العَفْوُ في رَمَضَانَ-19-9-1445هـ-مستفادةٌ من خُطبةُ الشيخِ هلالٍ الهاجِريِ

محمد محمد
1445/09/18 - 2024/03/28 17:37PM

العَفْوُ في رَمَضَانَ-19-9-1445هـ-مستفادةٌ من خُطبةُ الشيخِ هلالٍ الهاجِريِ

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

كَانَ مُتَشوِّقًا لِدُخولِ شَهرِ رَمضانَ، يَرجو فِيهِ العَفوَ والرَّحمةَ والغُفرانَ، يَتَنقَّلُ مِن طَاعةٍ إلى طَاعةٍ، ولا يَكادُ يُفَرِّطُ مِنهُ بِساعةٍ، فَهوَ في نـَّهارِه في قِراءةِ قُرآنٍ وَصَدَقاتٍ وصِيامٍ، وفي لَيْلِهِ في ذِكرٍ وصِلةِ أرحامٍ وقِيامٍ، وما بَينَ ذلكَ في دُعاءٍ ومُناجاةٍ وبُكاءٍ، فتقولُ: هَنيئًا لَهُ هَذا الاجتِهادُ، هَكَذا تَكونُ المُنَافسةُ بينَ العِبادِ، وَلكنْ هُناكَ شَيءٌ واحدٌ، يُكَدِّرُ صَفوَ هَذا العَابدِ، وهَوَ أنَّهُ مَحرومٌ مِنَ المَغفرةِ في هَذا الشَّهرِ الفَضيلِ، ولا يَنظرُ اللهُ-تَعَالى-إلى ذَلِكَ العَملِ الجَليلِ، فَلِماذا؟

قَالَ رسولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا-أَخِّرُوا-هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".

إخواني: كَمْ في هذا الشَّهرِ مِنْ عِباداتٍ وصَلواتٍ وصَدقاتٍ؟ وكَمْ فِيهِ مِنْ أَذكارٍ وَتَوبةٍ واستغفارٍ؟ وكَمْ فيه مِنْ صِيامٍ وبرٍّ للوَالدينِ وصِلَةِ أَرْحَامٍ؟ ومَعَ ذَلكَ لا يُغفرُ لهذا العبدِ، بَلْ ولا يُنظرُ في عَملِهِ، فَأيُّ خَسارةٍ هَذهِ؟! وأَيُّ مُصيبةٍ تِلكَ؟!

لَـمَّا يقولُ رسولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَبَاغَضُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا تَقَاطَعوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاث"، ثُمَّ تكونُ القَطيعةَ بينَ الأقاربِ والإخوانِ، والأصحابِ والجِيرانِ، فَلا الكَبيرُ يُريدُ أن يَتَنَازَلَ فَيَعْتَذِرَ، ولا الصَّغيرُ يُريدُ أن يُبَادِرَ فَيَغفِرَ، فَأينَ الحِكمةُ والعَقلُ وَالعَفوُ والفَضلُ؟! فَيَا مَنْ يُريدُ الجنةَ دَارَ السَّلامِ، خَيرُ الـمُتَخَاصِمَينِ البادِئُ بالسَّلامِ.

إِذَا اعْتَذَرَ الجَانِي مَحَا العُذْرُ ذَنْبَهُ*

                      وَكَانَ الذِي لا يَقْبَلُ العُذْرَ جَانِيَا

كَانَ أَبُو بَكرٍ الصِّديقُ يُنفقُ عَلى ‌مِسِطَحِ بنِ أُثاثةَ-رَضِيَ اللهُ عَنهُما-لقَرابتِهِ مِنهُ وفَقرِه، فلما كَانتْ حَادثةُ الإفكِ، تَكلَّمَ مِسِطَحٌ في أُمِنَا عائشةَ-رَضيَ اللهُ عَنها-مَعَ مَنْ تَكلَّمَ، فلما أَنزلَ اللهُ-تَعالى-براءَتـَها، قَالَ أبو بكرٍ: واللهِ لا ‌أُنفقُ عَلى مِسِطَحٍ شَيئًا، ولا أَنفعُه بِنَفعٍ أَبَدًا، وَمَنْ يَلومُهُ وَقَدْ تَكلَّمَ فِي عِرضِ ابْنَتِهِ الصِّديقةِ العَفيفةِ الطَّاهرةِ زوجِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ-.

فمَاذا قَالَ اللهُ-تَعالى-لأبي بَكرٍ في مَنعِهِ لِنَفَقةٍ كانتْ خَالِصَةً لوَجهِ اللهِ-عَزَّ وجَلَّ-، ويَنبغي أن تَبقى كذلكَ؟ قَالَ له-سُبحَانَه-: (وَلَا يَأْتَلِ (لا يَحلِفُ) أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فَقَالَ أَبو بَكرٍ-رَضيَ اللهُ عَنهُ-: بَلى، واللهِ إنِّي لأُحِبُّ أَن يَغفرَ اللهُ لي، فَرجَعَ إلى ‌ِمِسطحٍ النَّفقةَ التي كَانَ يُنفقُ عَليهِ، وقَالَ: واللهِ لا أَنزعُهَا مِنهُ أَبدًا، وهَكَذا يَكونُ عَفوُ الأكابِرِ، الراجينَ اللهَ واليَومَ الآخِرَ.

إذا شِئتَ أن تُدعى كَريمًا مكرَّمًا*

                         أديبًا ظَريفًا عَاقلًا مَاجِدًا حُرَّا

إِذَا مَا أَتَتْ من صَاحبٍ لَكَ زَلَّةٌ*

                           فَكُنْ أَنتَ مُـحتالًا لِزلَّتِهِ عُذْرَا

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فيَا مَن يُريدُ عفوَ مَا مَضَى، اسمَعْ إلى دُعَاءِ الـمُصْطَفَى، تقولُ أُمُنَّا عَائِشَةُ-رَضِيَ الله عَنْهَا-، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ فَبِمَ وَصَّى رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَحَبَّ الناسِ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قُولِي: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُـحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".

يَا ابنَ آدَمَ، إِنَّ بَيْنَكَ وبينَ اللهِ خطايا وَذُنُوبٌ لا يعلمُها إلا هُوَ، فَإِذا أَحْبَبْتَ أَنْ يَغْفِرَها لك وَيَعْفوَها عَنْكَ فَاغْفِرْ أَنْتَ لعبادِه واعفُ عَنْهُمْ، فَإِنَّـما الجَزاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، تَعْفُو هُنا يُعْفَى عَنْكَ هُنَاكَ، تَنْتَقِمُ هُنا يُنْتَقَمُ مِنْكَ هُنَاكَ، تُطَالِبُ بالحقِ هُنا تُطالَبُ بِهِ هُنَاكَ.

إخواني: مَا أَجْمَلَ أَن يَجمعَ رَمَضَانُ شَـمْلَنا، ويَلُّمَ شَتَاتَنا، ويَهْدِيَ قَاطعَنا، ويُصْلِحَ هَاجِرَنا، هَذا الشَّهرُ شَهرُ العَفوِ والتَّصَافحِ والتَّراحمِ والتَّسَامحِ، فَمَاذا نَنتَظرُ؟ لا صَلاةَ تُرفعُ إلى اللهِ، ولا دُعاءَ يَسْمَعُهُ، ولا عَمَلَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَيَقولُ لملائكتِه: "أَنْظِروا هَذينِ حَتَى يَصْطَلِحَا"، حَتَى لَو كُنتَ مَظْلُومًا مَقْطُوعًا صِلْ، فَاللهُ أَكرمُ وَأَوْصَلُ، وابتغِ وجهَ رَبِّكَ فَاللهُ أَعَلَى وأَجَلُّ، فَدُنيا تَخاصمتُم عَليها هِيَ أَحقرُ وَأَقَلُّ، فَكَفى صُدودًا وهُجْرانًا، وكُونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، وتَذكروا أَنَّ عِندَ اللهِ المُلتقى، فِي جَنَّةٍ هِيَ أَطيبُ وأغلى.

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ أَلِفْ بَيْنَ قُلُوبِنا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنَنَا.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1711637493_العَفْوُ في رَمَضَانَ-19-9-1445هـ-مستفادةٌ من خُطبةُ الشيخِ هلالٍ الهاجِريِ.docx

1711637493_العَفْوُ في رَمَضَانَ-19-9-1445هـ-مستفادةٌ من خُطبةُ الشيخِ هلالٍ الهاجِريِ.pdf

المشاهدات 773 | التعليقات 0