الْغِشُّ فِي الاخْتِبَارِ وَالْغِشُّ فِي تَطْفِيفُ المَوَازِينِ

محمد البدر
1439/04/11 - 2017/12/29 03:33AM
الخطبة الأولى:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى:﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾.أَوَّلُ هَذِه المُحَرَّمَاتِ الَّتي عَمَّتِ الأَسوَاقَ وَالْمعَامَلاَتِ:تَطْفِيفُ المَوَازِينِ وَالتَّلاَعُبِ بِالمَكَايِيلِ، وَهو أَمرٌ مُحرَّمٌ يَجِب البعْدُ عَنهُ وَالحَذرُ مِنهُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مرَّ على صُبْرةِ طعامٍ فأدْخَل يدَه فيها فنَالَتْ أصابعُه بلَلًا، فقَال: ما هَذا يا صَاحِبَ الطِّعَام؟ قال: أصَابتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ الله قَالَ:أفَلا جَعَلْتَهُ فوْقَ الطَّعامِ كي يرَاهُ النَّاس، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ  وفي رواية: «مَنْ غشَّنا فلَيسَ منَّا».
ما كنا نعرفه بالغش هو ما درج في الاوساط عن الغش في الاختبارات وكلنا يعرف هذا الغش واساليبه واليوم تعددت الطرق والغش واحد ،وقد مللنا من الحديث عنه فالغش طريقٌ مُوصلٌ إلى سخط الجبار ، ووسيلةٌ إلى دخول النار، وسببٌ لحرمان البركة ، وإن المُتأمِّل في واقع بعض الناس اليوم يجد تفنُّنًا في الغش، وتحايُلًا في التمويه، والتزوير، والخِدَاع والكذب ...إلخ .
قَالَ شَيخُ الإسْلاَمِ ابنُ تَيميَّةَ رَحمهُ اللهُ: الغِشُّ يَدْخَلُ فِي البُيُوعِ بِكتْمَانِ العُيوبِ وَتَدْلِيسِ السِّلَعِ، مِثلَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ المَبيعِ خَيرًا مِنْ بَاطِنهِ كَالَّذِي مَرَّ عَلَيهِ النَّبِيُّ وأَنكَرَ عَلَيهِ، وَيَدخُلُ فِي الصِّنَاعَاتِ مِثلَ الَّذِينَ يَصنَعونَ المطعُومَاتِ مِنَ الخُبزِ والطَّبخِ وَالشِّوَاءِ وَغير ذَلِكَ، أَوْ يَصْنَعُونَ المَلبُوسَاتِ كَالنَّسَّاجينَ وَالخَيَّاطِينَ وَنحْوِهم، أَو يَصنَعونَ غَيرَ ذَلِكَ مِنَ الصِّنَاعَاتِ، فَيَجبُ نَهيهم عَنِ الغِشِّ وَالخِيَانَةِ وَالكِتْمَانِ".
عِبَادَ اللَّهِ:وَمِنَ المعَامَلاَتِ المُحَرَّمَةِ فِي البَيعِ وَالشِّرَاءِ: الغِشُّ وَالخَدِيعَةُ فِيهِ وَالمَكْر وَالكَذِبُ فبَائعُ الذَّهبَ وَالمجَوهَرَاتِ يَبِيعُ بِأَكثَرَ مِمَّا يَشْتَرِي بِزِيَادةٍ فَاحِشَةٍ، وَيَبِيعُ المَخْلُوطَ بِسِعرِ الخَامِ، فَإِذَا اشتَرَاهُ اشْتَرَاهُ خَالِصًا وَالجَزَّارُ يَبِيعُ اللَّحمَ مَخْلُوطًا مَعَ العَظْمِ وَالشَّحْمِ وَيزِيد فِيهِمَا، وَغيرُهمْ كَثِيرٌ كَأَرْبَابِ الفَوَاكِهِ وَالخُضَارِ، وَمَنْ يَكُونُ المِيزانُ قِياسًا لِلبيَعِ عِنْدَهمْ.
والغِشُّ يدخل في مجالاتٍ كثيرةٍ أيضاً منها:الغِشُّ في النصيحة، والغِشُّ من الراعي للرعية، والغِشُّ في أمور الزواج والنكاح، ولكن أظهر صُوَره وأكثرها انتشارًا في مجتمعات المسلمين:الغِشّ في المعاملات المالية؛ فإن من المُمَارَسَات البعيدة عن شرع الله: ما يُحدِثُه بعضُ الناس، بعضُ المُتعامِلين في المعاملات المالية بيعًا أو شراءً أو غيرهما من الغش الذي هو ما يكون فيه كتمُ ما لا يُحمَد في السلع بشتَّى أنواعها؛ كإخفاء العيوب.قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«البيِّعانِ بالخيَارِ مَا لم يتفرَّقا، فإِنْ صدَقَا وبيَّنَا بُورِكَ لهمَا في بيْعِهِمَا، وإِنْ كَتَمَا وكَذَبَا مُحِقَتْ بركَةُ بيْعِهِمَا»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ،وفي حديثٍ آخر: يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يحِلُّ لامرِىءٍ مسلِمٍ يبيِعُ سِلْعةً يعلَمُ أنَّ بها داءً إِلَّا أَخْبَرَهُ » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
عِبَادَ اللَّهِ: ومن صور الغش: ما يفعله بعض المتعاملين في أيِّ تعامل مالي من الحلف على مدح معاملته أو سلعته، وكونها حسنة،وهوكاذبٌ مُخادِع،قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهمُ الله يومَ القيامةِ، ولا ينْظرُ إليهِم، ولا يزكِّيهمْ، ولهمْ عذابٌ أليم» وذكر منهم : « والْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ومن المجالات التي يقع فيها الغش:ما يقع كثيرًا في المقاولات المعمارية - ومن ابتُلِي بالقضاء عَرَفَ ذلك كثيرًا في واقع المسلمين ؛بحيث يُهمِل المقاوِل في تنفيذ العقد، ويخالف في الشروط حال غفلةٍ من صاحب الشأن، فكلُّ ذلك محرمٌ في شريعة الله .
ومن صور الغش المنتشرة :الغش في العسل قَالَ تَعَالَى: ﴿  وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة.ولكن للأسف الشديد نسمع ونرى من يخلط مع العسل مواد مثل الجلكوز وغيره أو يحضر عسل رخيص ويخلط معه من النوع الغالي أويضع العسل الرخيص أو الرديء في جوالين العسل الأصلي وربما يحضره من البلد المشهور ثم يبيعه للناس ويحلف أنه عسل أصلي فيبيع عسل فيه داء وليس شفاء فهذا غش فإن نجا في الدنيا من الناس فمن ينجيه من عذاب الله يوم القيامة والله المستعان .أقول قولي هذا ...
الخطبة الثانية :
عِبَادَ اللَّهِ:لا شك أن الغش ظاهرة خطيرة و سلوك مشين ومن أخطر أنواع الغش هو الغش في الامتحانات ، و الذي أصبح يشكو كثير من المدرسين و التربويين من انتشاره و فشوه ،فالذي يغش في الامتحانات قد يحصل على شهادة لا يستحقها، وقد يتبوأ بها منصبًا فيكون ( طبيباً أو مهندساً أو قاضياً أوغير ذلك )وهو ليس أهلًا لذلك المنصب، وبهذا الغش يخرج جيل جاهل غير مؤهل لحماية هذا الدين قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَيَقُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الله لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.الا وصلوا  ...
المشاهدات 1374 | التعليقات 0