العلاج هو الصبر

محمد بن سامر
1442/11/07 - 2021/06/17 04:43AM

العلاج هو الصبر-8-11-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون).

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ-رَحِمَهُ اللهُ-قَالَ: "قَالَ لي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-فَقَالَتْ: إني أُصْرَعُ، وإني أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ، قَالَتْ: أَصْبِرُ، قَالَتْ: فإني أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا".

هل شُفيتْ؟ لا. وصَّاها النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-بالصبر، تِسعَةُ أعشارِ مشاكلِنا، علاجُها الصَّبرِ.

فإذا لم تنكشفُ المشكلةُ في الدُّنيا، فهناكَ يومٌ آخرُ يفوزُ فيه أهلُ الصَّبرِ ويُقالُ لهم: (إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ)، ويكونُ أجرُهم فيه كبيرًا كبيرًا (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، بل لا يحاسبون، ويُصبُ عليهم الأجرُ والثوابُ بغيرِ عدٍ ولا حسابٍ (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

فيا من له أبٌ أو أمٌّ يُسيئونَ إليه اصبر، ويا من له زوجةٌ تُزعجُه اصبر، ويا من لها زوجٌ لا يُحسنُ عِشرتَها اصبري، ويا من له أولادٌ يَعُقُونَهُ ويـُحْزِنَونَهُ اصبر، ويا من له أقاربُ يقطعونَه اصبر، ويا من له جارٌ يُؤذيه اصبر، ويا من له رئيسٌ في العملِ يظلمُه اصبر، ويا من يرى من وليِ أمرِه ما يكرهُ، اصبر، اصبر على الجليسِ الصَّالحِ، (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، اصبرْ أيُّها المريضُ، اصبرْ أيُّها الفقيرُ، اصبرْ أيُّها المُبتلى، اصبرْ أيُّها المظلومُ، اصبرْ أيُّها الإنسانُ، فالحياةُ صبرٌ وإيمانٌ.

إذا ما أتاكَ الدَّهرُ يومًا بنكبةٍ*فافرِغْ لها صَبرا، ووسِّعْ لها صَدرا

فإنَّ تصاريفَ الزمانِ عجيبةٌ*فيومًا تَرى يُسرًا ويوماً تَرى عُسرا

اسمعوا إلى وصيةِ اللهِ سبحانَه لنبيِّه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-في ثلاثِةِ مواضعَ في كتابِ اللهِ-تعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)، فما هو وعدُ اللهِ-عزَّ وجلَّ-للصابرينَ مع ما ذكرنا من الفوزِ في الآخرةِ والأجرِ الكبيرِ؟

أولُها وأعظمُها: أنَّ اللهَ-تعالى-معكَ أيُّها الصَّابرُ، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، (وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وواللهِ لو تدَّبرناها حقًّا، لوجدنا للصبرِ مذاقًا آخرَ، فكيفَ بكَ أيُّها الصَّابرُ واللهُ-تعالى-معكَ يُؤانسُك، ويُطَمْئنُكَ، ويواسيكَ، ويُعينُكَ، ويواليكَ، ويهديكَ، ويوفِّقُكَ، ويؤيدُكَ، ثُمَّ ينصرُكَ قال-تعالى-: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)، وقالَ النبيُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ".

وكمْ من ليلةٍ بِتَّ في كُربةٍ*يَكادُ الرَّضيعُ لها يَشيبُ

فما أصبحَ الصُّبحُ إلا أتى*من اللهِ نصرٌ وفتح ٌ قَريبُ

وثانيها: أنَّ اللهَ-تعالى-قد وعدَ الصَّابرينَ بمحبتِه، فقالَ سُبحانَه: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، فأينَ المُحبونَ؟ إِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ هِيَ أَجَلُّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ، وَأَفْضَلُ فَضِيلَةٍ، تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا يَسَّرَ لَهُ الْأَسْبَابَ، وَهَوَّنَ عَلَيْهِ كُلَّ عَسِيرٍ، وَوَفَّقَهُ لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، وَأَقْبَلَ بِقُلُوبِ عِبَادِهِ إِلَيْهِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ.

فأيقنْ أيها الصابرُ بحبِ اللهِ لك، وتلذذْ به، فهو القادرُ على أن يُزيلَ ما بكَ من همٍّ، ولكنَّه يعلمُ أنَّ الصَّبرَ خيرٌ لكَ وأعظمَ، قالَ-تعالى-: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)، واخترْ ما اختارَه اللهُ-تعالى-لك وارضَ بهِ.

لماذا عندما يشكو لكَ أحدُهم مُشكلتَه، فتقولُ له: اصبرْ، ينظرُ إليكَ بتعجُّبٍ واستغرابٍ، وكأنَّكَ تتهرَّبُ من الجوابِ، ولا يعلمُ أن نصيحتَك له بالصَّبرِ خيرُ خِطابٍ، وليتَه كما يشكو للعبادِ، يشكو بصدقٍ إلى العزيزِ الوهابِ.

وَإذَا عَرَاك بليّةٌ فاصبِرْ لَهَــا*صَبْرَ الكريمِ فَإنَّه بكَ أَعلـــمُ

وَإِذَا شَكَوتَ إلى ابنِ آدمَ إِنَّمَا*تَشْكُو الرَّحِيمَ إلى الذي لا يَرْحَمُ

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فمن ينظرُ في حالِ كثيرٍ من الناسِ اليومَ، يجدهم غيرَ صابرينَ مستعجلينَ في كثيرٍ من المجالاتِ، في الأمورِ الدِّينيةِ والدُّنيويةِ، فهذا يعجلُ في صلاتِه ثُمَّ ينصرفُ سريعا إلى دُنياهُ، وهذا يعجلُ في الدُّعاءِ ويريدُ سريعًا أن يراهُ، وهذا يريدُ أن يتغيَّرَ الواقعُ في وقتٍ يسيرٍ، وهذا يُريدُ في يومٍ أن تَصلُحَ كلُ الأمورِ.

عند الإشاراتِ ترى الملالَ والضَّجرَ، وفي الطُّرقِ ترى السُّرعةَ والخطرَ، الكبيرُ مُستعجلٌ، والصَّغيرُ مُستعجلٌ، والرَّجلُ مستعجلٌ، والمرأةُ مُستعجلةٌ، فإلى أينَ؟ ألا يعلمونَ أنَّه ليسَ أمامَهم إلا الموتُ: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)، فهل يحسنُ بالمسلمِ ألا يستفيقَ من عجلتِه وغفلتِه إلا في قبرِه؟!

يجبُ علينا أن نعلمَ أننا في أيامِ الصَّبرِ، وأنَّ منْ لم يصبرْ فلن يهنأَ في دنياهُ ولا في آخرتِه، قالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟، قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ".

ألمْ ترَ-اليومَ-أنَّ الصَّبرَ على طاعةِ اللهِ-تعالى-، والصَّبرَ عن معصيتِه، والصَّبرَ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ هو كالجمرةِ التي يقبضُ عليها المسلمُ بيدِه؛ لأنَّهُ لا يجدُ على الصَّبرِ والخيرِ أعوانًا.

فتسلحْ بالصبرِ والمصابرةِ والتَّقوى، تجدِ الخيرَ والفلاحَ والهدى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

والصبرُ مثلُ اسمِه مُرٌّ مَذَاقَتُهُ*لكنْ عواقبُه أحلى من العَسَلِ

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1624212170_العلاج هو الصبر-8-11-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1624212174_العلاج هو الصبر-8-11-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1200 | التعليقات 0