الغفلة

صالح العويد
1443/02/16 - 2021/09/23 18:02PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  حياكم الله جميعا وطاب مساؤكم بكل  خير وجزى الله الجميع ولهذا الصرح المبارك لا حرم الله الجميع الأجر والثواب على ما يقدموه  وجعل ذلك في ميزان حسناتهم 
المشاهدات 1661 | التعليقات 1

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا نعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل: ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.، فمن خاف الوعيدَ قصُر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، الإيمان خير قائد، والعمل الصالح خير رائد، والإحسان إلى الناس خير عائد، وحسن الخلق خيرٌ زائد. أهل الدنيا في غفلة، تمرّ عليهم الجنائز، والموت فيهم واعد وناجز، وهم يبنون ما لا يسكنون، ويجمعون ما لا يأكلون، فيا سعادةَ من استعان بدنياه على آخرته، ويا فوزَ من شمّر لمرضاة ربّه وعمل على طاعته يقول الله تعالى في محكم آياته : {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ…} [الأنبياء: 1 – 3] وقال تعالى {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [مريم: 39]   إخوة الإسلام من الصفات المذمومة ، والتي ذمها الله ورسوله: الغفلة، قال تعالى عن الكفار ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون ﴾ [الروم: 7] وقال تعالى عن فرعون: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون ﴾ [يونس: 92] وقد نهى الله تبارك وتعالى نبيه عن الغفلة، فقال تعالى ﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين ﴾ [الأعراف: 205]. وقد تكون الغفلة عن الله عقوبة من الله للعبد على معصيته إياه،عافاني الله وإياكم  قال تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُون ﴾ [النحل: 108]. وقد روى مسلم في صحيحه ( عن الْحَكَم بْن مِينَاءَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ) وحقيقة الغفلة عباد الله  : الانغماس في الدنيا وشهواتها ونسيان الآخرة ، بحيث يصير الإنسان له قلب لا يفقه به ،وعين لا يرى بها ، وأذن لا يسمع بها, قال تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الأعراف 179 فترى الغافل يجتهد في تعمير الدنيا الفانية ، ويعرض عن الآخرة الباقية, فيكره لقاء الله واليوم الآخر ، لأنه لم يقدم لنفسه شيئاً, فيخاف أن ينتقل من العمران إلى الخراب ، وتراه منغمساً في نِعَم الله التي لا تعد ولا تحصى، وينسى شكر المنعم؟! ، إن الغفلة داء عضال، ومرض فتاك، أهلك الماضين، وأوقع الأحياء في بعد عن التزود ليوم الدين، وصرف الكثيرين عن ربهم، وأرداهم الموت فكانوا من الخاسرين، سهوا عن طلب النجاة لأنفسهم، وغفلوا عن التزود للقاء ربهم، فاستيقظوا من غفلتهم وهم موسدون في قبورهم، مرتهنون بأعمالهم، قال تعالى[قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ] (المؤمنون:112ـ115) فلتحذروا – عباد الله – من التمادي في الغفلة والإعراض عن الله، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، فلقد ندد الحق جل وعلا بالغافلين، وأشاد بالمتقين الذين جانبوا هوى النفس، وعملوا للدار الآخرة، فقال سبحانه مبيناً حالَ كلَّ فريقٍ وجزاءَه : } فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَءاثَرَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا  فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ{ [النازعات:37-41]. أفلا نتعظ – يا عباد الله – بقوارع التنـزيل وآياته؟! ونعتبر بما حل بالماضين من أهل القرون الخالية، ومن نُشَيِّعُ كلَّ يوم إلى الدار الآخرة في رحلات متتالية، يذهب فيها أفرادٌ وجماعات، وآباءٌ وأمهات، وأبناءٌ وبنات، وملوكٌ ومماليك، وأغنياءُ وصعاليك، ومؤمنون وكفار، وأبرارٌ وفجار، يُوْدَعون القبور، وينتظرون يوم النفخ في الصور؛ والبعث والنشور . عباد الله إن النجاة في الدنيا والآخرة هي في إقبال العبد على الله تعالى بقلبه وقالبه، فمدار السعادة هو طاعة الله، ومحبته، والانقياد لأمره، والعمل بما يرضيه، والحرص على كل ما يقربه إليه، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] (الأنفال:24) أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم