الغش والاحتكار التجاري

خالد الكناني
1444/08/03 - 2023/02/23 13:36PM

الغش والاحتكار التجاري

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.أما بعدُ : عبادَ الله : اتقوا الله حق التقوى ، قال تعالى : {  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }

أيها المسلمون : اعلموا أن البيع والشراء من المعاملات التي جاء الإسلام ببيانها وأوضح لنا حلالها وحرامها وقواعد الكسب المشروع والممنوع منها ، قال تعالى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } البقرة 275 ، وعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»

أيها المسلمون : إن مما حرم الشرع في المعاملات التجارية الغش وللغش في زمننا المعاصر طرق ووسائل كثيرة كإخفاء عيب السلعة عن المشتري ، أو خلط الجيد بالردي دون إبانة ذلك عند البيع ، أو إظهار المقلد بصورة الأصلي الجيد وهكذا بكل طرق ووسائل الغش  التي حرمها الشرع الحكيم .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا.

ومن الغش في البيع والشراء التطفيف وبخس الوزن والكيل والعدد والمساحة ، قال تعالى : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) } وقال تعالى : { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ }

ومن الغش في المعاملات التجارية عدم الوفاء بالعقود المتفق عليها ، والخيانة وعدم الوفاء في عقود المقاولات والإنشاءات والصيانة وغيرها  من العقود ،قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }

ومن الغش التجاري في المعاملات التجارية احتكار السلع ، وهذا الصنف من التجارهم الذين يشترون السلع من الطعام ونحوه مما يحتاجه الناس في وقت الشدة ويخزنه ليشتد الغلاء حتي يبيع بأكثر مما يؤدي إلى الاضرار بالناس وعدم مراعاة أحولهم بل التضييق عليهم  وهذا لا يجوز وهو منكر وصاحبه آثم ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وفي رواية «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» أي عاص آثم .

ومن الغش في المعاملات التجارية التستر التجاري بجميع أشكاله وصورة ، والذي فيه من الغرر والخديعة والحيل والمخالفة لأنظمة العمل والعمال التي وضعتها الدولة ، ولما فيه من الضرر على الفرد والمجتمع ومؤثر على الاستقرار الاقتصادي ، لذا يجب التزام المنشآت التجارية بالأنظمة واللوائح التي تضعها الجهات الحكومية المختصة حفاظا لحقوق الناس ومصالحهم وبعدا عن الوقوع في المخالفات والشبهات المحرمة .

 

أيها المسلمون : ليس هناك حد شرعي لمقدار الربح ، ولكن هناك آداب وأخلاق شرعية إسلامية ينبغي للتجار مراعاتها والتخلق بها في بيعهم وشرائهم كالرفق والقناعة والسماحة والتيسير في المعاملات التجارية ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»

والتاجر المسلم عليه أن يرفق بإخوانه المسلمين وأن يرضي بالربح الطيب رحمة بإخوانه وتعاونا معهم على الخير ، لأن المسلم أخو المسلم ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»

ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ))

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آلة وأصحابه وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا

 

أيها المسلمون : اتقوا الله ربكم وافعلوا الخيرات دهركم وتعرضوا لنفحات رحمه الله تعالى ، وقدموا لأنفسكم في شهركم هذا والذي يغفل كثير من الناس عنه ، ... عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: " ذَلِكَ شَهْرٌ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )) رواهُ أحمدُ والنسائيُّ وحسَّنَهُ الألبانيُّ

ففي الحديث عن شهر شعبان أن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بكثرة الصيام .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ )) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لهما ((كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ )) ، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا  ))

فلنصوم في شهرنا هذا ما نستطيع ونطيقه من الصيام فإن الصيام فيه مستحب ، والصيام لا يعدله شيء ، اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم ورجاء أن ترفع أعمالنا فيه إلى الله ونحن صيام ، فتدركنا رحمته ومغفرته سبحانه وتعالى فاجتهدوا رحمكم الله في الصيام من شهر شعبان ما يسر الله لكم ذلك .

 

هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

المشاهدات 732 | التعليقات 0