العدل المجتمعي - خطب مختارة

الفريق العلمي
1442/07/13 - 2021/02/25 10:17AM

عن العدالة الاجتماعية يتحدث الاجتماعيون ويتشدق الاشتراكيون وينادي الليبراليون وينعى الرأسماليون... وكل يدعي أنه الأسبق إليها والأحرص عليها، وأنها في حجره وُلدت وفي مرابعه نشأت ومن مبادئه استقت وترعرعت!

 

وكل يدعي وصلًا بليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاك

 

وإننا نقول في ثقة: كذب الجميع وادعوا ما ليس لهم؛ فإن العدالة بجميع أنواعها وأشكالها وصورها هي في الأصل بضاعة إسلامية وصناعة قرآنية وصياغة نبوية... فقد سبق الإسلام أهل الأرض جمعاء في تقرير العدالة الاجتماعية -وكل ألوان العدل- ووضع مبادئها وأصولها... فسمعنا القرآن الكريم يقول: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[المعارج: 24- 25]، فجعل للأغنياء حقًا مقدرًا في أموال الأغنياء... ثم رأينا القرآن يأمر بالعدل في كل شيء، ومع كل أحد فيقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)[النساء: 58]، ويقول: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)[الأنعام: 152].

 

ويحذر من الجور وعدم العدل بسبب القرابة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)[النساء: 135]، أو بسبب العداوة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[المائدة: 8]، أو بسبب الهوى: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)[النساء: 135]...

 

أما السنة النبوية فقد فصلت كل ذلك وصاغته في شكل قوانين نبوية خالدة، فمنها ما رواه   عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن -عز وجل-، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"(رواه مسلم)، فمن عدل في أهله مشمول في هذا الجزاء العظيم.

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في شأن المرأة المخزومية التي سرقت: "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(متفق عليه)... بل هذا أعظم قائد يرضى أن يقتص منه أحد جنوده، فلما طعن النبيُ -صلى الله عليه وسلم-سوادَ بن غزية في بطنه بالقدح لتقدمه عن الصف قائلًا: "استو يا سواد"، فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه فقال: "استقد""(السيرة النبوية، لابن كثير)، فالجميع سواء بين يدي العدالة.

 

ولعلنا نستقي من هذه الآيات والأحاديث المفهوم الإسلامي للعدالة الاجتماعية وهو: أن يتساوى جميع الناس في الحقوق والواجبات والالتزامات كل بحسب طاقته ووسعه، وأن يتكفل الأغنياء بالفقراء عن طريق الزكوات والصدقات طيبة بها نفوسهم، وأن تطبق العقوبات على المخالفات على الجميع دون تفرقة بين الشريف والضعيف، وأن يؤخذ حق الضعيف من القوي كما يؤخذ حق القوي من الضعيف...

 

***

 

وكما أمر الإسلام بالعدل وبالعدالة فقد حذَّر من الظلم والتظالم، فعن عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا"(رواه مسلم)...

 

ومن كان ظالمًا في الدنيا حُشر في ظلام يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الظلم ظلمات يوم القيامة"(متفق عليه)، وعنه أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه"(متفق عليه).

 

وتُسلب من الظالم حسناته وهو أحوج ما يكون إليها؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار"(رواه مسلم).

 

***

 

ورغم هذا التحذير الشديد والوعيد العظيم لمن ظلم، فإنك ترى في مجتمعاتنا اليوم صورًا كثيرة من الظلم الاجتماعي:

فتجد الأعمام يأكلون حق أولاد أخيهم الأيتام... وتجد الإخوة الذكور يأكلون حق أخواتهم في الميراث!

وتجد الأزواج يظلمون زوجاتهم بالضرب والإهانة أو بالحبس والقهر أو بتركهن معلقات لا هن متزوجات ولا هن مطلقات، مع أن الله -تعالى- يقول: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)[النساء: 129]!

وتجد الثروات متكدسات عند أفراد معدودين، والأغلبية الساحقة من الفقراء المعدمين، مع أن القرآن يقول: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)[الحشر: 7]!

وتجد أقوياء المجتمع يحصلون على جميع الحظوظ والمميزات والعطاءات، في حين يُحرم منها مستحقوها من الضعفاء والمعدمين!

وإن من قلَّب عينه في مجتمعه أينما كان، لن يعدم أن يرصد ألف صورة وصورة من أشكال الظلم المجتمعي، وصدق القائل:

 

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهند

 

***

 

ووالله لو أقيم العدل واستقر في المجتمع لأثمر الرخاء والأمان، ولانتشر السلام والوئام، ولحل التصالح والتصافي محل التنازع والخصام، ولتنزل رضا الله -تعالى- على أهل الأرض... ينقل ابن القيم فيقول: "وجدت في خزائن بعض بني أمية، حنطة، الحبة بقدر نواة التمرة، وهي في صرة مكتوب عليها: كان هذا ينبت في زمن من العدل"(الداء والدواء لابن القيم).

 

وقد جمعنا ها هنا طائفة من خطب خطبائنا المميزين تزيد الأمر وضوحًا وتفصيلًا وتأصيلًا، فدونك فاستفد.

 

الحفاظ على أمن المجتمع - سعود بن ابراهيم الشريم.

التعايش والوِفاق في المجتمع المسلم - صالح بن عبد الله بن حميد.

عاقبة الظلم - إبراهيم بن محمد الحقيل.

الظلم الاجتماعي - سعود بن عبد الرحمن الشمراني.

الظلم بين أفراد الأسرة الواحدة - محمّد الشاذلي شلبي.

الأمن الاجتماعي وكيفية تحقيقه - خالد بن علي الغامدي.

الأمن المجتمعي - سالم بن محمد الغيلي.

تعظيم الله لشأن العدل في الأرض - عدنان مصطفى خطاطبة.

 

 

 

المشاهدات 1234 | التعليقات 0