العفة مفتاح لكل خير قصة أصحاب الغار أنموذجا .

عبد الله بن علي الطريف
1437/07/01 - 2016/04/08 11:41AM
العفة مفتاح لكل خير قصة أصحاب الغار أنموذجا . 1/7/1437هـ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] أما بعد أيها الإخوة: صورة فذة ومشهد عظيم ينقله النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعالوا نقف معه اليوم وقفة نستلهم منه العبرة ونتخذ منها القدوة..
هي قصة لكنها ليست من نسج الخيال فقد ذكرها الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمن كان قبلنا، وقد وردت في اصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.. سمعها ورواها رجلٌ صالحٌ من أصحابِ رسولِ الله إنه عَبدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فقد قَالَ مُحَدِّثاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ؛ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ صَالِحَةً فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا عَنْكُم.. وفي رواية: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ.. فدعا كل واحدٍ منهم بعملٍ عظيمٍ.. قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ ليَ ابْنَةُ عَمٍّ، وكانت أحبَّ الناسِ إليَّ (وفي روايةٍ: أحْبَبْتُها كأشدِّ ما يُحبذُ الرجالُ النساءَ)، فأردْتُها (وفي روايةٍ: فَرَاوَدْتُها) عَنْ نَفْسِها، فامتَنَعَتْ مني، حتى ألَمَّتْ بها سَنَةٌ مِن السنين [أي حاجة]، فجاءتني [فقالت: لا تنالُ ذلك منها حتى تُعطيَها مائةَ دينارٍ، فسَعَيْتُ فيها (وفي روايةٍ: فطلبتُها) أي الدنانير حتى جَمَعْتُها]، فأعطيتُها عشرينَ ومِائَةَ دِينَارٍ على أن تُخَلِّيَ بيني وبين نفسِها، ففَعَلَتْ، حتى إذا قَدَرْتُ عليها (وفي طريق) فلما وقعتُ بينَ رجْلَيْها؛ قالت: [يا عبد الله.!] (لا أُحِلُّ لك اتَّقِ الله، ولا) تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقِّهِ، فتَحرَّجْتُ من الوقوعِ عليها، فانصرفتُ عنها، وهي أحبُّ الناسِ إليَّ، وتركتُ الذهبَ الذي أعْطيْتُها.! اللهُمَّ [فـ] إن كنتَ [تعلمُ أني] [قد] فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِكَ (ومِن خَشْيَتِكَ)؛ فافرُجْ عنا ما نحنُ فيه، فانفرجَتْ [عنهم] الصخرةُ [حتى نظروا إلى السماءِ] غيرَ أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها.
وَدَعَا الآخران بأَعْمَالٍ عِظَامٍ يَقُولُ كُلُ وَاحِدٍ منهم: «فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ»..
أيها الاخوة: ولنا مع قصة هذا الرجل وقفات نستلهم منها العبرة ونتخذ منها القدوة: الأولى: كيف أن هذا الرجل امتنع عن تنفيذ أمرٍ كان يحلُمُ به منذ سنين، وبذل من أجلِ الحصولِ عليه الجهدَ والكدَ والمال.. وما أن خوفته بالله وقالت: [اتَّقِ الله، ولا تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقِّهِ] انتهى وتوقف..! توقف.. مع أن الذي امتنع عنه من الأمور الشاقة التي تفدحُ [أي تثقل] الإنسانَ وتقصمُ ظهرَه، ولولا أن الله تعالى أعانه، وجاهد نفسه لم يمتنع؛ فقد كان في موضعٍ، ووقتٍ وحالةٍ نفسيةٍ ملتهبةٍ، وشهوةٍ جامحة، لكنه استطاع بتوفيق الله تعالى أن يتغلبَ عليها ويقمعَ الشهوةَ الجبلِّية المركوزة فيه، مع أنها مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين، فاستعفَّ وتداركه عون الله تعالى فأعانه؛ فترقَّى إلى منزلة عالية استحق عليها إجابةَ الدعوة فورَ دعائِه..!
الوقفة الثانية: أن العفة من الأخلاق الإسلامية الحميدة؛ فهي خلقٌ إيمانيٌ رفيع.. خلقٌ يتجلى به الصبرُ والجهادُ والاحتسابُ، وقوة التحمل والإرادة..
والعفة دعوة إلى البعد عن سفاسف الأمور وخدش المروءة والحياء، وفيها لذةٌ وانتصارٌ على النفس والشهوات.. وتقويةٌ للنفس على التمسك بالأفعال الجميلة والآداب النفيسة، والعفة كذلك إقامةٌ للعفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرسٌ للفضائل والمحاسن في المجتمعات..
والعفةُ منزلةٌ رفيعةٌ ومكانةٌ عظيمة ولعظيم فضلها كان النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدْعُو بِهَا ويَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من يتخلق بهذه الصفة فإن الله يعينه، كما جاء في الحديث أنه قَالَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ" رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ووافقه الألباني..
أيها الإخوة: لقد حرص الإسلام على أن ينأى بالناس عن الشهوات الحيوانية، والأخلاق الشيطانية، والنفسُ بطبيعتِها كثيرةُ التقلبِ والتلونِ، تُؤثِرُ فيها المؤثرات، وتعصفُ بها الأهواءُ والأدواءُ، فالنفس أمارةٌ بالسوء، تسيرُ بصاحبِها إلى الشر، فإن لم تُسْتَوقَفْ عند حَدِها، وتُلْجَم بلجامِ التقوى والخوفِ من الله، وتُأْطَر على الحقِ أطراً، وإلا فإنها داعيةٌ لكلِ شرٍ وهوى ومعصيةٍ، والنفسُ بطبيعتها إذا طَمْعتها طَمِعَت، وإذا فوضتَ إليها أمرَكَ أساءت، وإذا حَمَلْتَها على أمرِ اللهِ صَلُحَتْ، وإذا تركت إليها الأمر فسدت.. والعفةُ تأتي لتهذيبِ النفسِ وتزكيتِها من أهوائِها وشهواتِها، لتتجلى فيها مظاهرُ الكرامة الإنسانية، وتبدو فيها الطهارةُ والنزاهة الإيمانية.. نعم.. إن العفة هي طلب العفاف والكف عن المحرم الذي حرمه اللهُ جل وعلا والاكتفاء بما أحلّ سبحانه وتعالى وإن كان قليلاً ولها ثمرات:
منها أنَّ العَفَافَ سببٌ من أسبابِ دخولِ الجنة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ [وهما العظمان في جانب الفم وهو اللسان] وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ [الفرج] أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ. رواه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. يعني من حفظ لسانه وحفظ فرجه، رجلاً كان أو امرأة.. وحفظ اللسان عن القول المحرم، من الكذب والغيبة والنميمة والغش وغير ذلك، وحفظ الفرج عن الفعل المحرم من الزنا واللواط ووسائل ذلك، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضمن له أعلى وأغلى مطلب يسعى الإنسان إلى تحصيله ألا وهو الجنة، فنعم الضامن ويال عظمة المضمون.
ومن ثمرات العفة: الاستظلال تحت ظل العرش يوم القيامة، في ذلك اليوم الرهيب الطويل الذي قال الله تعالى عنه: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج:4] يومٌ تقترب فيه الشمس من الناس على قدر ميل؛ فتلفحهم بحرارتها وتحرقهم أشعتها، ويلجمهم العرق إلجاماً، ويبلغ بهم الأمر مبلغه، إلا سبعة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ كما أخبر النبيُ صلى الله عليه وسلم بقوله: «سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: وذكر منهم: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ...» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وهذا الوعد الجميل يشمل الرجال والنساء.
ومن ثمرات العفة: أنها سبب لتفريج الكربات، واستجابة الدعوات، كما في حديث الثلاثة أصحاب الغار.
ومن ثمرات العفة؛ صيانة المجتمع وحمايته من التردي في مهاوي الرذيلة والفاحشة، والتبرج والسفور والاختلاط المحرم، ذلك أن المجتمع كلما كان عفيفا، طاهرا، كلما دل على نقاء المجتمع وطهارته، وبذلك تقل الجرائم، ويحفظ الأمن، وتصان الأعراض، وتحفظ الأنساب، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد، وهى منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الفروج، وصيانة الحرمات، وتوقى ما يُوقِعُ أعظمَ العداوة والبغضاء بين الناس، من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وبنته وأخته وأمه، وفى ذلك خراب العالم كانت تلي مفسدة القتل في الكبر، ولهذا قرنها الله سبحانه بها في كتابه ورسوله في سننه". «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» بارك الهش لي ولكم..
الثانية:
أما بعد أيها الإخوة: فمن ثمرات العفة: السلامة والنجاة من نار السموم، قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثةٌ لَا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَعَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ عز وجل" رواه الطبراني وصححه الألباني عَنْ معاويةَ بنِ حَيْدَةَ رضي الله عنه.
فالزنا سبب من أسباب العذاب في الآخرة، فقد أخبر الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك كما في قصة الإسراء والمعراج الطويلة، وفيها: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالاَ لِي أي الملكان: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضوْا. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هؤُلاَءِ.؟ فقالا: وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ، الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي..رواه البخاري ومسلم
ومن ثمرات العفة أيضا: ما يحصل للعفيف من لذلة الانتصار على نفسه الإمارة بالسوء، بحيث يتحكم بها، ويسيطر عليها، بحيث ينهاها عن الهوى، كما قال ربنا: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:41،40] فمن خاف مقام ربه فإن له جنتان، كما قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن:46].
فلئن كان اللاهون العابثون يجدون لذة آنية وقتية في ممارسة الحرام، ثم تعقبها آهات وحسرات وتوجعات، فالشاب العفيف والفتاة العفيفة يجدان من لذة الانتصار على النفس أعظم مما يجده أصحاب الشهوات..
أحبتي: إن الرجولة والإنسانية الحقة أن يَقْدِر المرء أن يقول لنفسه: لا.. حين يحتاج إلى ذلك.. وأن تكون شهواته مقودة لا قائدة، أما الذي تحركه شهوته وتستعبده فهو أقرب ما يكون إلى الحيوان البهيم الذي لا يحول بينه وبين إتيان الشهوة سوى الرغبة فيها.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
ومن ثمرات العفة: النجاة من الإصابة بالأمراض الخبيثة التي تلاحق أصحاب الشهوات والنزوات؛ كالزهري والايدز والسيلان نعوذ بالله من الخذلان.
وقد ضرب نبي الهز يوسف عليه السلام المثل الأعلى في عفته وقصته معلومة ومما يَرْوِى أهلُ السير: أن جماعة من الشباب أرادوا أن يختبروا الربيع بن خيثم في شبابه فأرصدوا له امرأة جميلة على باب المسجد، فلما خرج من المسجد أسفرت عن وجه كأنه دارة قمر متظاهرة بأنها ستسأله، فلما رأى وجهها بكى فقالت له: ما يبكيك.؟ فقال: أبكي لهذا الجمال، يسلك به سبيل الضلال فيرى في جهنم هذا الوجه وهو جمجمة متفحمة.. فتابت ولازمت الصلاة وتعلق قلبها معلق بالمساجد.
ليس الظريف بكامل في ظرفه،،،،حتى يكون عن الحرام عفيفا
فإذا تعفف عن معاصي ربه،،،،،،فهناك يُدعى في الأنام عفيفا .
المشاهدات 1464 | التعليقات 0