الـماشطةُ-24-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن مبارك (مختصرة/للجوال)

محمد بن سامر
1445/01/23 - 2023/08/10 11:04AM

الـماشطةُ-24-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن مبارك

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

إنَّ أعظمَ ما يـملكُه المؤمنُ بين جنبيهِ إيـمانُه باللهِ-تعالى-، الإيمانُ أغلى وأعظمُ ما يقعُ في القلوبِ، وحينما تهبُ رياحُ الإيمانِ فإنَّه يصنعُ العجائبَ، في دنيا تعلَّقَ الناسُ بنعيمِها وأموالِـها وشهواتـِها، فكانت الدنيا أكبرَ همومِهم وغمومِهم، وربّـما باعوا دينَهم بدنياهم-عياذًا باللهِ تعالى-.

اليومَ نروي قصةً، استخفتْ صاحبَتُها بالدنيا وزُخْرُفِها، وبعُتاةِ الكفرِ وجَبروتـِهم، واستعلتْ عليهم، وهي مِنَ النساءِ اللاتي هنَّ أضعفُ مِنَ الرجالِ، فكمْ علتِ بعضُ النساءِ على بعضِ الرجالِ!

صاحبةُ القصةِ المرأةُ المؤمنةُ الصابرةُ (ماشطةُ بنتِ فرعونِ)-التي تـُمَشِّطُ شعرَها وتُزَيِّنُها (الكوافيرة)-، لم يحفظِ التاريخُ اسـمَها، لكنه حفظَ فعلَها، ورفعَ اللهُ ذكرَها، وأكرمَها بـِجَنَّاتَ الخُلْدِ مع أولادِها، فلما أُسْريَ برسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-شمَ رَائِحَةً طَيِّبَةً، فَقُالَ: يَا ‏جِبْرِيلُ،‏ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ ‏‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ‏‏وَأَوْلادِهَا، فقَالَ: وَمَا شَأْنُهَا؟ فأخبرَه بخبرِها، فما خبرُ هذهِ المرأةِ؟

إنها امرأةٌ صالحةٌ، كانت تعيشُ هي وزوجُها في مصرَ في مُلْكِ فرعونَ، وهي كوافيرةُ ابنةِ فرعونَ.

آمنتْ معَ منْ آمنَ بعدَ قصةِ إيمانِ سحرةِ فرعونَ، حينما أظهرَ اللهُ موسى بعصاهُ عليهم، فَأَخْفَوا إيمانـَهم؛ خوفًا مِنْ جبروتِ فرعونَ وقومِه، قال-تعالى-: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ).

وبينما هي تُـمَشِّطُ ابنةَ فرعونَ يومًا، إذْ وقعَ الـمِشطُ مِنْ يدِها، فقالت: باسمِ اللهِ، فقالتِ ابنةُ فرعونَ: اللهُ أبي؟ فقالتِ الـماشطةُ: كلا، بل اللهُ ربي، وربُّك، وربُّ أبيك، وربُ العالـمينَ، فتعجبتِ البنتُ أن يُعبدَ غيرُ أبيها، فقالتْ لها: أُخْبِرُ أبي؟ قالتْ: نعمْ، فأخبرتْه فعجبَ أنْ يُوجدَ في قصرِه منْ يعبدُ غيرَه! فدعا الـمَاشِطةَ، وقالَ لها: مَنْ ربُك؟ قالتْ: اللهُ ربي وربُك وربُ العالمينَ، فغضبَ عليها، وأمرَها بالرجوعِ عن إسلامِها، فلمْ ترجعْ، فأمرَ بتعذيبِها فلمْ ترجعْ، ثم أمرَ بإناءٍ مِنْ نُحاسٍ فُمِلِئَ بالزيتِ، ثم أُوقدَ عليه حتى غلا وفارَ، وأوقفَها أمامَ الإناءِ، فأيقنتْ أنـَّما هي نَفْسٌ واحدةٌ، تخرجُ وتلقى اللهَ-تعالى-راضيًا عنها، وكانَ لـها أولادٌ، فأرادَ أنْ يُـحرِقَهم قبلَها لترجعَ عن إسلامِها، أو ليحترقَ قلبُها قبلَ أنْ تحترقَ أجسادُهم، فجاؤُوا بهم، ولا يدرون إلى أينَ يُساقونَ، فلمَّا رأوا أمَهم تَعَلَّقُوا بها يبكونَ، فانكبتْ عليهم تُقَبِّلُهم وتَشُمُّهم وتَضَمُّهم وهي تبكي، وأخذتْ رضيعَها وضَمَّتْه إلى صدرِها، فلما رأى فرعونُ هذا المنظرَ أمرَ بأكبرِهم فجرَّه الجنودُ، وهو يصيحُ ويستغيثُ، ويسترحمُ فرعونَ وجنودَه، ويتوسلُ إليهم، وهم يضربونَه ويُهينُونَه، أمامَ أُمِهِ وإِخوتِه، ثمَّ رَمَوْهُ في الزيتِ الـمَغْليِّ، فذابَ لحمُه وطَفَتْ عظامُه بيضاءَ فوقَ الزيتَ، وأمُه وإخوانُه يبكونَ لا يكادونَ يُصدقونَ ما يـَحدثُ!

فنظرَ إليها فرعونُ، وأمرها بالكفرِ باللهِ والعودةِ لعبادة فرعونَ ودينِه فأبتْ، فأمرَ بأولادِها واحدًا تلوَ الآخر وفُعِلَ بهم مثلَما فُعِلَ بالأولِ، والأمُ ثابتةٌ على دينِها، موقنةٌ بلقاءِ ربـِها، ثم أمرَ بطفلِها الرضيعِ، فانتزَعَه الجنودُ منها، فَصَرَخَ الصغيرُ، وبكتِ المسكينةُ، فلما رأى اللهُ-تعالى-ذُلـَها وانكسارَها، وفجيعتَها برضيعِها، أنطقَ الصبيَّ الرضيعَ فقالَ لـَها: يا أماهُ اصبري، فإنَّك على الحق، ثم انقطعَ صوتُه، ورُميَ في الزيتِ الـمغليِّ مع إخوتِه، فطَفَتْ عظامُه بيضاءَ معهم فوقَ الزيتَ.

وبقيتْ وحيدةً فريدةً، فأمرَ فرعونُ جنودَه، فأقبلوا إليها كالكلابِ الضاريةِ، فلمَّا حملوها ليَقْذِفُوها في الزيتِ المغليِّ، التفتتْ إلى فرعونَ وقالتْ: أريدُ منكَ حاجة، فقال: ما حاجتُك؟ فقالتْ: أنْ تـجمعَ عظامي وعظامَ أولادي، فتدفنَها في قبرٍ واحدٍ، فقال: لكِ ذلكَ، فرموها في الزيتِ المغلي، فذابَ لحمُها، وطفتْ عظامُها مع أولادِها، فسبحانَ اللهِ، ما أظلمَ الطغاةَ! وما أقسى قلوبـَهم! وللهِ درُها! ما أعظمَ ثباتـَها! وما أكثرَ ثوابـَها!

كانت تستطيعُ أنْ تنجوَ وأولادُها بكلمةِ كفرٍ تُسْمِعُها لفرعونَ، لكنها علمتْ أنَّ ما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى، فباعتْ نفسَها وأولادهَا للهِ، راجيةً رضاه وجنتَه، وشوقًا للقائِه ورؤيتِه، تعبتْ قليلًا إلى حينٍ، واستراحتْ أبدَ الآبدينَ، في جناتِ النعيمِ، مضتْ إلى خالقِها، وجاورتْ ربـَّها، (في جناتٍ ونهرٍ*في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مقتدرٍ).

قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ دخلَ الجنةَ يَنْعَمُ ولا يَبْأَسُ، لا تبلى ثيابُه، ولا يفنى شبابُه، وله في الجنةِ ما لا عَيْنٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سـَمعتَ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ"، ومنْ غُمِسَ في الجنةِ غَمْسَةً واحدةً نَسيَ كلَّ بؤسٍ وشقاءٍ في الدنيا.

إِنَّ طريقَ الجنةِ ليس محفوفًا بالوُرودِ، بل بالـمَكارِهِ، وطُرُقَ النارِ محفوفةٌ بالشهواتِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "حُفَّتِ الجنةُ بالـمَكارِهِ، وحُفَّتِ النارُ بالشهواتِ"، فأسألُ اللهَ أَنْ يُثَبِّتَنِي وإياكم والمسلمينَ على دينِهِ، ويُوفِّقَ الجميعَ لـمرضاتِهِ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فبعضُ الـمسلمينَ اليومَ يُقَدِّمُ نومَه على الصلاةِ خاصةً الفجرَ والعصرَ، ويُقَدِّمُ شهواتِهِ على حُقوقِ اللهِ، ويُقَدِّمُ الباطلَ على الحقِ، ويُقَدِّمُ اللهوَ واللعبَ، والجوالَ والشبكاتِ، والأفلامَ والـمسلسلاتِ، والغناء َوالسهراتِ، على طاعةِ اللهِ وطُرِقِ الخيراتِ، والمشيِ إلى بيوتِ اللهِ للصلواتِ والجُمُعاتِ.

بعضُ الـمسلمينَ اليومَ لا يستطيعُ أنْ يقطعَ جَلْساتِ الـمنكراتِ، ولا يـمتنعَ عن الشهواتِ والأموالَ الـمُحَرَّماتِ، فيُقَدِّمُها على الإيمانِ باللهِ، وطاعةِ اللهِ، والاستقامةِ على دينِ اللهِ، وتلكَ المرأةُ المسكينةُ، الصابرةُ المـحتسبةُ ضَحَّتْ وجادتْ بنفسِها وأولادِها للهِ-تعالى-، فقدمتْ مرضاتَه على مرضاةِ فرعونَ، وآثرتْ العذابَ والموتَ مع الحقِ والإيمانِ، على الـمُتَعِ والحياةِ مع الباطلِ والكفرِ.

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللهم أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.

المرفقات

1691654902_الـماشطةُ-24-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن مبارك.docx

1691654902_الـماشطةُ-24-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن مبارك.pdf

المشاهدات 952 | التعليقات 0