الغيث آية الربوبية

موسى بن عبدالله الموسى
1442/04/11 - 2020/11/26 18:48PM

الغيث آية الربوبية

استغنت الأرض بعد إفلاس، واستبشر الناس بعد إبلاس، ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: 49-50].

مُطرنا بفضل الله ورحمته ورزقه غيثًا طيبًا مباركًا، سألنا الله فأعطانا، واستغثناه فأغاثنا، فله المنة والفضل وحده، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28].

آية بينة عبرة لأولى الألباب ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].

لا رزق إلا من الله، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدره على من يشاء.

أيُّها المؤمنون: العطاء عطاء الله، فإذا ضاقت بك الأمور فلا تتذلل لغيره ولا تقصد سواه، خزائنه ملئ، لا تغيضها نفقة، يده سحّاء الليل والنهار، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: 21].

كم من نعمة أنعمها الله علينا قبل سؤاله، وكم حاجةٍ قضاها لن تبلغ بنا ضائقتها، إذا سألت فاسأل الله، فهو نعم المجيب، وأما غيره فعباد أمثالكم، لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورا.

يحب السائلين ويشكر الشاكرين، ويضاعف لهم العطاء ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].

أيُّها المؤمنون: تأمل في حالك وفي نعم الله عليك المتوافرة، العظيمة المتكاثرة، أحياك بعد مماتك، أغناك من الفاقة، فلم يُحوجك لمخلوق مثلك تتذل له، يُعطيك لقمة تسد بها حاجتك، ألم تمرض يومًا فسألته العافية فعافاك، ألم تسأله الزوجة فأعطاك، وتطلبه الولد فوهبك، ألم يُعطيك الوظيفة بعد مسألة، ألم يقضي دينك بعد دعائك، بل تأمل وأنت تدعو اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك.

أتتخيل أنك تقدر على عبادة لم يعنك عليها؛ من الذي أيقظك لصلاة الفجر، وقد رقد غيرك!

ألم يُعنك على صيام رمضان كله فصمته من الذي ذلل نفسك وجعلها تألف العبادة، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53].

إنه لا بد أن نغذي قلوبنا ونغرس في نفوسنا أننا فقراء إلى الله، وأنه الغني الحميد، لو شاء لحبس عنده حاجتنا فلا معطي غيره، ولو شاء لكنا نسيًا منسيًا.

إن المرء متى عوّد نفسه على سؤال الله لك حاجته؛ قليلها قبل جليلها، حتى شعث النعل إذ أن الله لو لم يُعن على إصلاحه ما صلح.

إذا كانت هذه الحال كان العبد أغنى الخلق بربه وأعزهم نفسًا، وأريحهم بالًا، وأشرحهم صدرًا، يؤخر الله عطاءه لحكمة، وهو لا يرد سائلًا، فهو الرب العظيم تكفَّل بربوية العالمين وحاجتهم، ولا يرضى لعبده أن يطرح حاجته إلا بين يديه، وهو القائل: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30].

الخطبة الثانية

أما بعد...

أيَّها المؤمنون: إن في نزول الغيث من السماء دلالة عظيمة أن أرزاق العباد من ربهم وحده ينشئ السحاب الثقال، يسقي به من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، ليس لغيره به حولًا ولا قوة ﴿أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾ [الواقعة: 69].

فتحيا به الأرض بعد موتها، وتؤتي أكلها طيبة بإذن ربها، ويُخرج الله بها من كل الثمرات، تطيب النفوس والثمار والأنعام.

أيُّها المؤمنون: إن آية نزول المطر كفيلة للعبد في أن يتقرر في نفسه أن قضاء حاجته بانطراحه بين يدي ربه وحُسن العلاقة به، فإذا كانت حاله هذه فبأيسر الأسباب يقضي الله له حاجته، ويسد فاقته.

كم من حاجةٍ قضاها بلطفه، لا نُدرك لها سببًا؛ لأنه اللطيف الخبير.

أيُّها المؤمنون: ألضوا لربكم وحده بحاجتكم، وافزعوا إليه في ملماتكم، ولا تستبطئوا فإن فرج الله قريب، ولكن الإنسان خُلق من عجل.

فاللهم لا تجعل بيننا وبينك في رزقك أحد سواك، واجعلنا أفقر خلقك إليك، وأغنى خلقك بك.

المشاهدات 874 | التعليقات 0