الغزاويون الأحرار ومعاني الانتصار
احمد ابوبكر
1435/11/02 - 2014/08/28 14:36PM
[align=justify]بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإن قضية فلسطين بقدسها وأقصاها وأرضها المباركة، تأبى إلا أن تفرض نفسها على كل قضية، مهما جرت المساعي ودُبرت المؤامرات لتغييبها أو تقزيمها أو إلهاء الناس عنها؛ فرغم محاولات تحويلها من (مواجهة) حضارية اعتقادية ووجودية بين أمة التوحيد وعصابات اليهود على ميراث الأرض المقدسة، إلى مجرد (صراع) حدودي بين أنظمة القومية العربية الزائفة وكيان الحركة الصهيونية الزاحفة، لتنتقل بعد ذلك إلى محض (نزاع) سياسي، فلسطيني - إسرائيلي، ولتختصر بعدها وتبتسر في مجرد (أزمة) هامشية بين منظمات إسلامية «محلية» لا تعني غير المنظمة اليهودية «العالمية»! رغم كل ذلك ها هي المنازلة المصيرية – بعد المعركة الأخيرة - تعود رويداً رويداً إلى طبيعتها الوجودية وصبغتها العقدية في صيغتها العالمية.
وقد تشهد السنوات – وربما الشهور - القليلة القادمة، اتساع رقعتها لتعود كما كانت قضية المسلمين الأولى في العالم، حيث لا خيار لأحد من أطراف الصراع- يهوداً أو نصارى أو مسلمين - في التنازل عن شبر مما يعدونه جميعاً مقدسات، من واقع التراث العقدي والتاريخ الديني.
هذا قدر هذه القضية التي ولدت أممية.. لا قومية ولا وطنية، ونشأت عالمية.. لا إقليمية ولا محلية، والتي بدأت – وستنتهي – دينية عقدية.. لا علمانية ولا مصلحية.
وقعت (حرب رمضان) الأخيرة في ظل غياب وتغييب وغيبوبة تبادلت أدوارها الأنظمة العربية والعواصم الرسمية الغربية والمؤسسات المهيمنة على ما يسمى«الشرعية الدولية»، حيث توزعت مواقف الجميع لصناعة المشاهد المشينة الأحدث في فاجعة الأمة بضياع الأرض المقدسة التي نافت عن خمسة وستين عاماً. لكن ما جرى في هذه الحرب الأخيرة دشن واقعاً جديداً سيشكل مع غيره من المعطيات والمستجدات العالمية والإقليمية تغييراً في أوضاع الصراع، ربما يخرج بها عن حدود السيطرة التقليدية المعهودة، فالمقاومة الجهادية الفلسطينية بعد تلك الحرب لم تعد هي قبلها، والعدو اليهودي قبلها ليس هو بعدها، فقد تغيّرت موازين وتشكلت معايير في المنطقة لن تسمح بعودة الأمور إلى حالة اللا سلم واللا حرب التي أراد أعداء الأمة دوام فرضها لتجيير المخططات وتمرير المؤامرات من تحتها.
صحيح أن خسائر الأرواح والممتلكات في الجانب الفلسطيني جسيمة، لكن تلك الأرواح بعثت روح إباء وعزة، وأعادت تصدير القضية إلى واجهة الاهتمام بعد طول ذهول ونسيان، وصحيح أيضاً أن خسائر اليهود في الأرواح والممتلكات أقل، لكنها أعادت إليهم روح الذلة والقلة المكتوبة عليهم كوناً وقدراً.
بلغت تضحيات حرب الثلاثين يوماً 1800 شهيد، ونحو 10 آلاف جريح، وما يقدر بـ 400 ألف لاجئ على مساحة نحو 500 كيلو متر مربع، فيها نحو 3500منزل مدمر، مع مبانٍ أخرى من مساجد ومستشفيات ومدارس ومرافق.. لكن الأمر كما قال الله: {إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
أما اليهود فقد خسروا ما لا قدرة لهم على تحمّله، ويكفي في ذلك أن ما يقرب من خمسين من دوابهم المسلحة قد نفقت في زمن قياسي لم يكونوا أبداً على استعداد نفسي لتلقي صدمته، وقبتهم الحديدية لم تعد ضماناً ولا أماناً لهم، فقد لحقت بخط «بارليف» الحصين الذي ذاب في حرب رمضان الأولى سنة1973.. وكذلك لم يفلح اليهود في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب، وهي: هدم جميع الأنفاق، والإطاحة بقيادة حماس، ونزع سلاح المقاومة؛ ولذلك كانت نتيجة الحرب هزيمة لهم وانتصاراً للصامدين الصابرين؛ ولذلك بدأ قادتهم بعد الحرب مباشرة تبادل الاتهامات بالجنايات والخيانات: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14].
وعلى هذا.. وبالمعايير الكيفية لا الكمية؛ فإن الطرف المعتدي كان هو الأذل المهزوم، بينما كان المعتدى عليه هو الأعز المنتصر. ومعاني النصر التي حققها إخوة الدين في فلسطين اتضحت في مفردات يحتاج تفصيلها إلى مجلدات، سيتولى التاريخ شرحها بعد تخليدها، فمن ذلك:
• ثبات قيادي جسور، مع صمود شعبي صبور، قابلهما في الطرف المعادي طوال المعركة ارتباك وهوس قيادي، مع ذعر وانهيار شعبي، رغم الفارق الهائل في موازين القوى، وهو ما يذكّر في الحال بقول الحق إذ قال: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
• تفوق لافت في الإنشاء ثم الأداء فنياً وتقنياً من الناحية العسكرية مع عدو اجتمع طواغيت العالم على دعمه مادياً وعسكرياً، حتى قارن قارون، وفارع فرعون، وهو ما أذهل القريب والبعيد؛ إذ كيف استطاع هؤلاء المستضعفون الأقوياء أن يذلوا جيل العلو الكبير، وينزلوهم مروعين مدحورين إلى الملاجئ ليلاً ونهاراً، بأسلحة متواضعة الإمكانيات أسكنت في النهاية ترساناتهم وأسكتت صفارتهم حتى بدؤوا هم وقف إطلاق النار؟ {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْـحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64].
• روح رجولة وشهامة تعالت على الجراح وتسامت عن النزول إلى مهاوي مستنقعات الإسفاف الإعلامي العلماني المصر على بثّ روح الهزيمة والإحباط، وهو ما كان يمثل في حد ذاته معركة موازية خاضها مجاهدو فلسطين مع آلات إعلام جبارة يقودها جهلة المثقفين ومرتزقة الإعلاميين، الذين لم يكن ثمّ طريق لهزيمتهم إلا بمنطق {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْـجَاهِلِينَ} [القصص: 55].
• أداء سياسي عال على نفس مستوى الأداء العسكري، استطاع تسجيل أكثر من انتصار على أطراف عديدة كانت تتطلع إلى بناء أمجاد أو تنفيث أحقاد بإلحاق هزيمة سياسية بالقيادة الإسلامية في فلسطين، فلم ترجع تلك المحاولات - محلية كانت أو إقليمية أو عالمية - إلا بخفي حنين، بل بدونهما.
• تجرد وتواضع أفصح عن الفروق الهائلة بين معاني النزاهة والأمانة، ومعاني الخسة والخيانة، على الساحتين الفلسطينية والعربية، وهو ما تكفل بكشف الزيوف وهتك الأستار التي ربما احتاجت إلى أعمار لاستكمال تحقيقات بشأن استبانة حقائقها واستيعاب خلفياتها، وهكذا يكون التمحيص بالأزمات: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْـمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْـخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَـكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179].
• جرأة جديدة غير معهودة في التعامل مع الوضع الدولي المنحاز للظلم، بينما ظل يدّعي العمل على إقامة السلام القائم على العدل، وهي جرأة أحرجت العدو البعيد وأخرجت أضغانه، وأبانت لأهل الإيمان ألا أمان له مهما ادّعى من عدالة أو تصنّع من نزاهة، وهكذا يتطابق الواقع العملي مع التصور النظري: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْـمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].
• تصميم وإرادة، وعزيمة وقادة، جعلت خسائر العدو في أيام – عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً ومادياً ومعنوياً – تفوق بأمر الله ما تحقق ضد هذا العدو منذ آخر الحروب الكبرى معه عام 1973، وهو ما سيجعله يراجع حساباته ألف مرة قبل أن يقدم على أي مغامرة يقامر بها على إرادة الأسياد الأمجاد في الأرض المقدسة.
لقد انجلى غبار معركة (العصف المأكول) عن انتصار الضعفاء الأعزة في غزة على الأقوياء الأذلة في تل أبيب، وقد كان مع المنتصرين الفلسطينيين منتصرون آخرون هم مناصروهم من المسلمين الصادقين في أصقاع العالم، وكان مع المنهزمين من اليهود مهزومون آخرون من المهاودين أو المهادنين أو المداهنين، وهكذا ستظل فلسطين وستظل أرض الشام كلها بمعناها التاريخي والجغرافي رباطاً للحق وأهله إلى قيام الساعة، فهذه حقيقة تاريخية وخصوصية دينية، بل نبوءة نبوية؛ فعن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام يوماً في الناس فقال: (يا أيها الناس! توشكون أن تكونوا أجناداً مجندة: جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن. فقال ابن حوالة: يا رسول الله! إن أدركني ذلك الزمان فاختر لي. قال: إني أختار لك الشام، فإنه خيرة المسلمين، وصفوة الله من بلاده، يجتبي إليه صفوته من خلقه،
فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله)[1].
المصدر: مجلة البيان[/align]
فإن قضية فلسطين بقدسها وأقصاها وأرضها المباركة، تأبى إلا أن تفرض نفسها على كل قضية، مهما جرت المساعي ودُبرت المؤامرات لتغييبها أو تقزيمها أو إلهاء الناس عنها؛ فرغم محاولات تحويلها من (مواجهة) حضارية اعتقادية ووجودية بين أمة التوحيد وعصابات اليهود على ميراث الأرض المقدسة، إلى مجرد (صراع) حدودي بين أنظمة القومية العربية الزائفة وكيان الحركة الصهيونية الزاحفة، لتنتقل بعد ذلك إلى محض (نزاع) سياسي، فلسطيني - إسرائيلي، ولتختصر بعدها وتبتسر في مجرد (أزمة) هامشية بين منظمات إسلامية «محلية» لا تعني غير المنظمة اليهودية «العالمية»! رغم كل ذلك ها هي المنازلة المصيرية – بعد المعركة الأخيرة - تعود رويداً رويداً إلى طبيعتها الوجودية وصبغتها العقدية في صيغتها العالمية.
وقد تشهد السنوات – وربما الشهور - القليلة القادمة، اتساع رقعتها لتعود كما كانت قضية المسلمين الأولى في العالم، حيث لا خيار لأحد من أطراف الصراع- يهوداً أو نصارى أو مسلمين - في التنازل عن شبر مما يعدونه جميعاً مقدسات، من واقع التراث العقدي والتاريخ الديني.
هذا قدر هذه القضية التي ولدت أممية.. لا قومية ولا وطنية، ونشأت عالمية.. لا إقليمية ولا محلية، والتي بدأت – وستنتهي – دينية عقدية.. لا علمانية ولا مصلحية.
وقعت (حرب رمضان) الأخيرة في ظل غياب وتغييب وغيبوبة تبادلت أدوارها الأنظمة العربية والعواصم الرسمية الغربية والمؤسسات المهيمنة على ما يسمى«الشرعية الدولية»، حيث توزعت مواقف الجميع لصناعة المشاهد المشينة الأحدث في فاجعة الأمة بضياع الأرض المقدسة التي نافت عن خمسة وستين عاماً. لكن ما جرى في هذه الحرب الأخيرة دشن واقعاً جديداً سيشكل مع غيره من المعطيات والمستجدات العالمية والإقليمية تغييراً في أوضاع الصراع، ربما يخرج بها عن حدود السيطرة التقليدية المعهودة، فالمقاومة الجهادية الفلسطينية بعد تلك الحرب لم تعد هي قبلها، والعدو اليهودي قبلها ليس هو بعدها، فقد تغيّرت موازين وتشكلت معايير في المنطقة لن تسمح بعودة الأمور إلى حالة اللا سلم واللا حرب التي أراد أعداء الأمة دوام فرضها لتجيير المخططات وتمرير المؤامرات من تحتها.
صحيح أن خسائر الأرواح والممتلكات في الجانب الفلسطيني جسيمة، لكن تلك الأرواح بعثت روح إباء وعزة، وأعادت تصدير القضية إلى واجهة الاهتمام بعد طول ذهول ونسيان، وصحيح أيضاً أن خسائر اليهود في الأرواح والممتلكات أقل، لكنها أعادت إليهم روح الذلة والقلة المكتوبة عليهم كوناً وقدراً.
بلغت تضحيات حرب الثلاثين يوماً 1800 شهيد، ونحو 10 آلاف جريح، وما يقدر بـ 400 ألف لاجئ على مساحة نحو 500 كيلو متر مربع، فيها نحو 3500منزل مدمر، مع مبانٍ أخرى من مساجد ومستشفيات ومدارس ومرافق.. لكن الأمر كما قال الله: {إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
أما اليهود فقد خسروا ما لا قدرة لهم على تحمّله، ويكفي في ذلك أن ما يقرب من خمسين من دوابهم المسلحة قد نفقت في زمن قياسي لم يكونوا أبداً على استعداد نفسي لتلقي صدمته، وقبتهم الحديدية لم تعد ضماناً ولا أماناً لهم، فقد لحقت بخط «بارليف» الحصين الذي ذاب في حرب رمضان الأولى سنة1973.. وكذلك لم يفلح اليهود في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب، وهي: هدم جميع الأنفاق، والإطاحة بقيادة حماس، ونزع سلاح المقاومة؛ ولذلك كانت نتيجة الحرب هزيمة لهم وانتصاراً للصامدين الصابرين؛ ولذلك بدأ قادتهم بعد الحرب مباشرة تبادل الاتهامات بالجنايات والخيانات: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14].
وعلى هذا.. وبالمعايير الكيفية لا الكمية؛ فإن الطرف المعتدي كان هو الأذل المهزوم، بينما كان المعتدى عليه هو الأعز المنتصر. ومعاني النصر التي حققها إخوة الدين في فلسطين اتضحت في مفردات يحتاج تفصيلها إلى مجلدات، سيتولى التاريخ شرحها بعد تخليدها، فمن ذلك:
• ثبات قيادي جسور، مع صمود شعبي صبور، قابلهما في الطرف المعادي طوال المعركة ارتباك وهوس قيادي، مع ذعر وانهيار شعبي، رغم الفارق الهائل في موازين القوى، وهو ما يذكّر في الحال بقول الحق إذ قال: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
• تفوق لافت في الإنشاء ثم الأداء فنياً وتقنياً من الناحية العسكرية مع عدو اجتمع طواغيت العالم على دعمه مادياً وعسكرياً، حتى قارن قارون، وفارع فرعون، وهو ما أذهل القريب والبعيد؛ إذ كيف استطاع هؤلاء المستضعفون الأقوياء أن يذلوا جيل العلو الكبير، وينزلوهم مروعين مدحورين إلى الملاجئ ليلاً ونهاراً، بأسلحة متواضعة الإمكانيات أسكنت في النهاية ترساناتهم وأسكتت صفارتهم حتى بدؤوا هم وقف إطلاق النار؟ {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْـحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64].
• روح رجولة وشهامة تعالت على الجراح وتسامت عن النزول إلى مهاوي مستنقعات الإسفاف الإعلامي العلماني المصر على بثّ روح الهزيمة والإحباط، وهو ما كان يمثل في حد ذاته معركة موازية خاضها مجاهدو فلسطين مع آلات إعلام جبارة يقودها جهلة المثقفين ومرتزقة الإعلاميين، الذين لم يكن ثمّ طريق لهزيمتهم إلا بمنطق {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْـجَاهِلِينَ} [القصص: 55].
• أداء سياسي عال على نفس مستوى الأداء العسكري، استطاع تسجيل أكثر من انتصار على أطراف عديدة كانت تتطلع إلى بناء أمجاد أو تنفيث أحقاد بإلحاق هزيمة سياسية بالقيادة الإسلامية في فلسطين، فلم ترجع تلك المحاولات - محلية كانت أو إقليمية أو عالمية - إلا بخفي حنين، بل بدونهما.
• تجرد وتواضع أفصح عن الفروق الهائلة بين معاني النزاهة والأمانة، ومعاني الخسة والخيانة، على الساحتين الفلسطينية والعربية، وهو ما تكفل بكشف الزيوف وهتك الأستار التي ربما احتاجت إلى أعمار لاستكمال تحقيقات بشأن استبانة حقائقها واستيعاب خلفياتها، وهكذا يكون التمحيص بالأزمات: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْـمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْـخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَـكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179].
• جرأة جديدة غير معهودة في التعامل مع الوضع الدولي المنحاز للظلم، بينما ظل يدّعي العمل على إقامة السلام القائم على العدل، وهي جرأة أحرجت العدو البعيد وأخرجت أضغانه، وأبانت لأهل الإيمان ألا أمان له مهما ادّعى من عدالة أو تصنّع من نزاهة، وهكذا يتطابق الواقع العملي مع التصور النظري: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْـمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].
• تصميم وإرادة، وعزيمة وقادة، جعلت خسائر العدو في أيام – عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً ومادياً ومعنوياً – تفوق بأمر الله ما تحقق ضد هذا العدو منذ آخر الحروب الكبرى معه عام 1973، وهو ما سيجعله يراجع حساباته ألف مرة قبل أن يقدم على أي مغامرة يقامر بها على إرادة الأسياد الأمجاد في الأرض المقدسة.
لقد انجلى غبار معركة (العصف المأكول) عن انتصار الضعفاء الأعزة في غزة على الأقوياء الأذلة في تل أبيب، وقد كان مع المنتصرين الفلسطينيين منتصرون آخرون هم مناصروهم من المسلمين الصادقين في أصقاع العالم، وكان مع المنهزمين من اليهود مهزومون آخرون من المهاودين أو المهادنين أو المداهنين، وهكذا ستظل فلسطين وستظل أرض الشام كلها بمعناها التاريخي والجغرافي رباطاً للحق وأهله إلى قيام الساعة، فهذه حقيقة تاريخية وخصوصية دينية، بل نبوءة نبوية؛ فعن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام يوماً في الناس فقال: (يا أيها الناس! توشكون أن تكونوا أجناداً مجندة: جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن. فقال ابن حوالة: يا رسول الله! إن أدركني ذلك الزمان فاختر لي. قال: إني أختار لك الشام، فإنه خيرة المسلمين، وصفوة الله من بلاده، يجتبي إليه صفوته من خلقه،
فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله)[1].
المصدر: مجلة البيان[/align]