الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ(لَيْلَةِ الْقَدْرِ-الاِعْتِكَافِ–المُعْسِرينَ)

محمد البدر
1445/09/18 - 2024/03/28 03:38AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾. فها هي بشائر الخيرات قد أطلّت، ونسائم الرّحمات قد أظلّت، ولحظات المنح والعطايا قد حلّت؛ بإقبال العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ،هذه العَشْرِ التي حوت فضائلَ كثيرة،منها الِاعْتِكَافُ وَلَيْلَةَ القَدْرِ فحريٌّ بكلِّ مسلم أن يغتنمها، وبكلِّ مؤمنٍ أن يستثمرها،أسوته فِي ذلك نبيّناﷺكَانَ إِذَا دَخَلَت عليه العَشْرِ،أقبل على عبادة ربِّه وشمّر،واعتزل نساءه وَشَدَّ المِئْزَرَ،وَأَحْيَا اللَيْلَ بالصّلاة وقرآءة القرآن،وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِﷺإذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ،وَأَحْيَا لَيْلَهُ،وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فينبغي إيقاظ الأهل والأولاد وحثهم على إحياء هذه العشر المباركة بالمحافظة على الصلاة والاعتكاف والصدقة والبر الإحسان،والمسارعة في الخيرات ،وصلة الأرحام وكل عبادة تقرِّب إلى الله.  

عِبَادَ اللَّهِ:كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّﷺفي العَشْر الِاعْتِكَافُ وَقِيَامِ الْعَشْرِ كُلِّهَا طلبًا للَيْلَةَ القَدْرِ ،فيلَزِمَ مَسْجِدَهُ وَلا يَخْرُجُ مِنْهُ إلاَّ لَيلةَ العِيدِ؛فَالْمُعْتَكِفُ ذِكْرُ اللهِ أَنِيسُهُ،وَالقُرْآنُ جَلِيسُهُ،وَالصَّلاةُ رَاحَتُهُ،وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ مُتعَتُه،وَالدُّعَاءُ لذَّتُهُ،فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:«أَنَّ النَّبِيَّﷺكَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ،ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾.وَقَالَﷺ«مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِﷺيُجَاوِرُ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ«تَحرَّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخرِ منْ رَمَضانَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَقَالَﷺ:«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ-يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ-فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ:«أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي، فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّﷺأُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ في المَنَامِ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ:«أرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأتْ في السَّبْعِ الأوَاخِرِ،فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ بِلَيْلِةِ الْقَدْرِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدعاءفَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ:أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ,مَا أَقُولُ فِيهَاقَالَ قُولِي:«اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فَهِيَ لَيلَةٌ مُبَارَكَةٌ لِكَثْرةِ خَيرِهَا وَفَضْلِهَا، يكفيها شَرَفًا أَنَّ الْقُرْآنَ الكريم أُنْزِلَ فِيهَا.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...

 

 

 

 

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.وَإنَّ مِنْ تَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ عَنْ المُسْلِمِ إنْظَارَ المُعْسِرينَ،والْمُساهَمَةَ فِي قَضاءِ الدَّيْنِ عَنْ المَدِينِينَ فمن إسهامات مِنَصَّةُ إِحْسَان لدعم جميع المجالات الخيرية خِدمةِ) تَيَسَّرَتْ(

وتهدف إلى تَفْرِيجِ كُرْبَة المُعْسِرينَ ممن أثقلت كواهلهم الديون وصَدَرَتْ فِي حَقِّهِمْ أحْكَامٌ قَالَﷺ:«المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم،لا يَظْلِمهُ،وَلاَ يُسْلمُهُ ،مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه،كَانَ اللهُ في حَاجَته،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً،فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ،وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِﷺيَقُولُ:«مَنْ سَرَّهُ أنْ يُنَجِّيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ:«كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اللهِ:إن خدمة الناس ومساعدتهم من دأب الصالحين،وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ قَالَﷺ:«الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«إنّ لله تَعَالَى أقْواماً يَخْتَصُّهُمْ بالنِّعَمِ لِمَنافِعِ العِبادِ ويُقِرُّها فيهِمْ مَا بَذَلُوها فَإِذا مَنَعُوها نَزَعَها مِنْهُمْ فَحَوَّلها إِلَى غَيْرِهِمْ»حَسنهُ الأَلبَانيُّ.ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه،فقال في محكم التنزيل:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم.﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

 

المرفقات

1711586247_الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ( لَيْلَةِ الْقَدْرِ- الاِعْتِكَافِ – المُعْسِرينَ).pdf

المشاهدات 957 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا