العشر الأواخر ، وليلة القدر

عبدالرحمن اللهيبي
1445/09/19 - 2024/03/29 09:55AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، الْكَرِيمِ التَّوَّابِ؛ ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُهْرَعُ الْعِبَادُ إِلَيْهِ فِي مُلِمَّاتِهِمْ، وَيَسْأَلُونَهُ حَاجَاتِهِمْ، فَيَكْشِفُ ربُنا كَرْبًا، وَيَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيُجِيبُ دَاعِيًا، وَيَقْبَلُ تَائِبًا، وَيَرُدُّ غَائِبًا، وَيُعْطِي سَائِلًا، وَيَشْفِي مَرِيضًا، وَيُغْنِي فَقِيرًا، وَيَفُكُّ أَسِيرًا ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَلَّمَنَا دِينَنَا، وَدَلَّنَا عَلَى مَا يَنْفَعُنَا، وَادَّخَرَ دَعْوَتَهُ شَفَاعَةً لَنَا، فَإِذَا أُذِنَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ قَالَ: «أُمَّتِي أُمَّتِي» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم – أيُّها الناسُ – وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ، وتَزَوَّدُوا بِهَا فَإِنَّهَا خَيرُ الزَّادِ ، وَاستَعِدُّوا بِصَالِحِ الأَعمَالِ لِيَومِ المَعَادِ ” يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ .

أَيُّهَا الصائمون ، بَينَمَا نَحنُ قَبلَ أَيَّامٍ يُبَشِّرُ بَعضُنَا بَعضًا بِدُخُولِ هذا الشَّهرِ المبارك ، إِذْ تَصَرَّمَت لَيَالِيهِ سِرَاعًا ، وَمَضَت أَيَّامُهُ المُبَارَكَةُ تِبَاعًا ، لقد مضى من رمضان صدره، ثم انقضى منه شطره، واكتمل منه بدره، وَهَا نَحنُ على مشارف العَشرَ الأَوَاخِرَ مِنهُ .. ووَالذي نفسي بيده سَتَذهَبُ هَذِهِ الأَيَّامُ المعدودات ، والليالي المباركات وَستَنقَضِي سريعا بما أُودِعَ فِيهَا من صالحات أو سيئات

وَلا وَاللهِ لَا يَكُونَ مَن اجتهد فيها وأَقبَلَ كَمَن أعرض عنها وأَدبَرَ ، وَلا مَن حافظ على الفَرَائِض كَمَن فرط فيها وقَصَّرَ ، وَلا مَن تَصَدَّقَ وَأَعطَى وَاتَّقَى ، كَمَن بَخِلَ وَاستَغنى ، وَلا مَن قرأ القرآن وذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا كَمَن لم يَذكُرْهُ إِلاَّ قَلِيلاً، لا وَاللهِ لا يَستَوُونَ ..

أَيُّهَا الصائمون ، لَو قِيلَ لأَحَدِنَا إِنَّ هَذَا هُوَ رَمَضَانُ الأَخِيرُ في حَيَاتِكَ ، فَمَاذَا عَسَاهُ أَن يَفعَلَ وَبِأَيِّ نَفسٍ سَيُقبِلُ ، أَتُرَاهُ سَيَترُكُ صَلاةَ القِيَامِ وتلاوةَ القرآن؟

هَل سَيَترُكُ في حِسَابِهِ مَالاً مُتَكَدِّسًا لم يُؤَدِّ زَكَاتَهُ ؟

هل سيكون على كبيرة من الكبائر ولا زال مصرّا عليها ولم يتب منها؟

وهل سيعكف على البرامج والمسلسلات لمشاهدة لما فيها من الأوزار والخطيئات؟

يا عباد الله إِنَّ كَثِيرًا مِنَّا لا يَتَصَوَّرُ أَنَّهُ قَد يَكُونُ ذَلِكَ الشَّخصَ الَّذِي لَن يَمُرَّ عَلَيهِ رَمَضَانُ مَرَّةً أُخرَى ، وَلَكِنَّهَا الحَقِيقَةُ الَّتي لا بُدَّ أن يدركها كلُ واحد منا يَومًا مَا "وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ

فَيَا أَيُّهَا الصُّائِمُونَ ، هَا أَنتُمُ مقبلون على ليالٍ عَشر مباركة ، وهِيَ أَفضَلُ لَيَالي الشَّهرِ ففِيهَا لَيلَةُ القَدرِ وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ ، لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ

نَعَم ـ أَيُّهَا الصائمون ـ هِيَ لَيلَةٌ وَاحِدَةٌ مُبَارَكَةٌ ، يَجتَهِدُ فِيهَا المُسلِمُ مُخلِصًا لِرَبِّهِ ، قائما يتلو كتاب ربه ، مُحسِنًا عَمَلَهُ ، بَاسِطًا أَملَهُ ، فَيُعطَى بِرَحمَةِ اللهِ وَفَضلِهِ خيرا من أَجرِ ثَلاثةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ ، فَأَيُّ نَفسٍ تعلم هذا الفضل ثم تَتَكَاسَلُ؟!

وَأَيُّ مُسلِمٍ يُوقِنُ بهذا الفضل ثم يَتَقَاعَسُ؟

وَإِنَّهُ لا يُوَفَّقُ مُسلِمٌ لِقِيَامِ العَشرِ الأَخِيرَةِ كُلِّهَا إِلاَّ بُلِّغَ لَيلَةَ القَدرِ وَلا بُدَّ ، وَتَاللهِ مَا هَذَا بِأَمرٍ عَسِيرٍ ، وَلَكِنَّهُ يَحتَاجُ إِلى عَزمٍ وَجِدٍّ وَتَشمِيرٍ ، وَأَمَّا مَن تَشَاغَلَ أَو تَكَاسَلَ ، فَمَا أَعظَمَ خَسَارَتَهُ وَما أَشَدَّ حِرمَانَهُ ! فعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ كُلُّ مُحرُومٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ فَهَا هِيَ العَشرُ المباركة قد حطت رِحَالَهَا بِكُمُ ؛ لِيَحُطَّ فِيهَا المُذنِبُونَ أَوزَارًا طالما أَثقَلَتهُم ، وَلِيَتَخَلَّصُوا مِن ذُنُوبٍ طالما أرقتهم

وليرفعوا فيها إلى الله حاجات ألمت بهم ، فتضرعوا يا مسلمون إلى ربكم في هذه الليالي المباركات فإنكم في شهر الإجابة وقد قال صلى الله عليه وسلم  ( إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين)  ألا إن الغافل وربي من غفل عن دعائه في هذه الليالي المباركات والمحروم من ترك فيها مسألته وأعرض فيها عن مناجاته ، فالله الله أن ينظر الله إليك في هذه الليالي وقد غفلت عنه أو تعلقت بغيره جل في علاه 

يا مَن خزائنُ جوده في قول كن  أمنن فان الخير عندك أجمع

مالي سوا قرعي لبابك حيلة    فلَإن رُددتُ فأيُ باب أقرع

أقول قولي هذا..

 

 

 

أَمَّا بَعدُ :

أيها الصائمون: إِنَّ مِنَ المحزن والمُؤلِم حَقًّا أَنَّ يدخل الشهر علينا ثم ينقضي منه ثلثاه ، وَثَمَّةَ أقوامٌ مِنَّا لا زالوا على التفريط والعصيان، لم يُغَيِّرُوا شَيئًا ، ولم يُحدِثُوا تَوبَةً وَلا عَجَّلُوا إلى ربهم بِأَوبَةٍ ..

أما يحزنك أيها الصائم أن يمضي الشهر وقد عتقت فيه رقاب المجتهدين وأنت يا عبد الله من المحرومين

فاجتهدوا - يا رعاكم الله - ما استطعتم في إعتاق رقابكم، وفكاك أبدانكم، وشراء أنفسكم ..

يا عَبدَ اللهِ ، إنك تَتَعَامَلُ مَعَ رَبٍّ رَحِيمٍ جَوَادٍ غفور كَرِيمٍ فَمَا الَّذِي يَصرِفُكَ عَنِ اغتِنَامِ هذه الأيام المعدودات ؟

أَلا فَلا تُضَيِّعِ الوَقتَ ـ رَحِمَكَ اللهُ ـ وَإِنْ كُنتَ قَد قَصَّرتَ في أول الشهر وَفَرَّطتَ ، أَو أَسَأتَ فيها وَتَعَدَّيتَ ، فَأَحسِنِ العَمَلَ في باقيها وَاصدُقِ الطَّلَبَ في حاضرها.. كيف ونحن مقبلون على العشر الأواخر منها..

 وَلَئِن كَانَت أَيَّامُ رَمَضَانَ مَعدُودَاتٍ , فَلَيَالِ العَشرِ سَاعَاتٍ مَحدُودَاتٍ ، فأقبلوا على الله فيها بحسن النية والعمل ، وحافظوا على التراويح والقيام، فيما تبقى من الأيام ، وصُونُوا أَنْفُسَكُمْ عَنِ الْحَرَامِ، وَاحْفَظُوا جَوَارِحَكُمْ مِنَ الْآثَامِ، وَأَحيُوا هَذِهِ اللَّيَالي بِالقُرُبَاتِ ، وتلاوة القُرآنَ ، وَأَكثِرُوا الدُّعَاءَ وَالاستِغفَارَ فإن ربكم كريم منان .  

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ . بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ " إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ . وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ . لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ . تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطلَعِ الفَجرِ

أيها المسلمون، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...

المشاهدات 517 | التعليقات 0