العدوان على الإسلام: الختان أنموذجاً

د. محمود بن أحمد الدوسري
1439/04/01 - 2017/12/19 14:16PM
                                                              العدوان على الإسلام: الختان أنموذجاً
                                                                   د. محمود بن أحمد الدوسري
4/4/1439هـ
       الحمد لله ... إحدى القنوات الفضائية المشهورة بثَّت تقريراً مصوَّراً عن ختان الإناث في البلاد الإسلامية, وزعم التقرير: بأنَّ أهل هذه البلاد يعتدون على حقوق المرأة والطفلة بالقيام بختان الإناث, والذي يُفوِّت عليهنَّ حقَّ الاستمتاع بالحياة.
       والحقيقة - أيها الأحبة - أنَّ أهل هذه البلاد الإسلامية يرون وجوبَ خِتان الإناث, وبعضهم يعتقد: أنه فريضة لا يُمكن التَّخلِّي عنها, وإجراء الخِتان للفتاة يُحافظ على شرفها - حسب ما جاء في البرنامج المذكور.
       والإشكال هنا: أنهم لا يختنون الإناث بطريقة شرعية صحيحة؛ ولكن بطريقة تُؤدِّي بالنتيجة إلى "قطع  الأعضاء التَّناسلية الخارجية للطفلة" ممَّا يُفقدها شهوتَها الجنسية مستقبلاً, وهذا هو "الخِفاض الفرعوني" الذي نهى عنه الإسلام؛ لما فيه من أضرار صِحيَّة ونفسيَّة واجتماعية على المرأة المختونة مستقبلاً. وقد زعم البرنامج المذكور أنَّ الإسلام يعتدي على حقوق الإناث بعلمية الختان!
       وكان الأَولى بهؤلاء الذين في قلوبهم زيغ أنْ يَعرضوا خِتان الإناث والذكور في الإسلام بطريقة عادلة وواضحة, تظهر فيها الأمانة, والمهنية الإعلامية. والسؤال هنا: لماذا لا يعرضوا خِتان الرجل في الإسلام, ويَحثوا غيرَ المسلمين على الاقتداء بالمسلمين في خِتان الرجل؛ لأنه عُنوان النظافة والطهارة. وما يعنينا: هو أنْ نعرف حُكمَ ختان المرأة والرجل, وما هي حِكمة تشريعه؟ وهل الأمر كما يُصوِّروه ويزعموه: بأن الإسلام ظَلَمَ الإناثَ بتشريع الختان؟! ونُجيب على بعض الشُّبه المُثارة حول ختان الإناث في الإسلام؛ فقد ذَكَرَ أهلُ العلم - في تعريف الختان(1):
        أنَّ ختان الذَّكر: هو قَطْعُ الجلدة التي تُغطِّي الحشفة، والمستحبُّ أن تُسْتَوعب من أصلها.
        وختان الجارية: هو قطع الجلدة المستعلية في أعلى الفرج - كعرف الدِّيك - دون استئصالها.
     والختان واجب في حقِّ الذُّكور - في أصحِّ قولي العلماء - وبه قال الشَّافعية والحنابلة، وهو مذهب الأوزاعي، وقال به سَحْنون من المالكيَّة(2)، رحمةُ الله عليهم جميعاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم – للرجل الذي أسلم حديثاً: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ واخْتَتِنْ»(3). والأمر فيه للوجوب ولا صارف له. ولأنَّ بقاء الغُرْلَةِ يَحبس النَّجاسة فيؤدِّي إلى عدم كمال الطَّهارة، فغير المختون مُعَرَّض لفساد طهارته وصلاته, فصحَّة الصَّلاة موقوفةٌ على الختان(4).
       وأمَّا ختان الإناث: فأقرب الأقوال إلى الصَّواب أنَّ الختان مشروع في حقِّ النِّساء، وهو مَكرمةٌ لهنَّ، ولا يرتقي أن يكون واجباً؛ ذلك أنَّه لم يرد دليل صريح صحيح يُوجب على النِّساء الاختتان، وذهب إلى هذا أكثر أهل العلم؛ كالحنفية والمالكيَّة والحنابلة وغيرهم(5).
      وأبرز ما استدلُّوا به: حديث أمِّ عَطِيَّةَ الأنْصَارِيَّة رضي الله عنها، أنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالمَدينَة، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تُنْهِكي(6)؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى البَعْلِ»(7). فهذا دليل على مشروعيَّة الختان وإباحته للنِّساء، حيث أقرَّ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الخاتنة على فعلها. وفي الحديث إشارة إلى أنَّ النِّساء كنَّ يختتنَّ على عهد النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم, وفيه دلالةٌ كافية أنَّ الختان مشروع للنِّساء، لكنَّه ليس بواجب(8).
        وعَدَمُ ختانِ المرأة لا يترتَّب عليه ما يترتَّب على عدم ختان الرَّجل, قال ابن تيميَّة رحمه الله - في بيان المقصود من ختان الرَّجل وختان المرأة: «المقصود بختان الرَّجل: تطهيره من النَّجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود من ختان المرأة: تعديل شهوتها»(9).
         إذاً اختلف الحكم باختلاف المقصدين، وبهذا يتَّضح أنَّ الختان واجبٌ على الرِّجال، ومكرمة للنِّساء. والله أعلم.
وحكمة التَّفريق في الحكمين جليَّة وظاهرة: حيث إنَّ الأضرار المُترتِّبة على عدم اختتان الذَّكر كثيرة جداً، وقد ناسبها أن يكون حُكم الختان في حقِّه واجباً. أمَّا ما يترتَّب على عدم اختتان المرأة من أضرار، فهي أضرار لا تكاد تُذْكر، كما أنَّها لا تحدث لكلِّ امرأةٍ، وإنَّما تحدث لبعضٍ دون الآخر، فناسب حُكْمُها الإباحةَ إذا ما اقتضت الحاجةُ لإجراء الختان.
 
                                                             الخطبة الثانية
       الحمد لله ... على الرَّغم من أنَّ ختان المرأة في الإسلام مبنيٌّ على أصلٍ - من خلال ما سبق من أدلة، وأقوال للعلماء المعتبرين - وليس هو مجرَّد عادة مُتَّبعة أو مُتوارثة كما يُرَوِّج لذلك المُرَوِّجون، إلاَّ أنَّ تقارير المؤتمرات الدَّولية المعنيَّة بقضايا المرأة، لا تزال تُعقد بين حينٍ وآخر، تُنَفِّرُ بشدَّة من ختان الإناث وتَعتبر ذلك من أشكال العنف ضدَّ المرأة والطِّفلة، وتزعم أنَّه يُسبِّب أضراراً صحيَّة، وتدعو إلى سنِّ القوانين والتَّدابير لمواجهة مرتكبي هذا العنف ضِدَّ المرأة! ويمكن الرَّد على هذه المزاعم الباطلة من خلال النِّقاط التَّالية:
1- تَنَاقُضُ تقارير هذه المؤتمرات وتوصياتها، فهي تَعتبر ختان الأنثى تمييزاً ضِدَّ الطِّفلة، ولا تَعتبر الإجهاضَ من أسباب التَّمييز ضدَّ الطِّفلة، وذلك بإسقاط حقِّ الجنين - إذا كان أنثى - في الحياة.
2- إنَّ التَّنفير من الأمراض الجنسيَّة - في تقارير مؤتمرات الأمم المتَّحدة - والتي أفرزتها الحريَّة والإباحيَّة الجنسيَّة في الغرب، لم يكن كالتَّنفير الشَّديد من خِتان الأُنثى، بالرَّغم من أنَّ الأمراض الجنسيَّة أشدُّ خطراً وفتكاً بالنِّساء والرِّجال معاً، والأرقام المُخِيفة المتعلِّقة بهذا الجانب تُؤكِّد هذا الأمر.
3- إنَّ إجراءات وتوصيات مؤتمرات الأمم المتَّحدة لم تُفَرِّق بين الختان الشَّرعي، والخفاض الفرعوني؛ حيث إنَّ الخفاض الفرعوني لا يمتُّ للإسلام بصلة، فهو يقوم على قطع جزء أو كلِّ الأعضاء التَّناسلية الخارجيَّة للبنت، وهذا النَّوع مِنَ الخفاض مُحَرَّم؛ لما فيه من الأضرار الصِّحية، والنَّفسية، والاجتماعيَّة(10).
4- إذا كانت هذه المؤتمرات تدعو إلى الإجهاض الآمن - رغم المحاذير الشَّرعية التي تَنْتُجُ من جرَّاء هذه العمليَّة، كإزهاق روح الجنين في بطن أُمَّه - فلماذا لم تَدْعُ هذه المؤتمرات إلى الختان الآمن؟!
5- يُلاحظ أنَّ الحملة الإعلاميَّة التي مورست ضِدَّ الختان لا يُقصد بها الختان ذاته، وإنَّما يراد بها التَّهجُّم على الإسلام، ومحاولة التَّشويش عليه والانتقاص منه، باعتباره يُذِلُّ المرأة ويقمعها، ويَقْضي على آدميَّتها وأنوثتها ومستقبلها الزَّوجي؛ بسبب هذا الختان(11).
         أيها المسلمون..  إنَّ الإسلام براء من هذه الدَّعاوى التي يروِّجون لها، وليس أدلَّ على ذلك من أنَّ الإسلام لم يجعل الختان واجباً في حقِّ المرأة، كلُّ ما هنالك أنَّه أباح لها الختان، تاركاً تقدير هذه المسألة للمرأة نفسِها أو لوليِّ أمرها، فإذا ما كانت المرأة بحاجة إلى اختتان - بسبب بروزٍ في هذا العضو ممَّا يُؤدِّي إلى تشويههٍ، أو زيادةٍ في شهوتها لا تصبر معها - فقد أجاز لها الختان، أمَّا إذا كانت المرأة بغير حاجة إلى ذلك فلا حاجة إلى ختانها.
       إخوتي الكرام .. وهكذا نجد الإسلام في قضيَّة ختان المرأة وقف موقفاً وسطاً بين المتشدِّدين الذين يرون ضرورة الختان لكلِّ فتاةٍ أو امرأة دون مراعاةٍ لظروفها الخاصة, وبين المُفرِّطين الذين يرون عدم الختان على الإطلاق وتجريمه من الأصل، متماشين مع ما تُمليه عليهم جمعيَّات المرأة العالميَّة ومؤتمراتها المشبوهة، متناسين أو متجاهلين ما لديهم من ثروة تشريعيَّة ربَّانية، قدَّمت المصلحةَ على الأهواء، فحيثُ وُجِدت المصلحة فثَمَّ شرع الله.
ـــــــــــــــــــــ
(1) انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، لابن القيم (ص 152).
(2) انظر: شرح السنة، للبغوي (12/110)؛ صحيح مسلم بشرح النووي (3/148)؛ فتح الباري (10/340)؛ الإنصاف (1/123)؛ تحفة المودود (ص 127-129)؛ الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل (ص 49)؛ الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام (1/48)؛ التمايز العادل بين الرجل والمرأة في الإسلام, (ص 141).
(3) رواه أبو داود (1/98)، (ح 356)؛ وأحمد في «المسند» (3/415)، (ح 15470)؛  والبيهقي في «الكبرى» (1/172)، (ح 781). وحسَّنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/106)، (ح 356).
(4) انظر: تحفة المولود, (ص 203).
(5) انظر: شرح السنة (12/110)؛ تحفة المودود (ص 128)؛ المجموع (1/367)؛ المنتقى شرح الموطأ (7/232)؛ حاشية ابن عابدين (6/751)؛ المغني (1/115)؛ الإنصاف (1/124)؛ فتح الباري (10/340)؛ مجموع فتاوى ابن تيمية (21/113 ـ 114)؛ الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل (ص 49)؛ الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام (1/48)؛ التمايز العادل بين الرجل والمرأة في الإسلام, (ص 144).
(6) (لا تُنْهكِي) ؛ أي: لا تُبالغي في القَطْع. انظر: المجموع (1/367).
(7) رواه البيهقي في «الكبرى» (8/324)، (ح 17338)؛ وأبو داود (4/386)، (ح 5271).
وصحَّحه الألباني لكثرة طرقه وشواهده، في «صحيح أبي داود» (3/295)، (ح 5271)، وفي «الصحيحة» (2/344-349).
(8) انظر: المغني (1/116)؛ تحفة المودود (ص 192).
(9) مجموع الفتاوى (21/114).
(10) انظر: العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية، د. فؤاد بن عبد الكريم العبد الكريم (ص 415).
(11) انظر: المصدر نفسه, (ص 290).

 
المرفقات

على-الإسلام-الختان-أنموذجا

على-الإسلام-الختان-أنموذجا

المشاهدات 1189 | التعليقات 0