العرض السنوي.
عاصم بن محمد الغامدي
1437/09/05 - 2016/06/10 03:01AM
[align=justify]العرض السنوي.
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله مجيبِ الدَّعوات، جزيلِ العطايا والهِبات، إليه وحدَه تُرفعُ الأيدي بالحاجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرضِ والسمواتِ، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبدُه ورسوله المُرسلُ بالآياتِ البَيِّناتِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله الهداةِ، وأصحابِه الثِّقاتِ، والتابعين لهم بإحسان ٍوإيمانٍ إلى يومِ الممات.
أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، كل مطالب الدنيا وإن طال المدى تُسلَب، فلا يُستعذبْ غير طعم الإيمان، فما عذبٌ سواه إلا وهو منه أعذب، وعليكم بالهدى والتقى، فبالهدى استقام السالكون على الطريق، وبالتقى خلَص الصالحون من سوء المنقلب.
وكونوا ممن بادر الأعمالَ واستدركها، وجاهد النفس حتى ملكها، وعرف سبيل التقوى فسلكها، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون* ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون}.
سلام على شهرنا المنتظر
حبيب القلوب سمير السهر
سلام على ليله مذ بدا
محياه يزهو كضوء القمر
فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام
وشهر التراويح شهر العبر
شهرٌ بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بمقدمه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم". [رواه النسائي وصححه الألباني].
كيف لا يُبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمانَ زمان؟
فيا من دامت خسارته، قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر، ففي أي وقت يربح؟ من لم يقترب فيه من مولاه، فهو على بعده لا يبرح.
قال عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه". أي فضل هذا؟ وهل يضيعه عاقل؟
ألم نكن إلى هذا الشهر في شوق؟ ألم نرفع أكف الضراعة إلى الله تعالى لنبلغه؟
ها قد امتن الله تعالى علينا فبلغناه، ونحن في صحة وعافية من الله، فلنطرق باب الريان، عسى أن نكون من أهل الرضوان.
ورد أن رجلين قدما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما، وكان أحدهما أكثر اجتهادًا في العبادة من الآخر، ثم شارك في غزوة فاستشهد، وبقي صاحبه بعده حتى أدرك رمضان ثم توفي بعده، وبعد وفاته رأى أحد الصحابة في نومه أن الذي توفي أخيرًا دخل الجنة قبل الذي كان في حياته أكثر اجتهادًا، فلما أخبر بها بعض الصحابة رضي الله عنهم تعجبوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: " "أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ بِسَنَةٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "وأدرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدِ فِي السَنَةِ؟" قَالُوا: بَلَى قَالَ: "فَلَما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض". [رواه ابن حبان وابن ماجه وصححه الألباني].
أيها المسلمون:
كيف عرض الله تعالى لنا شهر رمضان؟ وفي أي إطار وضعه؟
ما هويته في كتاب الله تعالى؟ وبأي شيء ربطه؟
من تأمل آيات القرآن، وجد أن شهر رمضان مذكور فيها بصيغتين، الأولى صيغة الشهر الكامل، والثانية صيغة بعض أيامه أو لياليه.
أما الصيغة الأولى، فقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، فعرّفه الله لنا بأنه الظرف الزماني للقرآن.
أما الصيغة الثانية، فجاءت في موضعين، مرة باسم ليلة القدر، ومرة باسم الليلة المباركة، وفي كلا الموضعين ذكر الله هذه الليلة عبر علاقتها بالقرآن.
فأي إشارة لخصوصية رمضان بالقرآن أكثر من ذلك؟
بل يلفت الانتباه أكثر من هذا، أن خصوصية هذا الشهر ليست بإنزال القرآن فقط، بل حتى مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، اختار الله تعالى لها شهر رمضان، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان جبريل عليه السلام يلقى النبي في كل ليلة من شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.
مجلس ليلي رمضاني لمراجعة القرآن، طرفاه أعظم إنسان وأعظم مَلَكٍ، وموضوع الدرس أعظم الكلام، كلام ملك الملوك.
يا الله! أي هيبة تقبض على النفوس بمجرد تخيل ذلك؟
وكان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يتأثر بهذه المدارسة الرمضانية، حتى يرى الصحابة رضوان الله عليهم هذا التأثر في شخصيته صلى الله عليه وسلم، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. [رواه البخاري].
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أنزل عليه القرآن ينتفع بمدارسته، فكيف بالله تكون حاجتنا لذلك، نحن أصحاب القلوب التي أنهكتها الشهوات والشبهات؟
وأي حرمان أكبر من الغفلة عن القرآن في الشهر الذي أنزل فيه؟
قال ابن حجر رحمه الله: أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: قوله تعالى:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، أما كان ينزل عليه في سائر السنة؟ قال: بلى ولكن جبريل كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله، فيحكم الله ما يشاء، ويثبت ما يشاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فالوصية بالتقوى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
فاتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أنكم ملاقوه، فطوبى لمن اتخذ التقوى زادًا، فهو الرابح من بين العباد، وحسرة وندامة لمن فرّط وقصر، فهو الخاسر في يوم التناد.
عباد الله:
نوّع الله عز وجل توجيهاته لنا في العلاقة مع كتابه الكريم.
فتارة يحثنا صراحة على التدبر: {أفلا يتدبرون القرآن}.
وتارة يأمرنا بالإنصات إليه: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}.
وتارة يأمرنا بالتفنن في الأداء الصوتي الذي يخلب الألباب: {ورتل القرآن ترتيلاً}.
وتارة يوجهنا للتهيؤ النفسي قبل التلاوة: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.
فهل ترى ذلك كان اتفاقًا ومصادفة؟ أم له دلالات كثيرة عميقة؟
لقد اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قومه حين وقعوا في صفة بشعة، فواحسرتاه إن شابهنا أولئك الكفار في هذه الصفة، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في شكواه: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا}.
أي خسارة، وأي حرمان؟
أن يمتد الكسل والفتور بالشخص حتى يتدهور في منحدرات هجر القرآن؟
هل نرضى لأنفسنا مخالفة مراد حبيبنا صلى الله عليه وسلم؟
هل نقبل لها النزول في المربع الذي يؤذي رسول الله عليه الصلاة والسلام؟
عبدالله:
إنما هي أيام قلائل، فلا تحرم نفسك فيها من فضل القرآن، وزكِّ نفسك بالتقلب بين آياته ومواعظه وأخباره، واهجر كل ما يشغلك عنها من متاع الحياة الدنيا، واستعن بالله تعالى فهو سبحانه المعين، وتوجه إليه في هذا الشهر تائبًا منيبًا، مخبتًا مطيعًا.
جعلنا الله من أهل كتابه، الذين هم أهله وخاصته، ووفقنا لحسن اغتنام هذا الشهر إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.[/align]
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله مجيبِ الدَّعوات، جزيلِ العطايا والهِبات، إليه وحدَه تُرفعُ الأيدي بالحاجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرضِ والسمواتِ، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبدُه ورسوله المُرسلُ بالآياتِ البَيِّناتِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله الهداةِ، وأصحابِه الثِّقاتِ، والتابعين لهم بإحسان ٍوإيمانٍ إلى يومِ الممات.
أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، كل مطالب الدنيا وإن طال المدى تُسلَب، فلا يُستعذبْ غير طعم الإيمان، فما عذبٌ سواه إلا وهو منه أعذب، وعليكم بالهدى والتقى، فبالهدى استقام السالكون على الطريق، وبالتقى خلَص الصالحون من سوء المنقلب.
وكونوا ممن بادر الأعمالَ واستدركها، وجاهد النفس حتى ملكها، وعرف سبيل التقوى فسلكها، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون* ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون}.
سلام على شهرنا المنتظر
حبيب القلوب سمير السهر
سلام على ليله مذ بدا
محياه يزهو كضوء القمر
فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام
وشهر التراويح شهر العبر
شهرٌ بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بمقدمه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم". [رواه النسائي وصححه الألباني].
كيف لا يُبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمانَ زمان؟
فيا من دامت خسارته، قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر، ففي أي وقت يربح؟ من لم يقترب فيه من مولاه، فهو على بعده لا يبرح.
قال عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه". أي فضل هذا؟ وهل يضيعه عاقل؟
ألم نكن إلى هذا الشهر في شوق؟ ألم نرفع أكف الضراعة إلى الله تعالى لنبلغه؟
ها قد امتن الله تعالى علينا فبلغناه، ونحن في صحة وعافية من الله، فلنطرق باب الريان، عسى أن نكون من أهل الرضوان.
ورد أن رجلين قدما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما، وكان أحدهما أكثر اجتهادًا في العبادة من الآخر، ثم شارك في غزوة فاستشهد، وبقي صاحبه بعده حتى أدرك رمضان ثم توفي بعده، وبعد وفاته رأى أحد الصحابة في نومه أن الذي توفي أخيرًا دخل الجنة قبل الذي كان في حياته أكثر اجتهادًا، فلما أخبر بها بعض الصحابة رضي الله عنهم تعجبوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: " "أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ بِسَنَةٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "وأدرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدِ فِي السَنَةِ؟" قَالُوا: بَلَى قَالَ: "فَلَما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض". [رواه ابن حبان وابن ماجه وصححه الألباني].
أيها المسلمون:
كيف عرض الله تعالى لنا شهر رمضان؟ وفي أي إطار وضعه؟
ما هويته في كتاب الله تعالى؟ وبأي شيء ربطه؟
من تأمل آيات القرآن، وجد أن شهر رمضان مذكور فيها بصيغتين، الأولى صيغة الشهر الكامل، والثانية صيغة بعض أيامه أو لياليه.
أما الصيغة الأولى، فقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، فعرّفه الله لنا بأنه الظرف الزماني للقرآن.
أما الصيغة الثانية، فجاءت في موضعين، مرة باسم ليلة القدر، ومرة باسم الليلة المباركة، وفي كلا الموضعين ذكر الله هذه الليلة عبر علاقتها بالقرآن.
فأي إشارة لخصوصية رمضان بالقرآن أكثر من ذلك؟
بل يلفت الانتباه أكثر من هذا، أن خصوصية هذا الشهر ليست بإنزال القرآن فقط، بل حتى مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، اختار الله تعالى لها شهر رمضان، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان جبريل عليه السلام يلقى النبي في كل ليلة من شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.
مجلس ليلي رمضاني لمراجعة القرآن، طرفاه أعظم إنسان وأعظم مَلَكٍ، وموضوع الدرس أعظم الكلام، كلام ملك الملوك.
يا الله! أي هيبة تقبض على النفوس بمجرد تخيل ذلك؟
وكان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يتأثر بهذه المدارسة الرمضانية، حتى يرى الصحابة رضوان الله عليهم هذا التأثر في شخصيته صلى الله عليه وسلم، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. [رواه البخاري].
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أنزل عليه القرآن ينتفع بمدارسته، فكيف بالله تكون حاجتنا لذلك، نحن أصحاب القلوب التي أنهكتها الشهوات والشبهات؟
وأي حرمان أكبر من الغفلة عن القرآن في الشهر الذي أنزل فيه؟
قال ابن حجر رحمه الله: أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: قوله تعالى:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، أما كان ينزل عليه في سائر السنة؟ قال: بلى ولكن جبريل كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله، فيحكم الله ما يشاء، ويثبت ما يشاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فالوصية بالتقوى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
فاتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أنكم ملاقوه، فطوبى لمن اتخذ التقوى زادًا، فهو الرابح من بين العباد، وحسرة وندامة لمن فرّط وقصر، فهو الخاسر في يوم التناد.
عباد الله:
نوّع الله عز وجل توجيهاته لنا في العلاقة مع كتابه الكريم.
فتارة يحثنا صراحة على التدبر: {أفلا يتدبرون القرآن}.
وتارة يأمرنا بالإنصات إليه: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}.
وتارة يأمرنا بالتفنن في الأداء الصوتي الذي يخلب الألباب: {ورتل القرآن ترتيلاً}.
وتارة يوجهنا للتهيؤ النفسي قبل التلاوة: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.
فهل ترى ذلك كان اتفاقًا ومصادفة؟ أم له دلالات كثيرة عميقة؟
لقد اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قومه حين وقعوا في صفة بشعة، فواحسرتاه إن شابهنا أولئك الكفار في هذه الصفة، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في شكواه: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا}.
أي خسارة، وأي حرمان؟
أن يمتد الكسل والفتور بالشخص حتى يتدهور في منحدرات هجر القرآن؟
هل نرضى لأنفسنا مخالفة مراد حبيبنا صلى الله عليه وسلم؟
هل نقبل لها النزول في المربع الذي يؤذي رسول الله عليه الصلاة والسلام؟
عبدالله:
إنما هي أيام قلائل، فلا تحرم نفسك فيها من فضل القرآن، وزكِّ نفسك بالتقلب بين آياته ومواعظه وأخباره، واهجر كل ما يشغلك عنها من متاع الحياة الدنيا، واستعن بالله تعالى فهو سبحانه المعين، وتوجه إليه في هذا الشهر تائبًا منيبًا، مخبتًا مطيعًا.
جعلنا الله من أهل كتابه، الذين هم أهله وخاصته، ووفقنا لحسن اغتنام هذا الشهر إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.[/align]