الــــــــــــــــــــــــــرؤى ( تعميم ) 1444/8/18ه

يوسف العوض
1444/08/17 - 2023/03/09 14:19PM

الخطبة الأولى

عِبَادُ اَللَّهِ :  كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ تعجبُهُ الرُّؤيا الحسَنةُ فربَّما قالَ: هل رأى أحدٌ منْكم رُؤيا؟ فإذا رأى الرَّجلُ رُؤيا سألَ عنْهُ، فإن كانَ ليسَ بِهِ بأسٌ كانَ أعجبَ لرؤياهُ إليْهِ قالَ: فجاءَت امرأةٌ فقالت: يا رسولَ اللَّهِ رأيتُ كأنِّي دخلتُ الجنَّةَ فسمعتُ بِها وجبةً ارتجَّت لَها الجنَّةُ، فنظرتُ فإذا قد جيءَ بفلانِ بنِ فلانٍ وفلانِ بنِ فلانٍ حتَّى عدَّت اثني عشرَ رجلًا وقد بعثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ سريَّةً قبلَ ذلِكَ قالت: فجيءَ بِهم عليْهم ثيابٌ طُلسٌ تشخبُ أوداجُهم قالَ: فقيلَ اذْهبوا بِهم إلى نَهرِ البيدَخِ -أو قالَ إلى نَهرِ البيدَجِ - قالَ: فغُمِسوا فيهِ فخرجوا منْهُ وجوهُهم كالقمرِ ليلةَ البدرِ . قالَ: ثمَّ أُتوا بِكراسيَّ من ذَهبٍ فقعدوا عليْها وأُتِيَ بصَحفةٍ أو كلِمةٍ نحوِها - فيها بُسرةٌ فأَكلوا منْها فما يقلِّبونَها لشقٍّ إلَّا أَكلوا من فاكِهةٍ ما أرادوا وأَكلتُ معَهم. قالَ: فجاءَ البشيرُ من تلْكَ السَّريَّةِ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ كانَ من أمرنا كذا وَكذا وأصيبَ فلانٌ وفلانٌ حتَّى عدَّ الاثني عشرَ الَّذينَ عدَّتْهمُ المرأةُ. قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: على بالمرأةِ فجاءَت قالَ: قُصِّي على هذا رؤياكِ فقصَّت قالَ: هوَ كما قالت لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم.

عِبَادَ اَللَّهِ : إِنَّ هَذِهِ اَلرُّوحَ لَهَا صِفَاتٌ وَحَوَادِثُ تَقَعُ لَهَا ، مهِما حَاوَلَ اَلْعَقْلُ اَلْبَشَرِيُّ اَلْخَوْضَ فِي مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ حُصُولِهِ ، فَلَنْ يَصِلَ إِلَى نَتِيجَةٍ ، وَمِنْهَا هَذِهِ اَلرُّؤَى وَالْأَحْلَامُ اَلَّتِي يَرَاهَا اَلنَّاسُ فِي مَنَامِهِمْ ، وَبَعْضُهَا يُصَدِّقُ أَثَرَهُ فِي اَلْوَاقِعِ ، وَهِيَ اَلرُّؤْيَا اَلَّتِي مِنْ اَللَّهِ ، فَقَدْ أَخْبَرَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ إِذَا اِقْتَرَبَ اَلزَّمَانُ لَمْ تَكُدْ رُؤْيَا اَلْمُؤَمَّنِ تَكذبُ ، وَرُؤْيَا اَلْمُؤَمَّنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ اَلنُّبُوَّةِ ، وَأَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا ، أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا " وَفِي اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ عَنْ أَنَسْ قَالَ : "كَانَ اَلنَّبِيُّ تُعجُبُهُ اَلرُّؤْيَا اَلْحَسَنَةُ ، وَرُبَّمَا قَالَ : "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا ، وَقَالَ : " فَإِذَا رَأَى اَلرَّجُلُ رُؤْيَا سَأَلَ عَنْهُ ، فَإِنَّ كَانَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، كَانَ أُعْجِبَ لِرُؤْيَاهُ ، وَلَقَدْ كَانَ اَلنَّبِيُّ يُخْبِرُ أَصْحَابَهُ بِمَا رَأَى مِنْ اَلرُّؤَى اَلَّتِي هِيَ وَحْيٌ صَادِقٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَقِّ جَمِيعِ اَلْأَنْبِيَاءِ ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عنه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « بَيِّنًا أَنَا نَائِمٌ ، إِذْ أُوتِيَتُ خَزَائِنَ اَلْأَرْضِ ، فَوَضَعَ فِي يَدِي سُوَارَينِ مِنْ ذَهَبَ ، فَكَبُرَا عَلِي وَأهَمَانِي ، فَأَوْحَى إِلَى : أَنْ اُنْفُخْهُمَا ، فَنَفْخَتُهُمَا ، فَطَارَا ، فَأُولَتُهَمَا اَلْكَذَّابِينَ اَللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا ، صَاحِبَ صَنْعَاءَ ، وَصَاحِبَ اَلْيَمَامَةِ » وَفِي رِوَايَةٍ « فَأُولَتُهَمَا : كَذَّابِينَ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي ، يُقَال لِأَحَدِهِمَا : مُسَيْلِمَةُ صَاحِبُ اَلْيَمَامَةِ ، وَالْعَنْسِيُّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ » ، وَكَانَ فِي اَلْمَدِينَةِ وَبَاءٌ ، فَرَأَى اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ اَلرَّأْسِ ، خَرَجَتْ مِنْ اَلْمَدِينَةِ ، حَتَّى نَزَلَتْ بِمَهِيعَة ، وَهِيَ اَلْجُحْفَةُ اَلَّتِي يُحْرِمُ مِنْهَا اَلْحَاجُّ مِنْ اَلْمَدِينَةِ ، قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فَأَوْلَتُ أَنَّ وَبَاءَ اَلْمَدِينَةِ نُقَلَ إِلَيْهَا » .

عِبَادَ اَللَّهِ : يَقُولَ اَلْعَلَّامَةُ اِبْنُ اَلْقَيِّمِ : " وَقَدْ ضَرَبَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ اَلْأَمْثَالَ ، وَصَرَّفَهَا قَدَرًا وَشَرْعًا ، وَيَقَظَةً وَمَنَاماً ، وَدَلَّ عِبَادَهُ عَلَى اَلِاعْتِبَارِ بِذَلِكَ ، وَعُبُورَهُمْ مِنْ اَلشَّيْءِ إِلَى نَظِيرِهِ ، وَاسْتِدْلَالَهُمْ بِالنَّظِيرِ عَلَى اَلنَّظِيرِ ، بَلْ هَذَا أَصْلُ عِبَارَةِ اَلرُّؤْيَا اَلَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ اَلنُّبُوَّةِ ، وَنَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ اَلْوَحْيِ " ، فَتَارَةً تُبَشِّرُ بِخَيْرٍ قَدَّمَهُ اَلْعَبْدُ أَوْ يُقَدِّمُهُ ، وَتَارَةً تُنْذِرهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ اِرْتَكَبَهَا أَوْ هَمَّ بِهَا ، وَتُحَذِّرُهُ مِنْ مَكْرُوهٍ اِنْعَقَدَتْ أَسْبَابُهُ ؛ لِيُعَارِضَ تِلْكَ اَلْأَسْبَابَ بِأُخْرَى تَدْفَعُهَا ، وَغَيرَ ذَلِكَ مِنْ اَلْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ اَلَّتِي جَعَلَهَا اَللَّهُ فِي اَلرُّؤْيَا نِعْمَةً مِنْهُ وَرَحْمَةً وَإِحْسَانًا ، وَتَذْكِيرًا وَتَعْرِيفاً ، وَكَم مِمَّنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ وَصَلَاحُهُ ، وَزُهْدُهُ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اَلْآخِرَةِ بِسَبَبِ رُؤْيَا رَآهَا .

اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ :

عِبَادُ اَللَّهِ : اَلرُّؤَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : رُؤْيَا صَالِحَةٌ هِيَ بُشْرَى مِنْ اَللَّهِ ، وَرُؤْيَا هِيَ تَحزِينٌ مِنْ اَلشَّيْطَانِ ، وَرُؤْيَا هِيَ مِنْ حَدِيثِ اَلنَّفْسِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ مُرَائِي اَلنَّاسِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ اَلنَّفْسِ ، وَالنَّاسُ فِي اَلرُّؤَى طَرَفَانِ وَوَسَطٍ ، فَطَرَفُ أَنْكَرَهَا وَعْدَّهَا أَضْغَاثَ أَحْلَامٍ ، وَطَرَفٌ غَلَا فِيهَا وَجَعْلَ جُلَّ حَدِيثَهُ عَنْهَا ، وَأَشْغَلَ ذِهْنَهُ بِهَا ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهَا دَلِيلاً شَرْعِيًّا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ ، وَأَمَّا اَلْوَسَطُ ، فَهُمْ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوا اَلنَّهْجَ اَلسَّلِيمَ ، اَلَّذِي رَسَمَهُ لَهُمْ اَلنَّبِيُّ اَلْكَرِيمُ ، أَنَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنْ اَلنُّبُوَّةِ إِلَّا اَلْمُبَشَّرَاتِ ، قَالُوا : وَمَا اَلْمُبَشَّرَاتُ ؟ قَالَ : اَلرُّؤْيَا اَلصَّالِحَةُ » ، وَكَمَا فِي اَلْمُوَطَّأِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ اَلزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى " لَهُمْ اَلْبُشْرَى فِي اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا " قَالَ : "هِيَ اَلرُّؤْيَا اَلصَّالِحَةُ يَرَاهَا اَلرَّجُلُ اَلْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ " فَالرُّؤْيَا مُبَشِّرَاتٌ فَقَطْ ، وَلَا يَسْتَنِدُ عَلَيْهَا فِي اَلْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَّةِ وَتَقْرِيرِهَا ، وَإِلَّا لَانَفْتَحَ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ بَابُ   شَرٍّ لَا يَعْلَمُ مَدَاهُ إِلَّا اَللَّهُ ، وَمِنْ اسْتشْهِدَ بِقَوْلِهِ : « أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ » فَقَدْ أَخْطَأَ ؛ لِأَنَّ اَلَّذِي قَرَّرَ ذَلِكَ هُوَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَحْيٍ مِنْ رَبِّهِ ، وَالْوَحْيُ قَدْ اِنْقَطَعَ .

عِبَادُ اَللَّهِ : إِذَا رَأَى اَلْإِنْسَانُ مَا يَكْرَهُ فِي اَلرُّؤْيَا ، فَالسَّنَةُ أَنَّ يَفْعَلُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ : أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ اَلشَّيْطَانِ ، وَأَنْ يَنْفُثَ عَنْ يَسَارِهِ ، وَأَنَّ لَا يُخْبِرَ بِهَا أَحَدًا ، وَأَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ اَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَقُومَ فَيْصَلِيٌّ ، وَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تَضُرْهُ اَلرُّؤْيَا اَلْمَكْرُوهَةُ – بِإِذْنِ اَللَّهِ - ، فَإِنَّ هَذَا يَدْفَعُ شَرَّهَا . وَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيَسْتَبْشَرْ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا إِلَّا مِنْ يُحِبُّ ، وَلَا يَقُصُّهَا إِلَّا عَلَى عَالَمٍ أَوْ نَاصِحٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ يَقُصُّهَا عَلَيْهِ قَدْ يُؤَوِّلُهَا تَأْوِيلاً فِيهِ ضَرَرٌ ، فَتَقَعُ كَمَا أَخْبَرَ ؛ لِأَنَّ اَلرُّؤْيَا تَقَعُ غَالِبًا عَلَى مَا فُسَّرَتْ بِهِ ، كَمَا جاء بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ : « اَلرُّؤْيَا عَلَى رِجلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ ، فَإِذَا عُبَّرَتْ وَقَعَتْ ، وَلَا يَقُصُّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍ أَوْ ذِي رَأْيٍ » . وجاء في الحديث اصحيح "أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اَللَّهِ : رَأَيْتُ فِي اَلْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرْبَ فَتَدَحْرَجَ ، فَاشْتِدْدَتُ فِي أَثَرِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ : « لَا تُحَدِّث اَلنَّاسَ بِتَلَاعُبِ اَلشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ » ، أَمَّا إِذَا رَأَى اَلْإِنْسَانُ رُؤْيَا وَلَا يَعْلَمُ هَلْ هِيَ صَالِحَةٌ أَمْ لَا ؟ فَالْأُولَى أَنَّ لَا يَتَكَلَّفَ فِي طَلَبِ تَأْوِيلِهَا ، وَقَدْ وَرَدَ اَلْوَعِيدُ اَلشَّدِيدُ فِي حَقِّ مِنْ كَذَّبَ فِي رُؤْيَاهُ ، قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مِنْ تَحلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ ، كُلَّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ ، وَلَنْ يَفْعَلَ » .

 

المشاهدات 863 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا