العمل في الإسلام : ثقافةٌ أصيلة ومنظومة ذات مبادئ ومُثُل !
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/07/23 - 2013/06/02 21:02PM
[FONT="] العمل في الإسلام : ثقافةٌ أصيلة ومنظومة ذات مبادئ ومُثُل ! [/FONT]
أيها القرّاء الأعزّاء : لا زلنا نتحدّثُ عن مفرداتِ ثقافتنا الإسلاميّة العظيمة الرائعة ، التي عطّلَها المسلمون للأسف الشديدِ على مستوى التصوّرات وعلى مستوى الممارسة إلاّ من رحم الله ، وراحوا يبحثون عن الثقافة الرائعة عند الغرب !
مفردَةُ اليوم تتعلّقُ ب " العَمَل " ، ليسَ باعتبارِهِ صورةً من صُوَرِ الأنشِطة التي يتكسّبُ بها العبد ، ولا باعتبارِهِ سببًا في تحقيق الرّفاهيّة و النمُوّ الاقتصادي ، فهذا يشتركُ فيه المسلمُ وغيرُ المسلم ؛ إنّما باعتبارِه عند المسلمينَ ثقافةً إسلاميّةً أصيلة ، و منظومةً عامرًةً بالمبادئ والمُثُل العليا ، تصنعُهَا العقيدةُ و تنظّمُها الشريعةُ و تجمّلُها الأخلاقُ والقيم ! .
فيا معشر الأحباب : العملُ في الإسلامِ عِمارةٌ للحياة و مظهرٌ من مظاهرِ الاستخلافِ في الأرض ، قال ربُّنا سبحانه : [FONT="]]هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[FONT="][[/FONT] ( هود : 61 ) ، استعمرَكُم فيها : أي جعلَكم تعمُرُونها ، و العِمارةُ في الإسلام تتجاوزُ مفهوم الإقامَة في المكان إلى حثّ الإنسانِ على استغلالِ كُلِّ قُدُراتِهِ الفكريَّة والجسديّة في سبيلِ إتقانِ تلك الإقامة و تهيئة شروطِها ووسائِلِها ، ولا شكَّ – أحبّتي - أنَّ هذا الواجبَ الذي دلّت عليهِ الآيةُ يجعلُ المسلمَ عاملاً مُتقنًا لعملِهِ أينما نزَل وحَل ، سواءً كان في وظيفةٍ أو مِهنةٍ أو حِرفَة ، وللأسف هذا الوصفُ لا تجدُهُ في المسلمين إلاّ من رحمَ اللهُ وقليلٌ ما هم ، وتلمَسُهُ في غير المسلمينَ من اليابانيّين أو الصّينيين أو غيرهم ، يؤمِنونَ بالإتقانِ والعِمارَة و تهيئة شروطِها وأسبابِها أينَما نزلوا و حلُّوا ، و المُشكلةُ في هذا أنَّ المُسلمَ – إلا من رحم الله – لم يفهَم عن الله ، ولم يُحسِن في المُقابِلِ إتقان دُنياه ، فلذلك قتلته البطالةُ والتخلّف والتبعيّة فإنّا للهِ و إنّا إليه راجعون ! . [/FONT]
أيها القرّاء الأعزّاء : و الإسلامُ ينظُرُ إلى العامِلِ أنَّهُ مجاهدٌ في سبيل الله ، وكفى بهذا شرفًا و باعِثًا ومحرّكًا نحوَ الحركةِ والإنتاجِ والبذل : ففي الصحيحة[1] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع شابٌّ من الثنيَّة ، فلما رأيناه رميناه بأبصارنا فقلنا للنبي صلى الله عليه وسلم :"لو أنَّ هذا الشابَّ جَعَلَ شَبَابَهُ ونَشَاطَهُ وقُوَّتَهُ في سبيل الله!"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن كان خرج يسعى على وَلَدِهِ صغارًا فهو في سبيل الله،وإن كان خَرَجَ يسعَى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله،وإن كان خرج يسعى على نفسه يُعِفُّهَا فهو في سبيل الله،وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخَرَةً فهو في سبيل الشيطان". فالعملُ بموجِبِ هذا الحديث عبادةٌ يُعبدُ اللهُ بها في الأرض ، و ليسَ قاطعا عن العبادة ، ولا مُضِلاًّ عن سبيل الله كما يتصوَّرُهُ بعضُ المساكين ؛ بل هوَ جزءٌ من سبيلِ الله الموصلةِ إلى رضوانه والتي تنتهي بالمؤمنين إلى الجنَّة ! .
و لكم أن تنظُروا بعد هذا - معشر الأحباب - : ما الذي سيترُكُهُ هذا التصوُّر في نفسيّة المؤمنِ من راحةٍ و قناعةٍ وسعادةٍ نفسيّةٍ عامرَةٍ غامرَة وهو يكِدُّ ويجِدُّ في وظيفته أو حِرفَتِهِ أو مهنتِهِ أو تجارَتِه ؟!
و لكم أن تنظُروا بعد هذا ما الذي سيتغيّر حين يتعلّمُ المسلمُ أنّ عاداتِهِ عباداتٌ في حينِ أنَّ عباداتِ غيرِهِ سيّئاتٌ وضلال ؟! .
هذا ما فهِمَهُ السّلفُ الصالحُ رضي الله عنهم و أحسُّوا به ، فهذا عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه -[FONT="] يقول : " لَأَنْ أموت بين شُعْبَتَي رَحلِي أَضرِبُ في الأرض أبتغي من فضل الله أَحَبُّ إليَّ من أنْ أُقتَل مُجاهِدًا في سبيل الله ؛ لأنَّ الله - تعالى[FONT="] [/FONT]- [FONT="] [/FONT]قدَّم الذين يضرِبون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين[2] في قوله : ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (المزمل: 20) ، فما أجلّهُ من فهم .. ! [FONT="].[/FONT] [/FONT]
أيها القرّاء الأعزّاء : و في إطار توضيحِ الثقافةِ الإسلاميّة الأصيلة في موضوع العمل عدَّ الإسلامُ الأكلَ من تَعَبِ اليدِ وعرقِ الجبينِ أفضلَ وأطيبَ الكسب حتّى يعيشَ المسلمُ في كرامةٍ وعِزّة ، قال صلى الله عليه وسلم :" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " ( صحيح الجامع : 5546 ) ، ولا شكَّ أنَّ هذا يُغلقُ عند المسلمَ باب الكسَلِ والاتّكال والبطالة والاستسلام و يسُدُّ عليه باب الحياءِ من العملِ مهما كان بسيطًا متواضعًا ، ويحثُّهُ على الضربِ في الأرضِ طلبًا لأطيبِ الكسبِ الذي يُحبُّهُ اللهُ ويرضاه :
وكيف يستحي المسلمُ من العملِ وهو يسمعُ أنَّ آدَم عليه السلام كان فلاّحًا ، وكان إبراهيم عليه السلام بزازًا ، ونوحٌ عليه السلام نجارًا وكذا زكريا و عيسى ، و لقمان عليه السلام كان خياطًا وكذا إدريس، وكان موسى عليه السلام راعيًا و كذا محمَّدٌ صلى الله عليه و سلم كان يرعَى الغنم على قراريط لأهل مكّة ، وهؤلاءِ هم أشرفُ الخلق عند الله ، أليسَ هذا خيرٌ من أن يسألَ المسلمُ النّاسَ أعطَوهُ أم منعوه ؟! .
و إذا انتقلنا – أحبّتي - إلى جانب الأخلاق في العمل في ثقافتنا الإسلاميّة نجدُ العجبَ العُجاب ، نجدُ منظومةً أخلاقيَّةً رائعة وسبّاقَة تعجِزُ أمَامَها كلُّ منظومات التنمية البشريّة :
فالعملُ في الإسلام يجبُ أن يكونَ في الحلال المشروع ، وهذا قيدٌ إيجابِيٌّ قضَى بهِ الإسلامُ على كلّ طُرق الكسب غير المشروع وهي أصنافٌ كثيرةٌ متعدّدة عجزت الأنظمة البشريّة عن علاجِها ومحاصرتِها ، وقد كفتنا العقيدةُ والشريعة محاصرة ذلك في الضمير ! .
وجعل الإسلامُ الأساسَ الذي يقومُ عليه عقدُ العمل الوفاءُ من الطرفين ، وهو أساسٌ تحرُسُهُ العقيدةُ في الإسلام : فقال تعالى : [FONT="]] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُود [FONT="]/FONT] ( المائدة : 01 ) ، وقال سبحانه :[FONT="[/FONT] وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ[FONT="]/FONT] ( المؤمنون : 08 ) ، وقال تعالى: [FONT="[/FONT] الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاق[FONT="][[/FONT] ( الرعد 20 )، وقال صلى الله عليه وسلم :" أَعْطُوا الأجير أجرَهُ قبل أن يجِفّ عرَقُه " ( صحيح الجامع : 1055) ، كلُّ هذا يجعلُ الجهةَ المستخدِمَة تستوفِي للعامِلِ حقّهُ بل تُكرِمُهُ و توسّعُ عليه ، وتجعلُ العاملَ المسلمَ لا يؤمنُ إلاّ بالإتقانِ والوفاءِ و الدّقّةِ في تنفيذِ ما اتُّفقَ عليه حتّى يأكُلَ كسبًا طيّبًا . [/FONT]
و أزمةُ المسلمين أزمَةُ فَهمٍ عن الله ! ، فالآيات والحديث تقولُ للمُسلمِ الذي لا يرضَى أن يأخُذَ أقلَّ من حقّه : استوفِ حقَّ النّاسِ قبل أن تطالبَ بحقّكَ كاملاً ! ، لا تدخُل العمَلَ على التاسعة صباحًا و أنت مطالبٌ بالدّخول على الثامنة ، ولا تخرُج قبل الوقت ، أنجِز الأعمالَ و دعكَ من قراءة الجريدة في المكتب و مصالح الناس تنتظر ! ، دعكَ من اللّعِب بكمبيوتر المؤسّسة وقت العمل ! ، لماذا تستغل المال العام والمُلك العام لمصلحتك الشخصيّة؟! ، لماذا تخرُجُ بالساعات والنّاسُ وملفّاتُهم في الانتظار ؟! ، لماذا تعطي للنّاس العهود على إتمام العمل في خمسةِ أيّام وتأخُذُ عليهم الأجرَ و تكملُ الَعَمل في خمسين ؟! ، كلُّ هذه الأخلاق السلبيّة تقضي عليها ثقافتنا الإسلاميّة الأصيلة ، ولكن . . أين من يعي . . وأين من يعقل ؟! .
للأسف . . عندنا أعظمُ ثقافةٍ في العمل وغيرِه .. ولكنّها للأسف الشديد معطّلة ! .
[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]-الصحيحة(2232)،وصحيح الجامع(1428).[/FONT]
[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]- الكسب : محمد بن الحسن الشيباني – تحقيق سهيل زكار - ط 1 – دمشق ، سوريا – 1400هـ ، ص 64 . وانظر : سيرة عمر بن الخطاب – ابن الجوزي ، ص 177 . [/FONT][FONT="] [/FONT]
أيها القرّاء الأعزّاء : لا زلنا نتحدّثُ عن مفرداتِ ثقافتنا الإسلاميّة العظيمة الرائعة ، التي عطّلَها المسلمون للأسف الشديدِ على مستوى التصوّرات وعلى مستوى الممارسة إلاّ من رحم الله ، وراحوا يبحثون عن الثقافة الرائعة عند الغرب !
مفردَةُ اليوم تتعلّقُ ب " العَمَل " ، ليسَ باعتبارِهِ صورةً من صُوَرِ الأنشِطة التي يتكسّبُ بها العبد ، ولا باعتبارِهِ سببًا في تحقيق الرّفاهيّة و النمُوّ الاقتصادي ، فهذا يشتركُ فيه المسلمُ وغيرُ المسلم ؛ إنّما باعتبارِه عند المسلمينَ ثقافةً إسلاميّةً أصيلة ، و منظومةً عامرًةً بالمبادئ والمُثُل العليا ، تصنعُهَا العقيدةُ و تنظّمُها الشريعةُ و تجمّلُها الأخلاقُ والقيم ! .
فيا معشر الأحباب : العملُ في الإسلامِ عِمارةٌ للحياة و مظهرٌ من مظاهرِ الاستخلافِ في الأرض ، قال ربُّنا سبحانه : [FONT="]]هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[FONT="][[/FONT] ( هود : 61 ) ، استعمرَكُم فيها : أي جعلَكم تعمُرُونها ، و العِمارةُ في الإسلام تتجاوزُ مفهوم الإقامَة في المكان إلى حثّ الإنسانِ على استغلالِ كُلِّ قُدُراتِهِ الفكريَّة والجسديّة في سبيلِ إتقانِ تلك الإقامة و تهيئة شروطِها ووسائِلِها ، ولا شكَّ – أحبّتي - أنَّ هذا الواجبَ الذي دلّت عليهِ الآيةُ يجعلُ المسلمَ عاملاً مُتقنًا لعملِهِ أينما نزَل وحَل ، سواءً كان في وظيفةٍ أو مِهنةٍ أو حِرفَة ، وللأسف هذا الوصفُ لا تجدُهُ في المسلمين إلاّ من رحمَ اللهُ وقليلٌ ما هم ، وتلمَسُهُ في غير المسلمينَ من اليابانيّين أو الصّينيين أو غيرهم ، يؤمِنونَ بالإتقانِ والعِمارَة و تهيئة شروطِها وأسبابِها أينَما نزلوا و حلُّوا ، و المُشكلةُ في هذا أنَّ المُسلمَ – إلا من رحم الله – لم يفهَم عن الله ، ولم يُحسِن في المُقابِلِ إتقان دُنياه ، فلذلك قتلته البطالةُ والتخلّف والتبعيّة فإنّا للهِ و إنّا إليه راجعون ! . [/FONT]
أيها القرّاء الأعزّاء : و الإسلامُ ينظُرُ إلى العامِلِ أنَّهُ مجاهدٌ في سبيل الله ، وكفى بهذا شرفًا و باعِثًا ومحرّكًا نحوَ الحركةِ والإنتاجِ والبذل : ففي الصحيحة[1] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع شابٌّ من الثنيَّة ، فلما رأيناه رميناه بأبصارنا فقلنا للنبي صلى الله عليه وسلم :"لو أنَّ هذا الشابَّ جَعَلَ شَبَابَهُ ونَشَاطَهُ وقُوَّتَهُ في سبيل الله!"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن كان خرج يسعى على وَلَدِهِ صغارًا فهو في سبيل الله،وإن كان خَرَجَ يسعَى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله،وإن كان خرج يسعى على نفسه يُعِفُّهَا فهو في سبيل الله،وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخَرَةً فهو في سبيل الشيطان". فالعملُ بموجِبِ هذا الحديث عبادةٌ يُعبدُ اللهُ بها في الأرض ، و ليسَ قاطعا عن العبادة ، ولا مُضِلاًّ عن سبيل الله كما يتصوَّرُهُ بعضُ المساكين ؛ بل هوَ جزءٌ من سبيلِ الله الموصلةِ إلى رضوانه والتي تنتهي بالمؤمنين إلى الجنَّة ! .
و لكم أن تنظُروا بعد هذا - معشر الأحباب - : ما الذي سيترُكُهُ هذا التصوُّر في نفسيّة المؤمنِ من راحةٍ و قناعةٍ وسعادةٍ نفسيّةٍ عامرَةٍ غامرَة وهو يكِدُّ ويجِدُّ في وظيفته أو حِرفَتِهِ أو مهنتِهِ أو تجارَتِه ؟!
و لكم أن تنظُروا بعد هذا ما الذي سيتغيّر حين يتعلّمُ المسلمُ أنّ عاداتِهِ عباداتٌ في حينِ أنَّ عباداتِ غيرِهِ سيّئاتٌ وضلال ؟! .
هذا ما فهِمَهُ السّلفُ الصالحُ رضي الله عنهم و أحسُّوا به ، فهذا عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه -[FONT="] يقول : " لَأَنْ أموت بين شُعْبَتَي رَحلِي أَضرِبُ في الأرض أبتغي من فضل الله أَحَبُّ إليَّ من أنْ أُقتَل مُجاهِدًا في سبيل الله ؛ لأنَّ الله - تعالى[FONT="] [/FONT]- [FONT="] [/FONT]قدَّم الذين يضرِبون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين[2] في قوله : ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (المزمل: 20) ، فما أجلّهُ من فهم .. ! [FONT="].[/FONT] [/FONT]
أيها القرّاء الأعزّاء : و في إطار توضيحِ الثقافةِ الإسلاميّة الأصيلة في موضوع العمل عدَّ الإسلامُ الأكلَ من تَعَبِ اليدِ وعرقِ الجبينِ أفضلَ وأطيبَ الكسب حتّى يعيشَ المسلمُ في كرامةٍ وعِزّة ، قال صلى الله عليه وسلم :" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " ( صحيح الجامع : 5546 ) ، ولا شكَّ أنَّ هذا يُغلقُ عند المسلمَ باب الكسَلِ والاتّكال والبطالة والاستسلام و يسُدُّ عليه باب الحياءِ من العملِ مهما كان بسيطًا متواضعًا ، ويحثُّهُ على الضربِ في الأرضِ طلبًا لأطيبِ الكسبِ الذي يُحبُّهُ اللهُ ويرضاه :
وكيف يستحي المسلمُ من العملِ وهو يسمعُ أنَّ آدَم عليه السلام كان فلاّحًا ، وكان إبراهيم عليه السلام بزازًا ، ونوحٌ عليه السلام نجارًا وكذا زكريا و عيسى ، و لقمان عليه السلام كان خياطًا وكذا إدريس، وكان موسى عليه السلام راعيًا و كذا محمَّدٌ صلى الله عليه و سلم كان يرعَى الغنم على قراريط لأهل مكّة ، وهؤلاءِ هم أشرفُ الخلق عند الله ، أليسَ هذا خيرٌ من أن يسألَ المسلمُ النّاسَ أعطَوهُ أم منعوه ؟! .
و إذا انتقلنا – أحبّتي - إلى جانب الأخلاق في العمل في ثقافتنا الإسلاميّة نجدُ العجبَ العُجاب ، نجدُ منظومةً أخلاقيَّةً رائعة وسبّاقَة تعجِزُ أمَامَها كلُّ منظومات التنمية البشريّة :
فالعملُ في الإسلام يجبُ أن يكونَ في الحلال المشروع ، وهذا قيدٌ إيجابِيٌّ قضَى بهِ الإسلامُ على كلّ طُرق الكسب غير المشروع وهي أصنافٌ كثيرةٌ متعدّدة عجزت الأنظمة البشريّة عن علاجِها ومحاصرتِها ، وقد كفتنا العقيدةُ والشريعة محاصرة ذلك في الضمير ! .
وجعل الإسلامُ الأساسَ الذي يقومُ عليه عقدُ العمل الوفاءُ من الطرفين ، وهو أساسٌ تحرُسُهُ العقيدةُ في الإسلام : فقال تعالى : [FONT="]] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُود [FONT="]/FONT] ( المائدة : 01 ) ، وقال سبحانه :[FONT="[/FONT] وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ[FONT="]/FONT] ( المؤمنون : 08 ) ، وقال تعالى: [FONT="[/FONT] الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاق[FONT="][[/FONT] ( الرعد 20 )، وقال صلى الله عليه وسلم :" أَعْطُوا الأجير أجرَهُ قبل أن يجِفّ عرَقُه " ( صحيح الجامع : 1055) ، كلُّ هذا يجعلُ الجهةَ المستخدِمَة تستوفِي للعامِلِ حقّهُ بل تُكرِمُهُ و توسّعُ عليه ، وتجعلُ العاملَ المسلمَ لا يؤمنُ إلاّ بالإتقانِ والوفاءِ و الدّقّةِ في تنفيذِ ما اتُّفقَ عليه حتّى يأكُلَ كسبًا طيّبًا . [/FONT]
و أزمةُ المسلمين أزمَةُ فَهمٍ عن الله ! ، فالآيات والحديث تقولُ للمُسلمِ الذي لا يرضَى أن يأخُذَ أقلَّ من حقّه : استوفِ حقَّ النّاسِ قبل أن تطالبَ بحقّكَ كاملاً ! ، لا تدخُل العمَلَ على التاسعة صباحًا و أنت مطالبٌ بالدّخول على الثامنة ، ولا تخرُج قبل الوقت ، أنجِز الأعمالَ و دعكَ من قراءة الجريدة في المكتب و مصالح الناس تنتظر ! ، دعكَ من اللّعِب بكمبيوتر المؤسّسة وقت العمل ! ، لماذا تستغل المال العام والمُلك العام لمصلحتك الشخصيّة؟! ، لماذا تخرُجُ بالساعات والنّاسُ وملفّاتُهم في الانتظار ؟! ، لماذا تعطي للنّاس العهود على إتمام العمل في خمسةِ أيّام وتأخُذُ عليهم الأجرَ و تكملُ الَعَمل في خمسين ؟! ، كلُّ هذه الأخلاق السلبيّة تقضي عليها ثقافتنا الإسلاميّة الأصيلة ، ولكن . . أين من يعي . . وأين من يعقل ؟! .
للأسف . . عندنا أعظمُ ثقافةٍ في العمل وغيرِه .. ولكنّها للأسف الشديد معطّلة ! .
[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]-الصحيحة(2232)،وصحيح الجامع(1428).[/FONT]
[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]- الكسب : محمد بن الحسن الشيباني – تحقيق سهيل زكار - ط 1 – دمشق ، سوريا – 1400هـ ، ص 64 . وانظر : سيرة عمر بن الخطاب – ابن الجوزي ، ص 177 . [/FONT][FONT="] [/FONT]