الفاروق المربي للأستاذ عمر إبراهيم

الفاروق المربي

عمر إبراهيم


لا زال عمر الفاروق رضي الله عنه الصحابي الجليل، يبعث لنا من فيض علمه وخبرته في التربية، لم لا وهو من أبناء المدرسة النبوية التي أخرجت الكثير من المربين الأكفاء القادرين على صناعة أجيال قادرة على نصرة الأمة، وهذه المرة يبين لنا الفاروق كيف تُغرس القيم.
يحكي لنا ولده عبد الله لنا هذا الموقف من أبيه، فعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهو مثل المؤمن حدثوني ما هي قال عبد الله فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي النخلة فاستحييت أن أقول، قال عبد الله فحدثت عمر بالذي وقع في نفسي فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2867)].
سبحان الله! موقف عجيب، عبد الله بن عمر جالس مع الصحابة وهو في صغر سنه، والنبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم لغزًا، فيهتدي عبد الله إلى الإجابة الصحيحة ولكنه يستحي أن يتكلم ويخجل من أن يقول الإجابة الصحيحة وكبار الصحابة جالسين، ثم لما أخبر عبد الله أباه الفاروق بتلك الواقعة هل قال له عمر: أتريد أن تتكلم وكبار الصحابة جالسين!! بالطبع لا يمكنك أن تفعل هذا فأنت لا زلت صغيرً!! كيف تجرؤ أن تنطق بها!! لو كنت قلت شيئًا لأريتك النجوم في فلق الظهر!! لم يقل عمر هذه الجمل التي ربما كان يقولها بعض الآباء الذين لا يعرفون طرق التربية الصحيحة، ولكن عمر قال لولده (لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا)، فقد استفاد الفاروق من هذا الموقف ليرسخ عند ابنه قيمة في غاية الأهمية ألا وهي الثقة بالنفس.
فبعض الآباء في هذه الأيام يدمرون هذه القيمة لدى أبنائهم، فتجد الأب يحقر من ولده سواء كان أمام الناس أو في البيت، يخاف أن يعتمد عليه في شيء، عندما يبدأ الولد في المذاكرة تجد الأب لا يشجعه على المذاكرة، ومن ثم لا ننتظر من هذا الولد عندما يكبر أن يكون رجل فعال قادر على بناء أسرة، أو حتى يكون فعالًا في أي مجال من مجالات الحياة، ولذلك سنحاول في هذا المقال أن نبين بعض الطرق التي تساعدك أيها الوالد الموفق في غرس الثقة بالنفس لدى طفلك.
لا يستوون:
انظر أيها الوالد إلى هذين المثالين، أحدهما لطفل لا تكاد عنده ذرة ثقة وآخر يثق بنفسه وقدراته، ("إنني لا أحب نفسي، إذ أنني لست ولدًا محبوبًا، ولست ماهرًا في ممارسة الرياضة، ولكن من يعبأ بذلك؟ كما أن درجاتي متوسطة، ويوجد الكثير من الأشياء التي لا أحب مزاولتها ذلك أني لا أستوعبها فمن ذلك أني لا أحب محاولة فعل الأشياء الجديدة فهي تبث الهلع في روعي، وأبغض اتخاذ القرارات، إذ ما سيترتب على اتخاذي القرار الخاطئ؟ إنني لا أثق بنفسي ثقة كافية" بقلم طفل لا يثق بنفسه!
"أعتقد أنني ولد ماهر، إن لدي قليلًا من أصدقاء الخير وهم يصغون إلي في بعض الأحيان، ورغم أنني أحب مزاولة الرياضة إلا أنني لست على درجة كبيرة من الخبرة بها، وإني لأتمنى أن يتوفر لي الوقت الكافي حتى أقوم بكل ما أريد أن أفعله، إذ أن هناك كثيرًا مما يجب أن أتعلمه، ولا يروعني اتخاذ القرارات، فلن تكون هناك مشكلة إن حدت عن الصواب، ذلك أني سأجد طريقة تخرجني مما أنا فيه" بقلم طفل يثق بنفسه!) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، ص(98)، بتصرف].
ولذلك أيها الوالد الموفق (فالأبناء في حاجة إلى أن يشعروا باحترام ذواتهم، وأنهم جديرون بالتقدير والاعتزاز، وهم يسعون دائمًا للحصول على المكانة المرموقة التي تعزز ذواتهم وتؤكد أهميتهم، لذلك فهم في حاجة إلى عمل الأشياء التي تبرز ذواتهم، وإلى استخدام قدراتهم وإمكاناتهم استخدامًا بناءً) [المشكلات النفسية للأطفال، نبيلة عباس الشوربجي، ص(83)].
وفيما يلي بعض الوسائل لكي تغرس الثقة في ابنك:
1- رسِّخ النجاح:
(ينبغي في المرحلة الأولى من حياة الطفل الدراسية تكريس شعور هام لديه مرتبط بنشاطه الذهني الآخذ بالتشكل، وهو الشعور بالنجاح، إن هذا الشعور يولد لدى الطفل في مرحلة مبكرة جدًا، فهو يفرح كثيرًا عندما نثني عليه، ويشعر ببالغ الأسى إذا وجهنا إليه اللوم أو التأنيب على أخطاء ارتكبها، إن شعور الفرح يقوي الرغبة في القيام بالأعمال المختلفة بشكل أفضل وأدق، أما التكدر فإما أن يطفئ الرغبة والاندفاع، أو يولد موجة من الطاقات للسعي لتصحيح الأخطاء، وتجاوز الهفوات والحصول على نتائج أفضل، غير أن المشاعر الإيجابية أكثر تحفيزًا للنشاط) [تربية مشاعر الأطفال في الأسرة، عبد المطلب أبو سيف، ص(85)].
2- قدِّر مجهوده:
(إذا كنت ترغب في الحصول على أفضل درجات الطاعة من أبنائك، فإن السبيل إلى ذلك هو الثناء عليهم والاعتراف بجدارتهم، قدر ابنك وأخبره أنه يقوم بما هو مطلوب منه بشكل جيد، أعلمه أنك تقدر ما يقوم به من جهد وأنك فخور به، ولديك في طريق تقديره أساليب كثيرة وكلمات متنوعة مثل: "سعدت بسماع صوتك عبر الهاتف"، "أشكرك على ذهابك حيث طلبت منك"، وتعبيرات أخرى وإيماءات كلها تؤكد على معنى واحد "أقدرك...أنا أهتم بك.."، كل هذا يزيد من حب الأبناء للأب ومن ثم طاعته.
إن الرغبة الملحة لدى الأبناء هي الاعتراف بجهودهم وقدراتهم وكفاءتهم ومن هنا يكون لتقديرنا لهم فعل السحر في نفوسهم التي تقبل على عمل ما تطلبه منهم بحب وجد، إن الابن يشعر أنه ذو مكانة وأنه يسهم بدور حقيقي في نجاح حياة أسرته، وهذا يرضي غروره ويدفعه إلى مزيد من الطاعة والعمل، ولذلك أخي المربي كلما وجدت الوقت مناسبًا لإظهار تقديرك لأبنائك فلا تتردد، وأخبرهم أنهم أبناء رائعون وأنك تقدرهم وتقدر جهودهم، إن الابن حين يراك تسأله رأيه في أمر من الأمور يشعر بسعادة غامرة تدفعه بعد التحدث عما يعرف أن يقبل كل ما تعلمه إياه ويعمل كل ما تطلب منه) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص(209-210)، بتصرف واختصار].
فالثناء والمدح من الأمور التي تنمي الثقة بالنفس لدى الطفل، وقد أوصى ابن مسكويه في تهذيب أخلاقه بذلك فقال (ثم يمدح بكل ما يظهر منه من خلق جميل وفعل حسن ويكرم عليه) [تهذيب الأخلاق، ابن مسكويه، (1/22)].
3- اجعله مسئولًا:
(فمن خلال تفويضنا لأبنائنا في إنجاز العمل بأنفسهم، ننقل المسئولية إليهم وندربهم عليها ونعمد إلى تركيز طاقتهم نحو هذه الأعمال والنشاطات فالتفويض يعني النماء والتطور، وذلك ينمي شخصياتهم ويطور كفاياتهم، فالأب الذي يفوض ابنه في شراء بعض الحاجيات للمنزل أو الأم التي تفوض ابنتها في الإشراف على أخواتها، فإن هؤلاء سيصبحون مع مرور الوقت لديهم القدرة على الاعتماد على أنفسهم والقيام بواجباتهم بكفاءة وفاعلية.
والذي يهمنا أن يكون التفويض متحررًا لا تفويضًا متسلطًا يقيد حركة الطفل ولا يعطيه الفرصة للنمو والإنتاجية، والمربي الذي يقول لابنه: افعل هذا، ولا تفعل ذلك، اذهب هنا ويحدد له ما يقوم به من أعمال بدقة فهذا لا يعرف كيف يقيم تفويضًا كاملًا، حيث إنه يركز على الوسائل والأساليب المتبعة في التفويض فيصبح مسئولًا عن النتائج ولا يعرف كيف يعد ابنه لتحقيق النتائج المرجوة، إن التفويض الصحيح هو الذي يقوم على إعطاء الإرادة الحرة للأبناء ويحملهم المسئولية ويركز على النتائج أكثر من تركيزه على الوسائل ويعطي حرية اختيار الطريقة أو الوسيلة التي يريدونها ويجعلهم مسئولين عن النتائج فيتعلمون من أخطائهم ويتدربون على إدارة العمل بثقة وقدرة) [25 طريقة لتصنع من ابنك رجلًا فذًا، أكرم مصباح عثمان، ص(127-129)، بتصرف يسير].
قبل الختام:
إن إعطاء الأبناء الثقة من الأمور الهامة فذلك يساعده في حياته وعلى مواصلته لعمله (فالأب الناجح هو الأب الذي يمنح الطفل ثقته ويشجعه على الإقدام على العمل بدون خوف أو خجل، وليس هو الأب الذي يثبط ابنه أو يصف أفعاله بأنها ردئية أو غير مقبولة، وهو الأب الذي يمنح الطفل ثقته في أخلاقه وعاداته، ولا يشعره بأنه يشك في تصرفاته، فالثقة تولد الثقة، والولد سوف يخاف من أن يفقد والداه الثقة فيه، وسوف يكون عند حسن ظنه به) [كيف تصبح أبًا، عادل فتحي عبد الله ، ص(53)].


المصادر:
· كيف تصبح أبًا عادل فتحي عبد الله.
· 25 طريقة لتصنع من ابنك رجلًا فذًا أكرم مصباح عثمان.
· اللمسة الإنسانية محمد محمد بدري.
· تهذيب الأخلاق ابن مسكويه.
· تربية مشاعر الأطفال في الأسرة عبد المطلب أبو سيف.
· المشكلات النفسية للأطفال نبيلة عباس الشوربجي.
· كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك سال سيفير.

المصدر: مفكرة الإسلام
المشاهدات 2089 | التعليقات 0