الْعَشْرُ الْمُبَارَكَاتُ الفاضِلاتُ المُفَضَّلات

سعود المغيص
1444/11/23 - 2023/06/12 23:56PM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بعدُ عباد الله  :

اتقوا الله تعالى واعلموا أن فَضْلُ اللهِ عَمَّ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَطَابَ، يَومَ أَنْ خَصَّهُمْ بِأَيَّامٍ يُضَاعَفُ فِيهَا الثَّوَابُ؛ قال تعالى: ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ).

تِلْكَ الْعَشْرُ الْمُبَارَكَاتُ، الفاضِلاتُ المُفَضَّلات، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَفْضَلُ أيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ”؛  

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَحْدُوهُمُ الْجَنَّةُ وَالرِّضْوَانُ، أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِهَذِهِ الْأَيَّامِ اسْتِعْدَادَهَا، وَيَقْدُرُوهَا فِي النُّفُوسِ حَقَّ قَدْرِهَا.

فالموفق والله من أَحْسَنَ ضِيَافَتَهَا، وَأَكْرَمهَا بِحُسْنِ اغْتِنَامِهَا، وَمَلْءِ صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ مِنْ ثَوَابِهَا.

كَمْ هُوَ جَمِيلٌ عِبَادَ اللهِ أَنْ تُسْتَقْبَلَ هَذِهِ الْأَيَّامُ بِتَجْدِيدِ التَّوْبَةِ مَعَ اللهِ تَعَالَى، تَوْبَةً يَسْتَذْكِرُ فِيهَا الْمَرْءُ مَاضِيَهُ، وَيَضَعُ أَعْمَالَهُ فِي مِيزَانِ الْمُحَاسَبَةِ، فَيُبْصِرُ حِينَهَا ذُنُوبًا سَوَّلَهَا الشَّيْطَانُ، وَخَطِيئَاتٍ زَيَّنَتْهَا النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ؛ فَيُورِثُهُ ذَلِكَ نَدَمًا عَلَى مَا فَاتَ، وَمُجَافَاةً لِلذَّنْبِ فِيمَا هُوَ آتٍ.

وَإِذَا اجْتَمَعَ لِلْمُسْلِمِ تَوْبَةٌ نَصُوحٌ مَعَ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ فِي أَزْمِنَةٍ فَاضِلَةٍ، فَقَدْ تَقَلَّدَ الْفَلَاحَ، وَتَوَسَّمَ النَّجَاحَ ( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ).

يَا أَهْلَ الصِّيَامِ، بُشْرَاكُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَمَعَ الصِّيَامِ يُجَابُ الدُّعَاءُ وَالنَّجْوَى، وَتُغْرَسُ فِي الْقَلْبِ التَّقْوَى، وَيُبَاعِدُ الْمَرْءُ وَجْهَهُ عَنْ نَارٍ تَلَظَّى، وَيُسَطِّرُ الصَّائِمُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ أَهْلِ الرَّيَّانِ، وَلَا تَسَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ أَجْرِ الصِّيَامِ وَثَوَابِهِ؛ “إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”.

وَثَبَتَ عَنْ رَسُولِ الْهُدَى -أَتْقَى النَّاسِ وَأَعْبَدِ الْخَلْقِ- أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ؛  .

يَا أَصْحَابَ الْأَيَادِي الْبَيْضَاءِ، وَأَهْلَ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ، تَذَكَّرُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- أَنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ زِيَادَةٌ لَكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ، وَأَنَّ تِلْكَ الْأُعْطِيَاتِ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْكُمْ وَإِلَيْكُمْ؛ {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}،{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}، فَأَبْشِرُوا أَبْشِرُوا بِالْعِوَضِ وَالْمُضَاعَفَةِ، وَاسْمَعُوا إِلَى هَذِهِ الْبِشَارَةِ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: “إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ”؛  .

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

الْعَجُّ بِالذِّكْرِ وَتَرْطِيبُ الْأَلْسِنَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَعُنْوَانٌ تَتَمَيَّزُ بِهِ، كَيْفَ لَا؟ وَقَدْ خَصَّهَا الْمَوْلَى -سُبْحَانَهُ- بِأَنَّهَا أَيَّامُ ذِكْرٍ للهِ؛ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.  

وَلِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصِي أَصْحَابَهُ بِقَوْلِهِ: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ”؛  

فَيَا مَنْ يَرْجُو طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ، هَاكَ وَاحَاتُ الذِّكْرِ قَدْ تَلَأْلَأَتْ، فَعِشْ مَعَهَا نَفَحَاتِ التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ، وَنَسَمَاتِ التَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ.

 بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

أَمَّا بَعْدُ فيا عِبَادَ اللهِ:

الطَّاعَاتُ كما أنَّها فِي مَوْسِمِ الْخَيْرَاتِ يَزْدَادُ شَرَفُهَا، وَيَعْظُمُ أَجْرُهَا، فَكَذَا الْمَعَاصِي فِي الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ يَعْظُمُ جُرْمُهَا، وَيَزْدَادُ قُبْحُهَا؛ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: “وَالْمَعَاصِي فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُفَضَّلَةِ تُغَلَّظُ، وَعِقَابُهَا بِقَدْرِ فَضِيلَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ”.

فيا أَخِيْ المبارَك، خُذْ مِنَ العملِ في صبحِكَ ومسائِكَ، وأصْلِح قلبك وحالك.

 جَدِّدِ المتاب، واستقبل نفحاتِ الرحيم التواب، فطريقُ الفوزِ والرحمةِ والغُفران، مَيْسُورٌ أمَامَكَ بِصَلاةٍ وتَهَجُّدٍ وَقُرْبَانٍ، وَخَتْمَةٍ صَالحةٍ معَ القرآن، وبصلة وبِرٍّ وإحسان، ونفع ومتعدٍ لكل إنسان.

وليكُنْ الشِّعارُ منكَ والحالُ مع هذه الأيام، لعلي لا ألقاها بعد هذا العام.

وَإِذَا رَأَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ إِقْبَالًا، فَزِدْ فِيهَا أَعْمَالًا.

عباد الله : من أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ شِعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ أَوْ جِلْدِهِ حَتَّى يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ )  

وَمِنْ نَوَى الْأُضْحِيَّةَ أَثْنَاءَ الْعَشْرِ أَمْسَكَ مِنْ حِينِ نِيَّتِهِ ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ قَبْلَ النِّيَّةِ ، وَهَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِمَنْ يُضَحِّي يَعْنِي مَالِكُ الْأُضْحِيَّةِ ، أَمَّا مَنْ يُضَحَّى عَنْهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَنْعُ ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْمُضَحِّي أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ شُعُورِهِمْ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ ، وَإِذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ، أَوْ سَقَطَ الشِّعْرَ بِلَا قَصْدٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ احْتَاجَ إِلَى أَخْذِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَنْكَسِرَ ظُفُرَهُ فَيُؤْذِيهِ فَيَقُصّهُ ، أَوْ يَنْزِلَ الشَّعْرُ فِي عَيْنَيْهِ فَيُزِيلُهُ ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى قَصِّهِ لِمُدَاوَاةِ جُرْحٍ وَنَحْوِهِ.

 فَاتَّقُوا اللَّهِ عِبَادِ اللَّهِ ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ الَّذِي أَمْهَلَكُمْ لِتُدْرِكُوا هَذِهِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَاتِ ، وَتَفُوزُوا إِنْ أَحْسَنْتُمْ اسْتِغْلَالَهَا بِمَوْفُورٍ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَتَكْفِيرٍ لِلسَّيِّئَاتِ ..  

اللهم صلِّ على نبينا محمد ..

اللهمَّ أقبِلْ بقلوبِنا في هذهِ العشرِ على طاعتِكَ.

اللهمَّ أَعِنّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

اللهم أَرْخِصْ أسعارَنا، وَآمِنْ دِيَارَنَا، وَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، ويسِّرْ أَرْزَاقَنَا، وَوَفِّقْ وُلاة أمرنا، وَارْحَمْ أمواتَنا، وَاقْضِ اللَّهُمّ دُيونَنا.

المشاهدات 648 | التعليقات 0