العناية بالمساجد في الإسلام
إبراهيم بن سلطان العريفان
إِن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ
عباد َالله .. الْمَسْجِدُ هُوَ المكانُ الأعظمُ شموخًا والأعزُّ قدرًا والأكثرُ هيبةً )وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا( الْمَسْجدُ .. دارُ العبادة وموطِنُ السَّعادة، هُوَ المكانُ الوحيد الذِي يتساوى فيه الغني والفقير، والصغيرُ والكبير، والشريفُ والحقير، تنصهرُ فيه الرُّتَب والمناصب، وتتلاشى فيهِ الأنسابُ والمناقب.
المسجدُ -يا عباد الله- يقطعُكَ عَنْ سيِّئ الْكَلَام وقبيحِ الآثام، حِصنٌ حصينٌ، مَنْ ولجَ فيهِ فقد عصَمَهُ اللهُ مِن كثيرٍ مِن الفتِن، وأراحَهُ مِن كثيرٍ مِن المِحَن، المسجدُ يجتمعُ فيهِ سُكَّان الأرض بِسُكَّان السَّماء، فيه آياتٌ تُتلَى وأحاديثُ تُروَى، فيهِ تتنزَّلُ السَّكينةُ، وفي أرجائِهِ تُغشَى الرَّحمةُ، المُؤمنونَ يُصلُّون وَالملَائِكَةُ يَرْقُبُون.
المسجدُ -يا عباد الله- هُوَ البُقعةُ الوحيدة الَّتِي يكونُ المُكْثُ فِيهَا أجْرًا، والمُداومةُ عَلَيهَا رِباطًا وصبرًا، المسجدُ هُوَ بيتُ المُؤمِن فِي كُلِّ بلَدٍ ومِصرٍ، لا يُستأذنُ فيهِ عَلَى أحَدٍ، بل هُوَ البيتُ الكبير الذِي يجمعهُم، بهِ يتفقَّدُ المُؤمنونَ بعضهُم البعضَ، فيُوحِّدُون كلمتَهُم، ويُجمعون أمرَهُم، ويُعلنون هيبتَهُم، بهِ تترتَّبُ الأوقاتُ، وبدخولهِ تنقطعُ الأصواتُ، لحظاتُهُ هيبةٌ، المشيُ إِلَيهِ حسناتٌ، والانقطاعُ عنهُ حسراتٌ.
بالتوجُّه إِلَى الْمَسْجِدِ تزولُ الهمومُ، وبالمُكْثِ فيهِ تضمَحِل الغمومُ، فِي أرجائهِ تُسكَبُ العبَرَاتُ، وفي أنحائِهِ ترتفعُ الدَّعواتُ، كم ولجَهُ مِنْ حَسيرٍ مَكروبٍ، فتحقَّق بأمرِ الله المَرغوبُ، واندفع بعوْنِ اللهِ المَرهوبُ.
إِن المسجد -يا عباد الله- هُوَ الجامعةُ العظيمة الَّتِي علَّمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّه r أصحابه، حَتَّى تخرَّج فيها قادةُ العالم؛ الَّذِينَ مَلؤوا الدُّنْيَا عدلًا، وعِلمًا وأدبًا وفَضْلًا، الْمَسْجِدُ يُعْتَبَر القاعدةُ العسكريَّة الَّتِي انطلقت مِنْهَا جيوشُ الرِّسالةِ المُحمديَّة؛ لِتُعلنَ القضاءَ عَلَى مملكةِ فارس وإمبراطورية الرُّوم، وهو مجلسُ الشُّورى الذِي كانَ يَعقدُ فيه النَّبِيُّ r المُعاهداتِ فِي السِّلْم والصلح والقتالِ والحرب.
الْمَسْجِدُ هو المنبرُ الذِي تُعلَنُ فِيه الأوامرُ الربانيَّة والمراسمُ النبويَّة، وهو الدِّيوانُ الرسميُّ لاستضافةِ الوفودِ واستقبالِ القبائلِ، بل هُوَ المشفَى الذِي كانَ يُمرَّضُ فيه بعضُ أصحابِ النَّبِيِّ r. وهو المجلسُ الذِي كَانُوا يتحدَّثُون فيه عَنْ أمور دُنياهم وعن أيَّام جاهليتهم فيما لا إثْمَ فيهِ ولا قطيعة.
للهِ دَرُّ الْمَسْجِدِ يأوي إِلَيهِ المُؤمِنُ مُنقطعًا عَنِ الحياةِ الماديَّة، ومُتحرِّرًا مِن قُيُودِ الهمومِ الدُّنيويَّة، فيجدُ فيهِ مراتِعَ مِن رياضِ الجَنَّةِ ورياحين الفردوس )فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ(.
عبادَ الله .. إِن المُسلِم لَا بُد أن يُراجِعَ نفسَهُ مَعَ علاقتهِ بالمسجد، ومكانة المسجد فِي قلبِه، وحظِّهِ مِن يومِه، ونصيبِهِ مِن اهتمامِه، كيف لا!! واللهُ يقول )إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ( فعَلَى المُسلِم أن يحرصَ عَلَى عِمارة المسجد مَعنويًّا، وذلك بالمُحافظةِ عَلَى الصَّلوات الخمس، والحِرصِ عَلَى أداء النَّوافلِ والْمُستحبَّات، وقراءة القُرْآن، والاعتكاف واللبْث فيه، فقد جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ r فِي حديث السَّبْعة الذِين يُظلُّهم اللهُ فِي ظِلِّه يوم لا ظلَّ إِلَّا ظِلُّه، وذكر مِنهُم (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلقٌ بِالمَسَاجِدِ) نعم.. يأنَسُ بها، ويتردَّدُ عَلَيهَا، ويرتاحُ إليها، ويأوي فِيهَا، يَسعدُ فِي أرجائها، ويَهنأُ فِي أفنائِها، كُلَّمَا خرج مِنْهَا اشتاقَ إليها، وكُلَّمَا تأخَّرَ عنها ازدادَ لهفًا إليها، هي بيتُهُ الثَّانِي، وهي مأواهُ الحاني.
نفعَني اللهُ وإيَّاكُم بكتابِه، وأجَارَنِي وإيَّاكُم مِن أليمِ عقابِه، واستغفرُوا اللهَ إنهُ هُوَ الغفورُ الرحيمُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحسانِه، والشُكرُ لَهُ عَلَى توفيقِه وامتنانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تعظيمًا لشأنِه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانِه، والمُحذِّرُ مِن سخطِهِ ونيرانِه.
مَعَاشِرُ الْمُؤْمِنِينَ ... مِمَّا يُقيَمُ علاقتك بالمسجد: حِرصُكَ عَلَى خِدمة المسجد، بقَدْر ما تستطيعُه، فتنظيفُ المسجدِ أَوْ تطييبُهُ، أَوْ ترتيبُ مصاحفِهِ أَوْ إغلاقُ أبوابهِ ونوافذِه، أَوْ صيانةُ مُمتلكاتِه، أَوْ التكفلُ بأُجْرَة عاملِهِ، أَوِ الإهداءُ إلى المسجد بآلةٍ نافعة أَوْ لوحةٍ مُذكِّرة، كُلُّهَا سوف تجدُها فِي صحيفتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فعن عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنها قالت: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ r بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدورِ، وَأَنْ تُنَظفَ وَتُطَيبَ. فإذا كَانَتْ مساجد الدُّور الخاصَّة يُستَحب تنظيفُها وتطييبُها! فالمساجدُ العامَّة أولى بذلك؛ لأَنهَا تُعتَبرُ رمزًا لأهل الإِسْلَامِ، ومُوطِنًا لأهل الإِيمَان، وملجأً لأهل الإحسان، ويغشَاها الناسُ جميعًا، فهي بيوتُ الله. قَالَ النَّبِي r (عُرِضَت عليَّ أجورُ أُمَّتي، حتَّى القَذاةُ يُخْرِجُها الرَّجلُ مِنَ المسجدِ) والقذاةُ: هُوَ الشيءُ اليسير كالوسخِ اليسير أَوْ ريشِ الطائر أَوْ التُّراب اليسير يُخرجهُ الرجُلُ مِن المسجد، فيُجازيه اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عليه الأجرَ العظيمَ، واعلموا أنَّ خدمةَ المسجدِ والاهتمامَ بهِ وتنظيفَه مِن أجَلِّ الأعمال والقُرُبات.
هذَا وصلُّوا وسلِّمُوا عَلَى مَنْ أمَرَكُم اللهُ بالصَّلاة والسَّلام عليه
المرفقات
1731006424_مكانة المسجد.pdf
1731006432_مكانة المسجد.docx