الغناء .. هل هو حرام؟

عبدالله اليابس
1437/11/22 - 2016/08/25 19:06PM
الغناء الجمعة 23/11/1437هـ
الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار.. وكرم الإنسان ورفع له المقدار.. واصطفى من عباده المتقين الأبرار.. فوفقهم للطاعات.. وصرفهم عن المنكرات.. وأعدّ لهم عقبى الدار..
أحمده سبحانه.. فهو الذي خلق المنطق واللسان.. وأمر بالتعبد وذكر الرحمن.. فسبحانه من إله عظيم.. يرضى ويغضب.. وينصب الميزان.. يوم تنطق الجوارح.. وتبين الفضائح.. فإذا خلقه من الجن والإنس قد أحصيت أعمالهم.. وهُتكت أستارهم.. وفَشَت أسرارهم.. ونطقت أيديهم وأرجلهم.. فبأي آلاء ربكما تكذبان.
أشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين.. وأشهد أن محمداً عبده المصطفى.. ونبيه المجتبى.. ورسوله المرتضى.. الذي لا ينطق عن الهوى.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. لما خلق الله سبحانه خلقه أمرهم بأوامر ونهاهم عن مناهٍ.
فكل ما أمر به سبحانه خير للبشرية, فيه صلاحهم وفلاحهم وعلوهم ونجاحهم, وكل ما نهاهم عنه ففيه لهم الأذى والشر, والضلال والضُّر.
فالله تعالى أعلم بما يُصلح عباده, وهو سبحانه أعلم بما يضرهم. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
أدرك إبليس الرجيم هذه الحقيقة, وسعى بكل ما أوتي من قوة وقدرة وطاقة وأتباع.. سعى لأن يزين تلك المناهي للخلق, حتى يدخلهم معه نار جهنم .. مصيره المحتوم الذي توعده الله به. {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}.
ولذلك أصبحت المعاصي مزينة محببة للخلق, مع أن فيها الضر والأذى, وأصبحت الطاعة شاقة ثقيلة مع أن فيها الصلاح والهدى. أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ, وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ".
ولأن بذرة الإيمان موجودة في قلوب كثير من الناس وإن عصوا الله تعالى, فتجدهم يعصون الله تبارك وتعالى ثم يندمون على هذه المعصية, ويصيبهم من تأنيب الضمير ما يدفعهم لتركها والندم عليها والإقلاع عنها, لذلك فقد حاول إبليس وأتباعه أن يلبسوا هذه المعاصي لبوس الشريعة, حتى يعصي الإنسان ربه .. وهو مقتنع أنه لا يفعل معصية, فينغمس في أوحال المعاصي ويبتعد عما شاء الله تعالى له من الخير, وهو لا يشعر بذلك, {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
أيها الإخوة .. من أبرز المعاصي التي لُبِّس فيها على الناس, وتزعم دعاة الفساد نشر الفتاوى المبيحة لها, وأصبحوا يدعون الناس إليها بقوة محتجين بفتاوى شرعية.. من أبرز هذه المعاصي معصية الله تعالى باستماع الغناء.
فأصبحنا نشاهد ونسمع ونقرأ لأشخاص أو قنوات لم يعرف عنهم يومًا الدعوة إلى الفضيلة أو نشر العبادة والتقوى بين الناس, أصبحنا نشاهد تلقفهم للفتاوى التي تبيح الغناء, ونشره عبر وسائلهم الإعلامية, وإبرازها بالنص العريض, ومحبة إفشائها وإشاعتها بين الناس, بل وتصوير من يقول بتحريم استماع الغناء بالقول الشاذ أو الضعيف, أو أنه قول متشدد متزمت, لا يريد للناس أن تعيش بفرح وسعادة, ويشفعون هذه الفتاوى بدعاوى أن الموسيقى تنشر السلام والمحبة بين الناس, وأنها وسيلة من وسائل الارتقاء بالأمم, وأنها ضرورة بشرية, وما إلى ذلك من الدعاوى.
إن استماع الموسيقى والمعازف محرم بنص القرآن الكريم, سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن قوله تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).. قيل له: ما هو لهو الحديث؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء.
وسئل محمد بن الحنفية -رحمه الله- عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قيل: ما الزور؟ قال: هو الغناء.. لأنه يميل بك عن ذكر الله.
وقال تعالى لكفار قريش: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) قال ابن عباس: "السُمود في لغة حِمير يعني الغناء", يقال: اسمُدي لنا يا جارية، أي: غني لنا".
وإذا كانت الآيات قد دلّت على ذلك فأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة في الدلالة على تحريم الغناء, استمع إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف"
فانظر كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم "يستحلون" .. والاستحلال لا يكون إلا بعد تحريم.. وكيف جمع المعازف مع الزنا والخمر ولبس الحرير.. أفبعد هذا البيان بيان؟
وأخرج الترمذي وغيره وصححه الألباني من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليكونَنَّ في هذه الأُمَّةِ خَسْفٌ وقذْفٌ ومَسْخٌ، وذلِكَ إذا شَرِبُوا الخُمُورَ، واتّخَذُوا القِيناتِ، وضَرَبُوا بالمعازِفِ", فقوله: "اتخذوا القينات" أي: المغنيات. فتوعد صلى الله عليه وسلم أمته إذا ظهرت فيهم المعازف وفشت وشاع شرب الخمور أن يحل بها المسخ والخسف والقذف, فيا لطيف الطف في قضائك, وارحمنا برحمتك.
واسمع إلى حال السلف الصالح مع الغناء, كيف تعاملوا معه, وكيف حذِروا وحذَّروا منه, روى الإمام أحمد في في المسند: أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج يوماً في حاجة, فمر بطريق, فسمع زُمَّارةَ راعٍ فوضع إصبعيه في أذنيه حتى جاوزه.
وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه: "أحذركم الغناء.. أحذركم الغناء.. أحذركم الغناء.. فما استمعه عبد إلا أنساه الله القرآن".
وجاء رجل إلى ابن عباس -رضي الله عنهما-.. فقال: "أرأيت الغناء أحلال هو أم حرام؟ فقال ابن عباس: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ قال الرجل: يكون مع الباطل, قال ابن عباس: فماذا بعد الحق إلا الضلال, اذهب فقد أفتيت نفسك.
وسأل رجل الإمام مالكاً عن الغناء؟ فقال: "ما يفعله عندنا إلا الفساق", وسُئل الإمام بن حنبل عن الغناء؟ فقال: "الغناء ينبت النفاق في القلب".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإنهم متفقون - أي الأئمة الأربعة - على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه".
وقد حكى الإجماع على تحريم المعازف الإمام القرطبي.. وأبو الطيب الطبري.. وابن الصلاح.. وابن رجب الحنبلي.. وابن القيم.. وابن حجر الهيتمي.. وغيرهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. علمنا إذا ًأدلة الشرع على تحريم استماع الغناء, وعلمنا أيضًا أقوال أهل العلم الذين أمرنا الله تعالى بسؤالهم في مسائل الشرع: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
إذا تبين ذلك فلنعلم أنه لن ينفعنا غدًا عند الله الاعتماد على فتوى فلان أوفلان, أو ما نقلته القناة الفلانية أو الموقع الفلاني, ففي يوم القيامة ستبعث وحدك وتحاسب وحدك وستجد ما عملت أمامك: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}
إذا كان قلبك جامدًا قاسياً لا يتأثر بآيات الله ومواعظه, فاعلم أن استماع الغناء والمعازف من أعظم أسباب قسوة القلب, يقول ابن القيم رحمه الله: (فمن علامات النفاق: قلة ذكر الله، والكسل عند القيام إلى الصلاة، ونقر الصلاة، وقل أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه), وقال الضحاك رحمه الله: الغناء مَفسدة للقلب مَسخطة للرَّب.
إن انتشار الغناء وفشوه من أعظم أسباب المصائب الدنيوية والأخروية, قال ابن القيم رحمه الله: "والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو وبلوا بالقحط والجدب وولاة السوء".
أيها الإخوة.. لقد تساهل الناس اليوم كثيرًا في أمر الغناء, بل حتى تساهل بأمره كثير من الصالحين, فتجده لا يبالي أن يستمع إلى الموسيقى المصاحبة لنشرات الأخبار, أو المصاحبة لبعض المقاطع التي ترد إلى جواله.
ومن أعظم ما شاع مؤخرًا ما يسمى بالشيلات المصحوبة بالمعازف, فأصبحنا نرى كثيرًا من الصالحين فضلاً عن غيرهم يستاهلون في سماع هذه الشيلات المصحوبة بالموسيقى بحجة أنها شيلة وليست أغنية.
إن الذي حرم الأغنية المصحوبة بالمعازف .. حرَّم الشيلة المصحوبة بالمعازف .. وكيف لنا أن نخرج هذه الشيلات من الآيات والأحاديث التي تحرم المعازف.
ألا فلنتق الله عباد الله, ولنلزم دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, ولنكثر من سماع القرآن وتلاوته ففيهما والله ما يغني ويلذ الأسماع ويحيي القلوب.
واحذر أيها المحب أن تكون ممن قال فيهم ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
برئنا إلى الله من معشرٍ *** بهم مرض من سماع الغنا
وتكرارُ ذا النصح منَّا لهم *** لنُعذِر فيهم إلى ربنا
فلما استهانوا بتنبيهنا *** رجَعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى *** وماتوا على تنتنا تنتنا
اللهم اختم لنا جميعًا بخير, وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم أحي قلوبنا بذكرك, واملأها بحبك يارب العالمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات

الغناء 23-11-1437هـ.docx

الغناء 23-11-1437هـ.docx

المشاهدات 1110 | التعليقات 0