العشر الأواخر مغنم عظيم 19 رمضان 1437 هـ

مبارك العشوان
1437/09/17 - 2016/06/22 21:44PM
إنَّ الحمدَ للهِ... أما بعدُ: فاتقوا اللهَ… مسلمون.
عبادَ الله: تَمَيَّزَ رمضانُ وفُضِّلَ على غيرِهِ مِن شُهُورِ العامِ، ثُمَّ تَمَيَّزتْ عَشْرُُُهُ الأخيرةُ وفُضِّلت على سائرِ الليالي، وَهَا نحنُ نستقبلُ هذهِ الفُرصَةَ الثمينةَ، وَالمَغْنَمَ العَظِيم، عشرُ ليالٍ مُبَاركة، وفيها ليلةٌ مُباركة، أخبرَ اللهُ تعالى أنَّها: { خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }.
تَبْدأ العشرُ ـ رحمكمُ الله ـ ليلةَ إِحدَى وَعِشرين؛ وَكانَ مِنْ هَديِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم؛ إحياءُ ليالي العشر؛ تقولُ الصِّدِّيقةُ رضي الله: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) رواه البخاري.
وتقولُ رضي الله: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
عبادَ الله: ونحنُ نستقبلُ هذهِ العشرَ المُبَارَكة؛ فَلْنَعْلَمْ أنَّ مِنْ أهمِّ ما تُسْتَغَلُّ بِهِ: إحياءُ لياليها؛ بالصلاةِ، وقِرَاءةِ القرآنِ، وتَدَبُّرهِ وَكثرةِ الذِّكْرِ، والدُّعاءِ، والاستغفارِ، وغيرِ ذلكَ مِن العبادات.
وَمِمَّا ينبغي الحِرْصُ عَليهِ ـ عبادَ الله ـ والجِدُّ في طَلَبِهِ في هذهِ العشر: ليلةُ القدر، ليلةٌ أنزِلَ فيها القرآن؛ وَتَتَنَزَّلُ فيها ملائكةُ الرحمن، ليلةٌ وُصِفَتْ بأنَّها مُباركةُ وأنَّها سَلام.
اطلُبُوا هذهِ الليلةََ ـ رَحِمَكُمُ الله ـ و ( الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ...) كَمَا صَحَّ عنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري. احرِصُوا على قِيامِهَا؛ ففي البخاريِّ: ( مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ).
وهيَ في أوتارِ العشرِ أقربُ مِنَها في أشفاعها.
أخفيتْ هذهِ الليلةُ عنِ العبادِ لحكمةٍ بالغة، والله عليم حكيم.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يُبَلغَنَا هذهِ الليلة، وأنْ يُوفِقَنَا لقِيامِها إيماناً واحتساباً، ويغفرَ لنا مَا تقدَّمَ وما تأخَّرَ مِنْ ذُنُوبِنا.
عبادَ الله: وَمِنْ أعمالِ هذهِ العشر: الاعتكاف، وهو سنةٌ ثابتةٌ بالكتابِ والسُّنة؛ وقد كانَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ: ( يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْـدِهِ ) متفق عليه.
و الاعتكافُ: هو لُزُومُ المسجدِ لطاعةِ اللهِ تعالى.
وَمَنْ أرَادَ اعتكافَ العشرِ الأواخرِ فليبدأ اعتكافَهُ مِن غُروبِ شمسِ اليومِ العشرين، ويخرُجُ منهُ بِغُرُوبِ شمسِ ليلةِ العيدِ.
وَلا يَخرُجُ إلا لِمَا لا بُدَّ مِنه.
ويَشتَغِلُ بالطاعات، ويترُكُ مَا لا يعنيه.
ويجوز الاعتكافُ يومٌ وليلة؛ يدخُلُ المسجدَ قبلَ غروبِ الشمسِ ولا يخرجُ إلا بعدَ غروبها مِنَ اليومِ الذي بعده.
باركَ اللهُ… وأقولُ ما تسمعون…

الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ... أما بعدُ: فاعرِفوا رحمكمُ اللهُ قَدْرَ شهرِكم؛ فَعَمَّا قَرِيبٍ تُودِّعُونَهُ بِما أوْدَعْتُمُوه.
مَنْ أحسَنَ في أولِ شهرِهِ فَليَسْتَمِر، وَلْيَزْدَدَ مِنَ الإحَسان، وَمَنْ فَرَّطَ فِيْمَا مَضَى فَلا يُتْبِعْهُ مَا بَقِي.
حَاسِبْ أخِي المسلمُ نَفْسَكَ وقدْ مضى أكْثَرُ شَهْرِك، حاسبْ نَفْسََكَ؛ كَمْ مِنَ الطاعاتِ كَسَبْتَ، وكم منها خَسِرت؟!، كم مِنَ المَعَاصِي اقترَفت، وكم منها تُبْتَ إلى اللهِ وأنَبْتَ؟!. كم منَ الأوقاتِ الفاضِلةِ غَنِمْتَ، وكم منها أهدَرْتَ؟!
حاسبْ نفسَكَ ماذا قدَّمتَ لها، في يومٍ تنظُرُ فيهِ ما قَدَّمَتْ يَدَاكَ، وَتُنَبَّأُ فيهِ بما قَدَّمْتَ وَمَا أخَّرْتَ، وَتَرَى فيهِ مِثقَالَ الذَّرَّةِ مِنَ الخيرِ والشَّر، وتُوضَعُ فيهِ الموازينُ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، يومٌ قال اللهُ عنه: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ } تُحضرُ للعبدِ أعمالُه خَيرُها وشرُّها؛ فإمَّا أنْ يفرَحَ بها ويُسَرّ، وإمَّا أنْ يَحزَنَ ويَفْزَعَ، ويودُّ أنْ يَتَبَرَّأ منها.
يقولُ الشيخُ السَّعدَيُّ رحمهُ الله: فلْيَحْذَرِ العبدُ مِنْ أعمالِ السُّوءِ التي لا بُدَّ أنْ يَحْزَنَ عليها أشَدَّ الحُزنِ، وليترُكْهَا وَقتَ الإمكانِ قبلَ أنْ يقولَ: { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ }..... ويقولُ رحمهُ الله: فَوَ اللهِ لَتَرْكُ كُلِّ شهوةٍ ولذةٍ وإنْ عَسُرَ تركُها على النَّفسِ في هذهِ الدارِ أيْسَرُ مِنْ مُعَانَاةِ تِلكَ الشدائدِ واحتمالِ تلكَ الفضائِح، ولكنَّ العبدَ مِنْ ظُلمِهِ وجَهْلِهِ لا ينظرُ إلاَّ الأمرَ الحَاضِرَ، فليسَ لهُ عقلٌ كاملٌ يلحَظُ بِهِ عواقبَ الأمورِ فيُقدِمُ على ما ينفَعُهُ عاجِلاً وآجلاً ويُحْجِمُ عن ما يضرُّهُ عاجلاً وآجلا ... الخ
ألا فَاغتنموا حياتَكُم قبلَ انقِضَائِها، وَنِعَمَكُم قبلَ زوالِها، وَعَافِيَتَكُم قبلَ تَحَوُّلِها، وَفُرَصَ الخيرِ قبلَ فَوَاتِها. ثم صلوا وسلموا....
المشاهدات 1502 | التعليقات 0