ، ومن كفر به أفقره وضيَّق عليه عيشَه ، كما أنَّ كنوزَ الأرضِ تتبعه كأنها يعاسيب النحل ، وله سُرْعَةٌ عظيمةٌ يقطعُ بها المسافاتِ كالغيثِ استدبرته الريحُ ، كما أخبر النبيُّ ، وعنده جنةٌ ونارٌ ، فمن خُيِّرَ فَليخترْ نارَ الدَّجَّالِ عن جنته ؛ لأن جنته نارٌ محرقةٌ ، ونارَه جنةٌ باردةٌ ، كما أخبر النبي ، وكلُّ تلك الأمورِ الخوارق أيها الأحبة في الله، حقائقُ ، وهي من الله سبحانه وتعالى ؛ ليبتلي عباده ليتبين الصادق من الكاذب ، ولهذه الخوارق أمدٌ وللأمد انقضاء ؛ لذا ثبت أن الدجال في حصاره المدينة يخرج إليه رجلٌ من خيرة الناس ؛ فيعرض عليه الدجالُ الإيمانَ به ؛ فيدوي بها صريحة أنَّك المسيحُ الدجالُ الذي أخبرنا عنه النبي ، عندها يضربه الدجال ضربةً فينصفهُ نصفينِ ؛ ثم يعيده للحياةِ مرةً أخرى ، ثم يعرضُ عليه الأمرَ مرةً أخرى ؛ فيأبى ، وأن إيمانه بالله الواحد الأحد ، وأنه هو الدجال الذي أخبر به النبي ؛ فيريد حينها أن يقتله أخرى فلا يُسَلَّطُ عليه ، وهذه بداية تلاشي سلطانه ..
وبينما الناس يعانون من فتن الدجال ومؤامرتهِ واستبدادِه في الأرض ؛ يأذنُ الله بِالفَرَجِ ؛ فيُنزلُ الله عيسى فما إِنْ يراه الدجالُ ؛ حتى يذوب كما يذوبُ الملحُ في المَاءِ ؛ فيهربُ يريد باب « اللد » في فلسطين ؛ وفيها مطار الدولة العبرية الصهيونية الآن ؛ فيدركه عيسى فيقتله ، ويقتل الخنزير ويكسِرُ الصليبُ ، وهي رموز تدل على سقوط قوى الشر في العالم اليهودِ والنصارى ؛ لتتوحد الأرض جميعاً على كلمة سواءٍ كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ؛ لتنعم الأرضُ بعد ذلك بنعيم لم تر مثلَه قبلَه ، ولنْ تَرى مثلَه بعدَه ؛ لأن بعدها ظُهُورُ اللكاعة ، واندثارُ الإيمان ؛ والإذن من الله بهلاكِ العَالَمِ ؛ فاللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم أن تميتنا على الإيمان والإسلام ، وأن تسكننا بحبوحة الجنان إنك جواد كريم ..
فاذكروا الله يذكركم ، واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر ولله يعلم ما تصنعون .
[/align]
المرفقات
الفتنو الكبرى.doc
الفتنو الكبرى.doc
المشاهدات 3101 | التعليقات 2
جزيت خيرًا ـ خطيبنا المفوه ـ على نقل هذه الخطبة المباركة .
والذي أمر ابنه بإعادة الصلاة حيث لم يستعذ من فتنة الدجال في صلاته أظنه طاوس اليماني وليس مسروقًا ـ رحم الله الجميع ـ
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاكم الله خيرا
تعديل التعليق