العين حق الجزء الأول
مبارك العشوان
1436/10/14 - 2015/07/30 04:08AM
إن الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: روى الإمام مالك من حديث أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخْبَأَةٍ، فَلُبِطَ سَهْلٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَقَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا ؟ قَالُوا نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: ( عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، أَلَّا بَرَّكْتَ اغْتَسِلْ لَهُ ) فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ) صححه الألباني. وعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ بِالرَّجُلِ بِإِذْنِ اللَّهِ حَتَّى يَصْعَدَ حَالِقًا ثُمَّ يَتَرَدَّى مِنْهُ ) أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.
حديثنا في هذه الخطبة ـ وفي خطبة قادمةٍ إن شاء الله ـ عن العينِ ـ وقانا الله وإياكم شرَّها ـ وعن إفراطِ الناس وتفريطِهم في أمرها وبيانِ ما يُشرع للعائن والمعين للوقاية منها وعلاجها، وما أحدث الناسُ في ذلك من أمورٍ لم يأذنِ الشرعُ بها.
عباد الله: أما ثبوت العين، ووقوع أثرها فقد جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الواقع ما يفيد الجزم بذلك. قال تعالى: { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ }القلم 51 قال ابن كثير رحمه الله: قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: { لَيُزْلِقُونَكَ } لينفذونك بأبصارهم، أي: ليعينونك بأبصارهم، بمعنى : يحسدونك لبغضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم. ثم قال: وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله، عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة...الخ.
وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شيء سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ).
عباد الله: ومع حقيقةِ العين ووقوعها بإذن الله إلا أنه لا ينبغي الإفراطُ فيها، ونسبةُ كل شيء إليها. حتى يصلَ الأمرُ بالإنسان إلى الوسوسةِ ومطاردَةِ الأوهام له، وإحاطَةِ القلق به، وضعفِ يقينه بربه وتوكلِه عليه، فيمرضُ؛ وما به مرض؛ خوفا وتوهما من العين. يخفق في عمله ودراسته ويقول أصبتُ بعين، يتشاجرُ الزوجان ويقولان أصابتنا العين، وهكذا...
وكذلك عباد الله لا يجوز إنكارُ العين، ولا ينبغي التفريط في أمرها، قال ابن القيم رحمه الله ردًا على المنكرين لأثر العــين: ( فأبطلت طائفة ممن قلَّ نصيبهم من السمع والعقل أمرَ العين وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها. وعقلاءُ الأممِ على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمرَ العينِ ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه وجِهةِ تأثير العين ) أ هـ .
والحق المُتعين عبادَ الله: هو التوسط في ذلك: نؤمن بالعين ونصدق بآثارها نقلا وعقلا، ولا نغالي فننسب كل شيء إليها. نؤمن أنه لا يقع شيء إلا بقدر الله، ولا تحُلُّ مصيبة إلا قد كتبها الله: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } الحديد 22 ـ 23
نؤمن أَنَّ مَا أَصَابَنا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنا وَمَا أَخْطَأنا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيببنا فلا راد لأمرٍ قدَّرهُ الله، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (... وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْــكَ ... ) الحديث رواه الترمذي وصححه الألباني .
ثم علينا أن نعلم أن السبب الحقيقي لمصائبنا هو ذنوبنا ومعاصينا كما قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى 30
ومع هذا علينا أن نتقيَ العينَ قبلَ وقوعِها، ونفعلَ السببَ للسلامةِ منها بعد وقوعها، كلُّ ذلك في حدودِ ما شرع الله تعالى وأَذِنَ به والحذرِ مما يخالفه.
وقد جاءت الشريعة عباد الله بالبيان الواضح لما ينبغي فعله للعائن و المعين: بالوقاية من العين قبل وقوعها، وبالعلاج منها بعده.
وفقني الله وإياكم لكل خير وحفظنا من كل شر.
وبارك الله لي ولكم... وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله... وبعد: فإن الله تعالى ما أنزلَ داءً إلا وأنزل له شفاء عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَه، وقد جاء الشرع الكريم بالدواء لهذا الداء، جاء بالدواء لكلٍّ من العائن والمعين. فأما العائنُ: فيُقال له: اتقِ الله، وعالج نفسك لتَسْلمَ أنتَ، وتُسْلمَ الناسَ من شرِّك، كُنْ سليمَ القلب، وارضَ بما قسمَ اللهُ، وإياكَ والحسد فإنه منفذٌ للعين، وهو صفة شرار الخلق؛ فَعَلهُ إبليس وفعله اليهود ويفعله مرضى القلوب، راجع نفسك فأنت أعرفُ الناس بها، كم من الأصحاء أصبح بإصابةٍ منك طريحَ الفراش، بل وبإصابة منك أصبح قتيلا، جاء في الحديث: ( أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ من أمتي بَعْدَ قَضَاء الله وَقَدَرِهِ بالعين ) أخرجه الطيالسي وحسنه الألباني.
اتق الله أيها العائن؛ فستحاسبُ عن كُلِّ ضررٍ ألحقته بمسلم واعلم أن إيذاءَ الناسِ وإصابتَهم بالعين منكرٌ لا يحل لك، فأذية المؤمنين محرمة: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب 58 وغضبَ صلى الله عليه وسلم وتَغَيَّظَ على عامر بن ربيعة وأنكر عليه.
وهكذا يقال لمن يجالسُ هذا النوع من الناس، يجب الإنكار عليهم ونهيهم عن هذه الفعلة وهذا المنكر: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه البخاري ومسلم يُحَذَرُونَ من هذا، ويُخَوَّفُونَ بالله عز وجل، ويُذَكَّرون بَحُرْمَةِ إيذاءِ عباده.
ثم اعلم أيها العائنُ أن هناك أمورًا تقي الناسَ شرَّ عينك، فمنها: ملازمتُك ذكرَ الله تعالى، والتبريك على ما يعجبك، قال تعـالى:
{ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ } الكهف 39 وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فإن العين حق )
رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم في مستدركه وهو في صحيح الجامع وصححه الألباني.
ومنها: أن لا تكثرَ مخالطة الناس؛ متى ما علمت من نفسك أنك تصيبهم، وقد قال بعضُ العلماء: إنه ينبغي إذا عُرف أحدٌ بالإصابة بالعين أن يُجتنب ويُتحرز منه، وينبغي للإمام مَنْعَهُ من مداخلة الناس، ويأمره بلزوم بيته، فإن كان فقيرا رزقه ما يكفيه ويكفُّ أذاه عن الناس، فضرره أشدُّ من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم دخولَ المسجد لئلا يؤذى المسلمين، ومن ضررِ المجذومِ الذي منعه عمر رضي الله عنه والعلماء بعده الاختلاطَ بالناس... نسأل الله تعالى أن يعيذنا وإياكم من شر كل ذي شر ...
أما عن المعين وعلاج العين، وما أُحدث من الأخطاء فيها فهو حديث الخطبة القادمة إن شاء الله.
ثم صلوا وسلموا ...
المشاهدات 2745 | التعليقات 2
قلبي دليلي;27837 wrote:
جزاك الله كل خير شيخ مبارك خطبة رائعة ومختصرة
متى تكمل الخطبة؟
متى تكمل الخطبة؟
وجزاك خيرا ووفقك، تكمل هذا الأسبوع بإذن الله 22/ 10/ 1436 هـ
قلبي دليلي
جزاك الله كل خير شيخ مبارك خطبة رائعة ومختصرة
متى تكمل الخطبة؟
تعديل التعليق