اَلْعَشَرَةَ اَلزَّوْجَيْة شَأْنُهَا عَظِيمٌ
سعود المغيص
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛
أمّا بعد عباد الله :
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن العشرة بين الزوجين شأنها عظيم, والقيام بحقوقها واجب مشترك على الزوج والزوجة سيُسألان عنه يوم القيامة, ولعظم شأنه أكد النبي صلى الله عليه وسلم عليه في أعظم مجمع عرفه المسلمون, في حجة الوداع, في يوم عرفة, وكان يوم جمعة, حيث قال: ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله ... الحديث ). والمراد بالعشرة ما يكون بين الزوجين من الألفة والإنضمام, لأنه يلزم كُلَّا من الزوجين معاشرةُ الآخر بالمعروف; فلا يماطله بحقه، ولا يتكره لبذله, ولا يتبعه أذى ومنة, لقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خيركم خيركم لأهله ). وقال أيضاً: ( إذا صلت المرأة خَمْسَها, وحَصًّنت فرجها وأطاعت بعلها, دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ). فالمرأة يجب عليها طاعة زوجها, وخدمته, وبذل ما يدل على بره ورعاية بيته في غيبته, وأن لا تخرج أو تسافر إلا بإذنه, وأن لا تذكره بما يكره بدون مبرر شرعي, ويحرم عليها الإمتناع عن فراشه إذا كان يقوم بحقها الواجب, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح ). وينبغي لها أن لا تثقل عليه في أمور الدنيا ومطالبها لأن ذلك مما يفسد المودة والألفة. وينبغي لها نصحه فيما يتعلق بدينه, وأن تعينه على طاعة الله, وأن توقظه للصلاة, ويجب على الزوج أن يفرح بذلك, حيث وهبه الله تعالى امرأة تعينه على طاعة الله, فإن خير متاع الدنيا المرأةُ الصالحة.
وأما الزوج: فإن الحقَّ عليه أعظم, والمسؤوليةَ عليه أكبر, لأنه القَوَّامُ على زوجته, وبيده عُقْدةُ النكاح ولذلك صار الطلاق بيده هو لا بيد المرأة, وهذا من حكمة اللهِ الحكيم العليم سبحانه, إذْ لو كان الطلاق بيد الزوجة لفسد نظام العالم, وهذا من رحمة الله بالناس, وبالمرأةِ نفسِها, إذْ لم يكن الأمر بيدها. فالواجب على الزوج أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلُقاً, وخياركم خياركم لنسائهم ), وقوله: ( استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عَوَانٌ عندكم ), أي أسيرات لا يملكن من أمرهن شيئا, وهذا يدل على وجوب الإهتمام البالغ بالزوجة فيما يتعلق بالإحسان إليها, ومراعاتِ شعورِها وعاطِفتها, والبعدِ عن كل ما يخدش في كرامتها أو يؤثر في حسن العلاقة معها. حتى لو رأى في نفسه كراهية لها, فإن الأفضل هو إبقاؤها والصبر على ذلك مع العشرة بالمعروف, ما لم تأت بفاحشة مبينة, لقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ), ومعنى لا يفرك: أي لا يبغض. فمن وجد في نفسه كراهية, أو نفرة فليصبر, وليكثر من سؤال الله أن يرزقه وُدَّها وحُبَّها, خيرٌ له من أن يستعجل فيفارقها.
ثم اعلم أيها المسلم: أن الصبرَ على الزوجة, ومُراعاةَ حالها, والحلمَ تجاه تصرفاتها, والبُعْدَ عن كثرةِ الجدالِ معها, من علامات كمالِ الرجال وكرمِ أخلاقِهم. ولا ينبغي للزوج أن يكثر السهر خارج البيت, أو يخاطب زوجته بما لا يليق. ويجب عليه أن ينفق عليها وأن لا يقصر في متطلباتها بالمعروف إذا كان قادراً, وإلا فإنه يلقى الله وهو آثم مضيع لحقوقها. ومن ذلك أن لايمنعها من زيارة أبويها, وصلةِ رحِمِها. ويجب على الزوج أن يأمر زوجته بالمعروف وينهاها عن المنكر, بالرفق والأسلوب المناسب. فيأمرها بالصلاة في وقتها, والحجابِ, وينهاها عن الخلوة بغير المحارم, وينهاها عن سماع الغناء والمعازف, ويهيئ لها البيئة المناسبة التي تَمنعُها من التبرج وتعينها على حسن العلاقة مع الله .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَبَعْدُ:
أَمّا بَعدُ عباد الله :
يحرم على الزوج وطء زوجته حال حيضها لقوله تعالى: { فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ }. ويجوز له مباشرتها فيما دون الفرج. ويحرم عليه وطؤها في الدبر, وهو من كبائر الذنوب, وقد كان الصحابة يشددون في إنكاره ويسمونه كفراً, لشناعته, ومخالفته لأمر الله بإتيان النساء في موضع الحرث. ومن كان عنده أكثر من زوجة, فيجب عليه العدل بينهما في المبيت والنفقة, حتى لو كانت إحدى زوجاته حائضاً أو نُفساء, فإنه يَقسم لها في المبيت, ما لَمْ تكُنْ تَقضي أيام نفاسها عند أهلها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له امرأتان فمال إلى أحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).
وينبغي للشاب المُقْبِلِ على الزواج, أو حديثِ العهدِ بالزواجِ, أن يَعرفَ أحكامَ العشرة الزوجية, وأن حياتَهُ ومَسْؤولياتِه بعدَ الزواجِ تختلفُ عن حياتِهِ ومسؤولياتِه قبلها. وأنْ يَتَحَلَّى بالصبرِ والحِلْمِ والأناةِ. وأنْ يَعْلَمَ بأن الزوجَ الفاشل, هو الزوجُ الذي يريدُ مِنْ زوجتِه أن تكونَ كما يقال: " أُطْلُبْ تَجِدْ ".
فاتقوا الله أيها المسلمون, وراقبوا الله في أنفسكم ومن تعولون, واعلموا أن من ليس فيه خير لأهله, فلن يكون من خيار الناس في الآخرة.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ،
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان ..
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ، وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمْا وَأَعِنْهُمْا، وَاجْعَلْهُما مُبارَكِيْنَ مُوَفَّقِيْنَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلاحٍ يارب العالمين
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، وثبت أقدامهم، واحفظهم من كيد الأعداء.
اللهم صلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.