🌟العقل والنقل🌟
تركي بن عبدالله الميمان
- 3 -
خطبة الأسبوع
العَقْلُوالنَّقْل
(نسخة للطباعة)
قناة الخُطَب الوَجِيْزَة
https://t.me/alkhutab
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ U، وَالاِعْتِصَامِبِالكِتَابِ والسُنَّة، والمُسَارَعَةِ إلى الجَنَّة! ﴿سَابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ﴾.
عِبَادَ الله: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ الإنسان، ومَيَّزَهُ عَنْ سَائِرِ الحَيَوَان،بِالعَقْلِ والبَيَان؛ فالعَقْلُ هُوَ مَنَاطُ التكليف، وأَحَدُ الضَّرُوْرَاتِالَّتِي جَاءَ الإسلامُ بِحِفْظِهَا؛ فَحَرَّمَ اللهُ شُرْبَ الخَمْرِ؛ حِفْظًالِلْعَقْلِ؛ قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
ومِنْ فَوَائِدِ العَقْلِ: التَّفَكُّرُ في آيَاتِ اللهِ الكَوْنِيَّة، والتَّدَبُّرُ في آيَاتِهِ الشَّرْعِيَّة؛ قال ﷻ: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
وكَلَّفَ اللهُ العَقْلَ بِالإِيْمَانِ، والتَّسْلِيْمِ والإِذْعَانِ، لِأَحْكَامِ السُنَّةِ والقُرآن! قال الزُّهْرِيُّ: (مِنَ اللهِ العِلْم، وعلى الرَّسُولِ البَلَاغ، وعَلَيْنَا التَّسْلِيم).
ومِنْ تَكْلِيْفِ اللهِ لِلْعَقْلِ: الإِيْمَانُ بِالغَيْبِ: وهُوَ كُلُّ ما غَابَ عَنِ العُقُوْلِ والأَنْظَارِ، مِمَّا ثَبَتَ في الكِتَابِ والسُنَّة؛ وقَدِ ابْتَلى اللهُ عِبَادَهُ بِالإِيمانِ بِالغَيْبِ؛ لِيَعْلَمَ ﴿مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ﴾.
ولا تَصِلُ الهِدَايَةُ إلى القَلْبِ، إِلَّا بَعدَ الإِيمانِ بِالغَيب! ﴿ذلِكَ الكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾.
ولَوْ كَشَفَ اللهُ الغَيْبَ لِعِبَادِه؛ لَسَقَطَتْ حِكْمَةُ التَّكْلِيْفِ، و﴿لَآمَنَ مَنْ في الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾.
وَمِنْ تَكْلِيْفِ اللهِ لِلْعَقْلِ: التَّسْلِيْمُ لِلْنَّصِّ الشَّرْعِيِّ:فَالعَقْلُ السَّلِيْم، لا يَتَقَدَّمُ على الشَّرْعِ الحَكِيْم، قال الطَّحَاوِيُّ: (ولَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ، إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ والاسْتِسْلَام).
وإذا سَلَّمَ الإِنْسَانُ عَقْلَهُ لِلْشَّرْعِ، اسْتَرَاحَ مِنَ التَّكَلُّفِ، وعَصَمَهُ مِنَ التَّخَبُّطِ! قال بَعْضُهُمْ: (مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ ضَلَّ، وَمَنِاكْتَفَى بِعَقْلِهِ زَلَّ!).
ومِنْ ضَعْفِ الدِّيْنِ، وهَشَاشَةِ اليَقِيْنِ: إِعْلَاءُ العَقْلِ البَشَرِيِّفَوْقَ الدَّلِيْلِ الشَّرْعِي؛ ومَنْ قَدَّمَ عَقْلَهُ على الكِتَابِ والسُنَّة؛ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْفِتْنَة! ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وأَفْعَالُ اللهِ كُلُّهَا: مَبْنِيَّةٌ على الحِكْمَةِ؛ فَإِنْ ظَهَرَتْ لِلْعَقْلِ تِلْكَ الحِكْمَة: ازْدَادَ إِيْمَانًا ويَقِيْنًا، وإِنْ خَفِيَتْ: أَذْعَنَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.قال ابنُ الجَوْزِي: (رَأَيْتُ في العَقْلِ نَوْعَ مُنَازَعَةٍ لِلْتَّطَلُّعِإلى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ حِكَمِ اللهِ؛ فَقُلْتُ له: اِحْذَرْ أَنْ تُخْدَعَ يا مِسْكِين! فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَكَ بِالدَّلِيلِ القَاطِعِ: حِكْمَةَالصَّانِعِ؛ فَإِنْ خَفِيَ عَلَيْكَ بَعْضُ الحِكَمِ؛ فَلِضَعْفِإِدْرَاكِكَ، فَمَنْ أَنْتَ حَتَّى تَطَّلِعَ بِضَعْفِكَ على جَميعِحِكَمِه؟! فَإِنَّكَ بَعْضُ مَوْضُوْعَاتِه، وذَرَّةٌ مِنْمَصْنُوْعَاتِه).
والعَقْلُ الصَّريْحُ، لا يُخَالِفُ النَّقلَ الصَّحِيحَ؛ فَكِلاهُما مِنَ الله، فـ(العَقْلُ) خَلْقُهُ، و(النَّقْلُ) خَبَرُهُ وأَمْرُه؛ ﴿أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾.
ولَوْ فُرِضَ وُجُودُ التَّعَارُضِ بَيْنَ العَقْلِ والنَّقْلِ؛ فَهُوَ تَعَارُضٌ في الظَّاهِرِ، وَمَرَدُّهُ إلى سَبَبَيْنِ:
1- إِمَّا أَنَّ الدَّلِيلَ لم يَثْبُتْ.
2- وإِمَّا أَنَّ العَقْلَ لم يُدْرِكْ.
ومَنْ قَدَّمَ العَقْلَ على النَّقْلِ، وادَّعَى أَنَّ عَقْلَهُ أَحْكَمُ مِنَ الشَّرْع؛ فَقَدِاتَّبَعَ هَوَاه، واحْتاجَ عَقْلُهُ إلى عَقْل! قال العلماء: (مَنْ لَمْ يَحْتَرِزْبَعَقْلِهِ: هَلَكَ بِعَقْلِهِ! ودَوَاءُ هَذَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ حَكِيمٌفي كُلِّ مَا خَلَقَهُ وشَرَعَه).
ورَأَسُ الأَدَبِ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ: تَلَقِّي خَبَرَهُ بِالتَّصْدِيقِ والتَّسْلِيم، دُونَ مُعَارَضَةِ خَيَالٍ يُسَمِّيهِ مَعْقُولًا! ودونَ أنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ النَّاسِ، وَزُبَالَاتِ أَذْهَانِهِمْ! قال ﷺ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ؛ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ).
وأَوَّلُ مَنِ اعْتَرَضَ بِعَقْلِهِ إِبْلِيْس! عِنْدَمَا رَأَى فَضْلَ النَّارِ على الطِّيْن، فَأَعْرَضَ عَنِ السُّجُود. قال ابنُ عَبَّاسٍ t: (أَوَّلُ مَنْ قَاسَ بِرَأْيِهِ إبليس! والْقِيَاسُ فِي مُخَالَفَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ؛ فَمَنْ قَاسَالدِّيْنَ بِرَأْيِهِ؛ قَرَنَهُ مَعَ إِبْلِيسَ).
ومِنْ عَلامَاتِ العَقْلِ الصَّحِيح: تَحْقِيقُ التَّوْحِيد؛ فَهُوَ يُحَرِّرُالإنْسَانَ: مِنَ الشِّركِ والخُرَافَاتِ، والبِدَعِ المُحْدَثَات، والمعاصي والمُنْكَرَات؛ وانْظُرْ إلى بَعْضِ مَنْ يُوْصَفُ بِالعَقْلِ مِنْ غَيرِالمسلمين، كَيْفَ تَذْهَبُ عُقُوْلُهُم، ويَعبُدونَ قَبرًا أو بَقَرَةً أو صَنَمًا! قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
ولَمَّا اغْتَرَّ الكُفَّارُ بِعُقُوْلِهِمُ البَشَرِيَّةِ، وقَدَّمُوْهَا على شَرِيْعَةِ رَبِّ البَريِّة، هَوَتْ بِهِمْ إلى النَّارِ، وبِئْسَ القَرار! وهُنَاكَ يَتَّهِمُونَ عُقُوْلَهُم، ويَعْتَرِفُونَ بِذُنُوْبِهِم! ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحابِ السَّعِيرِ﴾. قال القُرطُبي: (دَلَّ هذا على أَنَّ الكَافِرَ لَمْ يُعْطَ مِنَ العَقْلِ شَيْئًا!).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ على تَوْفِيْقِهِ وامْتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه.
عِبَادَ اللهِ: مِنْ كَمَالِ العَقْلِ: النَّظَرُ في العَوَاقِبِ، وتَقْدِيْمُ الآخِرَةِ البَاقِيَةِ، على الدنيا الفَانِيَة؛ فَإِنَّهُ لما ضَعُفَتْ عُقُولُ أَكْثَرِ النَّاسِ؛ صَارُوا ﴿يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا﴾.
والدُّنيا دَارُ مَنْ لا دَارَ لَه، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لا عَقْلَ له! قال تعالى: ﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
******
* اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عُقُوْلًا رَاجِحَةً، وقُلُوْبًا خَاشِعَةً، وأَلْسِنَةً ذَاكِرَةً.
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْن، الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّين: أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُمْبِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين، واقْضِ الدَّينَ عن المَدِيْنِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* اللَّهُمَّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلَّا أنتَ، أنْتَ الغَنِيُّ ونَحْنُ الفُقَراء؛ أَنْزِلْعَلَيْنَا الغَيْثَ ولا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِيْنَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
قناة الخُطَب الوَجِيْزَة
https://t.me/alkhutab
المرفقات
1732192112_العقل والنقل (نسخة مختصرة).pdf
1732192112_العقل والنقل (نسخة للطباعة).pdf
1732192113_العقل والنقل.pdf
1732192129_العقل والنقل (نسخة للطباعة).docx
1732192129_العقل والنقل.docx
1732192129_العقل والنقل (نسخة مختصرة).docx