الغلو في الصالحين - 3

ماجد بن سليمان الرسي
1446/03/09 - 2024/09/12 10:29AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه تعالى خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وأرسل الرسل لذلك قال: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون﴾، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾.

***

أيها المؤمنون، تقدم في الخطبة الماضية ذكر الأحاديث الواردة في التحذير من الغلو في الأنبياء والصالحين، وبيان أقسام الناس في التعامل معهم، من الأنبياء وأتباعهم، وفي هذه الخطبة نتكلم بما يسر الله عن أنواع الغلو فيهم على سبيل الإجمال.

مظاهر الغلو في الأنبياء والصالحين

عباد الله، ومظاهر الغلو في الأنبياء والصالحين كثيرة، تنيف على العشرين مظهرًا، يفعلها بعضُ الناس في بعضِ مَن يُنسبون للصلاح والولاية من الأحياء والموتى، عافانا الله من ذلك، وهي كالتالي على سبيل الإجمال:

$ المظهر الأول: اتخاذ القبور مساجد.

$ المظهر الثاني: بناء المساجد على القبور.

$ المظهر الثالث: بناء الغُرف والقُبَب ونحوها على القبور.

$ المظهر الرابع: رفع تراب القبر.

$ المظهر الخامس: اتخاذ السُّرُج على القبور.

$ المظهر السادس: مظاهر متنوعة من مظاهر تعظيم القبور.

$ المظهر السابع: دفن خواصِّ الناس في قبور خاصة.

$ المظهر الثامن: دعاء أصحاب القبور.

$ المظهر التاسع: طلب الدُّعاء من صالحي الموتى.

$ المظهر العاشر: التوسل بالموتى من الأنبـياء والصالحين.

$ المظهر الحادي عشر: تحرِّي دعاء الله عند القبور.

$ المظهر الثاني عشر: السَّفر إلى القبور.

$ المظهر الثالث عشر: اتخاذ القبور أعيادًا.

$ المظهر الرابع عشر: العكوف عند القبور.

$ المظهر الخامس عشر: الذبح لأصحاب القبور.

$ المظهر السادس عشر: الطواف حول القبور.

$ المظهر السابع عشر: الحلف بالصالحين.

$ المظهر الثامن عشر: النذر لأصحاب القبور.

$ المظهر التاسع عشر: اتخاذ الله واسطة بين المخلوق والمخلوق.

$ المظهر العشرون: خوف السِّر من أصحاب القبور.

$ المظهر الحادي والعشرون: تصوير الصالحين على هيئة تماثيل وصور.

$ المظهر الثاني والعشرون: التبرك بقبور الصالحين.

$ المظهر الثالث والعشرون: تعظيم الأماكن التي مر بها الأنبـياء.

$ المظهر الرابع والعشرون: دعوى الربوبية في الصالحين.

$ المظهر الخامس والعشرون: ادعاء علم الغيب لغير الله، من الكهان وغلاة الصوفية وأشباههم.

$ ومما ينبغي التنبه له أن بعض تلك المظاهر -وليس كلها- ليس شركًا بحدِّ ذاته، لكنها وسيلة للوقوع في الشرك، وما كان حاله كذلك فإنه ممنوع، لأن من قواعد الشريعة أن ما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم، والوسائل لها أحكام المقاصد.

***

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

***

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا رحمكم الله أن الغلو في الأنبياء والصالحين والأولياء سبيل الكفار وأهل البدع الغلاة، فالشيعة وغلاة الصوفية يعتقدون أن للأولياء والأئمة حق التشريع والتحليل والتحريم، لأنهم معصومون- على حدِّ اعتقادهم- وعلى هذا فإن أقوالهم حجة يجب اتباعها عندهم كما يزعمون([1]).

والرافضة الغلاة يفضلون أئمتهم المعصومين- بزعمهم- على النبي (صلى الله عليه وسلم).

وغلاة الصوفية يُفَضِّلون كبارهم على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويَسْعون في رفعهم لمقام الألوهية والربوبية([2]).

ومِن الغلاة مَن غلوا في تعظيم النبي (صلى الله عليه وسلم) والصالحين حتى عبدوه، وصرفوا له خالِصَ حقِّ الله تعالى من أفعال العباد، من دعاء ونذر وذبح وغير ذلك، أو وصفوه بصفات الله الخاصة به كعلم الغيب ونحو ذلك، وهذا كثير في عباد القبور، عياذًا بالله من ذلك.

وكل هذه الاعتقادات كفر وشرك- والعياذ بالله-، ومخالفة للنصوص المتواترة وإجماع المسلمين.

وطائفة أخرى من الصوفية عظَّموا النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنواع من التعظيم البدعي، لم يعرفها صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كعمل الموالد، أو التوسل بجاهه، ونحو ذلك.

وأما أهل السنة والجماعة -جعلنا الله منهم- فهم الذين عَظَّموا النبي (صلى الله عليه وسلم) والصالحين التعظيم الشرعي، واجتنبوا طرق التعظيم البدعي والشركي.

والإسلام دين الوسط، فكما أنه نهى عن الغلو في الصالحين؛ فقد نهى عن ذمهم، وأعظم مظاهر ذلك الاستهزاء بالنبي الكريم (صلى الله عليه وسلم)، أو غيره من الأنبياء، فإن هذا من أعظم الكفر، أو سب الصحابة كما تفعله الرافضة، أو سب العلماء وتنقُّصهم والإزراء بهم، كما يفعله بعض المُتحمسين الجُهَّال، لا سيما مَن تَلَوَّثوا بشيء من فِكر الخوارج، وكذلك الاستهزاء بالقائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يفعله بعض العلمانيين الذين يريدون التحرر ومسخ المجتمع من الناحية الأخلاقية.

***

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761



([1]) يراجع كتاب «هذه هي الصوفية» لعبد الرحمـٰن الوكيل.
([2]) انظر كتاب «الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة» ص59، الفصل الرابع: القول بالحلول.

المرفقات

1726126174_مقدمة - الغلو في الصالحين - جزء 3.doc

1726126174_مقدمة - الغلو في الصالحين - جزء 3.pdf

المشاهدات 214 | التعليقات 0