العام الدراسي الجديد.

رمضان صالح العجرمي
1446/03/09 - 2024/09/12 18:04PM

خُطبَة بِعُنوَانِ: (وَقَفَاتٌ مَعَ العَامِ الدِّرَاسِيِّ  الجَدِيدِ.)

1- أَهَمِّيَّةُ وَفَضْلُ العِلْمِ وَالتَّعلِيمِ. 
2- رِسَالَةٌ لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ.
3- رِسَالَةٌ لِلْآبَاءِ وِالْأُمُّهَاتِ.
4- رِسَالَةٌ لِلْطَّلَبَةِ وَالطَّالِبَاتِ.

(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التَّذكِيرُ بأَهَمِّيَّةِ وَفَضْلِ العِلْمِ وَالتَّعلِيمِ، مَعَ تَوْجِيهِ رَسَائِلَ لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ، ولِلْآبَاءِ وِالْأُمُّهَاتِ، ولِلْطَّلَبَةِ وَالطَّالِبَاتِ، كُلٌّ بِحَسَبِ مَسْؤُولِيَّتِهِ.

• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ ونَسْتَقْبِلُ عَامًا دِرَاسِيًّا جَدِيدًا نَسْأَلُ اللهَ العظيمَ أن يَجعَلَهُ عَامًا دِرَاسِيًّا مُبَارَكًا، وأَنْ يَجْعَلَهُ حَافِلًا بِالتَّوْفِيقِ وَالنَّجَاحِ لِأبْنَاءِنَا وَبَنَاتِنَا الطُّلَّابِ.
• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ العِلْمَ أَسَاسُ نَهْضَة الأُمَمِ وَتَقَدُمُهَا وَرِفْعَةُ الشُّعُوبِ وَازْدِهَارُهَا وَمَا مِنْ أُمَّةٍ نَالَتْ حَظًّا مِنْ الرِّفْعَةِ وَالعُلُوِّ وَبَلَغَتْ مَنزِلَةً عَالَيةً؛ إِلَّا كَانَ العِلْمُ أَسَاسَهَا، وَالمَعْرِفَةُ سَبِيلَهَا.
• وَلِذَا فَقَدِ اهْتَمَّ الإِسْلَامُ بِالعِلْمِ اهْتِمَامًا بَالِغًا، فَأَمَرَ بِالقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا سَبِيلُ العِلْمِ؛ بل كان العِلمُ أوَّلَ رسالةٍ في الإسلامِ، ابتدأَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهِ وَحْيَهُ إلى خَلْقِهِ؛ فَقَالَ تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1: 5]
• وَأَقْسَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَدَوَاتِ العِلْمِ، وَوَسَائِلِ تَحْصِيلِهِ؛ تَنبِيهًا إِلَى أَهَمِّيَّةِ كِتَابَةِ العِلْمِ، وَتَوْثِيقِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]
• وتَعْلِيمُ النَّاسِ، وَرَفْعُ الجَهْلِ عَنْهُمْ، وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى الخَيرِ، وَتَحْذِيرُهُمْ مِنَ الشَّرِ؛ هِيَ المُهِمَّةُ العُظْمَى الَّتِي قَامَ بِهَا صَفْوَةُ الخَلْقِ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِين؛ كما قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165]
• وأوَّلُ مُعَلِّمٍ في هذهِ الأُمَّةِ: هوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إذْ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالى لِيُعَلِّمَ النَّاسَ وَيُزَكِّيهِمْ؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164]
• وأوَّلُ مَدْرَسَةٍ في الإسلامِ: كانَتْ في نَاحِيَةٍ مِنَ المَسْجِدِ الحرام، عندَ جَبَلِ الصَّفا: [مَدْرَسَةُ دَارِ الأَرْقَم]، ومِنْ ذلكَ المُعَلِّم، وفي تلكَ المَدْرَسَةِ، ومِنْ أولئكَ التلاميذ؛ صَنَعَ المُسْلِمُونَ حَضَارَتَهم، وبَنَوْا أَسْوَارَ نَهْضَتِهِم.
• وَعَمِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَعْلِيمِ أُمَّتَهُ القِرَاءَةَ وَالكِتَابَةَ؛ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ سَعَى لِمَحْوِ الأُمِّيَةِ حِينَ جَعَل فِدَاءَ أَسْرَى بَدْرٍ أَنْ يُعَلِّمَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةً مِنْ المُسْلِمِينَ القِرَاءَةَ وَالكِتَابَةَ؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ((كَانَ نَاسٌ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ.)) [رواه أحمد، والبيهقي، صحيح الجامع]
• والعِلْمُ له مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، وَشَرَفٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي أنْ يَستَحضِرَهُ كُلُّ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمَةٍ، وَكُلُّ طَالِبٍ وَطَالِبَةٍ، وَكُلُّ وَلِيّ أَمْرٍ؛ ومن ذلك:-
1- أنَّ العِلمَ: رِفعَةٌ، وَعَلامَةُ إِرَادَةِ خَيرٍ بِالعَبدِ؛ فقد أعلى الله تعالى من شأن العلم وأهله، ورفع منزلتَهم في الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَن يُرِدِ اللهُ بهِ خَيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّينِ)) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.] قال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: "كفى بالعلم شرفًا أن يدَّعِيه من لا يُحسِنه، ويفرح به إذا نُسِبَ إليه، وكفى بالجهل ذَمًّا أن يتبرأ منه من هو فيه."
2- والعِلمُ: هُوَ نُورُ العُقُولِ، وَزَادُ القُلُوبِ؛ ولذلك جعلَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِيزَانًا لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَلَم يُسَوِّي بين أهله وغيرهم؛ كما قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9] وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 76]
3- بَل أنَّهُ حَتى البَهَائِمُ العَجَمَاوَاتُ، لم يَجعَلِ اللهُ مُتَعَلِّمَهَا كَجَاهِلِهَا، فَقَد أَحَلَّ تَعَالى صِيدَ الطُّيُورِ وَالسِّباعِ المُعلَّمَةِ؛ كما قالَ تعالى: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4]
4- والعِلمُ: لعظيم شرفه فقد أَمَرَ اللهُ تعالى رَسُوْلَهُ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ منه؛ فلم يطلب الزيادة في شَيءٍ إِلَّا في العِلْم؛ فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] قال العلماء: (وَكَفَى بهذا شَرَفًا لِلْعِلْمِ: أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ المَزِيْدَ مِنْه).
5- وَيَكفِي العِلمَ شَرَفًا: أَنَّ اللهَ تعالى قَد أَشهَدَ أَهلَهُ عَلَى أَعظَمِ مَشهُودٍ عَلَيهِ؛ فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
6- وَالعِلْمُ: مِن أَسْبَابِ الخَيْرِ والأَمْنِ في البلاد والأَوْطَانِ؛ قال ابنُ القَيِّم رحمه الله: (وَإِذَا ظَهَرَ العِلْمُ فِي بَلَدٍ: قَلَّ الشَرُّ في أَهْلِهَا، وَإِذَا خَفِيَ العِلْمُ هُنَاكَ: ظَهَرَ الشَرُّ والفَسَاد).
7- والعِلْمُ النَّافِعُ: ثَمَرَةٌ من ثمراتِ التَّقْوَى؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29] وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمَكُمُ اللهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] قال الشوكاني: (وَفِيهِ الوَعدُ لِمَنِ اتَّقَاهُ: أَنْ يُعَلِّمَهُ)
• فَكُلُّ هذه النصوص: تُبَيِّنُ فضل العلم وشرفه وعلو منزلته، وأنه ينبغي علينا أن نُحِبَّ العلمَ، ونحرِصَ عليه، ونغرِسَ في قلوب أبنائنا محبة العلم والعلماء وإجلالهم وتوقيرهم، ومع بداية العام الدراسي الجديد فإنه يجب علينا أن نحثَّ أبنائنا على العِلمِ، وعلى تقدير المعلم واحترامه، وأن نُشعِرَهُم بعظيم فضله عليهم وجميل إحسانه عليهم؛ فهو الذي يعلمهم ويربيهم ويزكي أخلاقهم.
•العِلْمُ كَنْزٌ وَذُخْرٌ لَا نَفَادَ لَهُ * نِعْمَ القَرِينُ إِذَا مَا صَاحِبٌ صَحِبَا.
•يَا جَامِعَ العِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ * لَا تَعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلَا ذَهَبَا.
       
نسأل الله العظيم أَنْ يُعلِّمَنَا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمَنا، وأن يرزُقَنَا علمًا نافعًا وعملًا صالحًا.
                                             *    *    *    *

الخطبة الثانية:- رَسَائِلٌ لِلْمُعَلِّمِينَ والْآبَاءِ والْطَّلَبَةِ.

• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، ولنا مع بداية العام الدراسي الجديد ثلاثُ رسائلٍ، نوجِّهُهَا إلى ثلاثِ فئاتٍ:
• فَأمَّا الرِّسَالَةُ الأولى: إلى مَعَاشِرَ المعلمين والمعلمات، ونُبَشِّرُهُم بهذا الشرف العظيم الذي يحظَوْن به؛ ومن ذلك:-
1- فإنهم مأجورون بعمل غيرهم، إِذَا دَلَّوْا طُلَّابَهُم عَلى الخَيْرِ، وحَذَّرُوهُمْ مِنَ الشَرِّ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)).
2- ويحظَوْنَ باستغفارِ الكونِ كُلِّهِ؛ ففي الحَدِيْثِ الصحيح: ((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ، وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ؛ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ!)) قال العلماء: "هَذا الفَضْلُ شامِلٌ لِكُلِّ مَنْ عَلَّمَ غَيْرَهُ ما يَنْفَعُهُ في ديِنِهِ، وَدُنْياهُ مِنْ عُلوُمِ الدِّيِنِ، وَمِنْ علوُمِ الدُّنْيا."
3- وهم معدودون من أنفع الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس أنفعُهم للناس)) ولو تأمَّلنا نفع المعلم المخلص للناس، لوجدنا أن نفعه يفوق نفع غيره؛ من الأطباء، والمهندسين، والزُّرَّاع، والتجار وغيرهم، ففرق بين مَن يبني العقول، ومن يبني الأجساد.
4- ويكفيهم فخرًا وشرفًا: أنهم يقومون بمهمة الأنبياء التي بعثهم الله تعالى بها إلى الناس؛ كما قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].
5- وأُجُورُهُم مستَمِرَّةٌ حتى بعد موتِهِم لا تنقَطِع؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.)) فللمعلم من الثانية، والثالثة النصيب الأوفر.
• فيا أيها المعلمون والمعلمات، كم من جاهلٍ علَّمتُموه، وكم من غافلٍ نبَّهتُموه، فاللهَ اللهَ في أبنائنا، فنحنُ أولياءُ الأمورِ معكم، وهم أمانةٌ بين أيديكُم، وأنتُم أهلٌّ للأمانةِ بإذن الله تعالى.
• معاشر المعلمين: اعرفوا عِظَم الأمانةِ التي على عَاتِقِكُم، وتذكروا أنّ الله عز وجل ائتمنكم على أولاد المسلمين، واعلموا أنّ تأثير أفعالُكُم على طُلَّابِكُم أشدُّ وأعظمُ من تأثير أقوالكم؛ فهم يتعلَّمون من أفعالكم وأخلاقكم، أكثر وأعظم من أقوالكم؛ فكونوا قدوةً صالحةً في حسنِ تعاملكم، وطيبِ أخلاقكم، ولينِ كلامكم.
• ونختم رسالتي: للمعلمين والمعلمات، بقصةِ أفضلِ مُعَلِّمٍ مع أَحَدِ تلاميذِهِ، حيثُ سَلَكَ معه أسلوبًا تربويًّا فائقًا رائقًا. فأما المُعَلِّمُ: فهو نبيُّنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما التِّلمِيذُ: فهوَ الصحابِيُّ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ رضيَ اللهُ عنهُ؛ ولنترك له الحديثَ لِيُحَدِّثَنَا عن أفضل مُعَلِّمٍ عرَفَتهُ البَشَرِيَّةُ؛ يقول: ((بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ.)) [رواهُ مسلمٌ]
• وَأمَّا الرِّسَالَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ إلى الآباء والأمهات، ونُبَشِّرُهُم بهذه البُشرَيَاتِ:-
1- فَيَا مَنْ أَنْفَقْتَ وَوَفَّرتَ لأولادِكَ مستلزماتهم المدرسية، والتي ربما أرهقَتكَ مادِّيًّا، فَالْتَعلَم أنَّكَ مَأَجُورٌ إذا احتسبتَ ذلك، ولم تُسرفْ، ولم تَمْنُنْ ولم تتأفَّفْ؛ فقد قال النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ؛ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ.)) [رواهُ مسلمٌ]
2- وما من صلاحٍ وخيرٍ يقومُ الأبوان بتربية الأولاد عليه؛ إلا وهو في ميزان حسناتهم يوم القيامة؛ لأن الولد من كسب وسعي أبويه؛ كما قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} [النجم: 39: 41] فما يسجُدُ سجدةً، ولا يقرأُ حرفًا، ولا يسبحُ تسبيحةً، ولا يعملُ معروفًا إلا وكان للوالدين من ذلك حظًّا ونصيبًا.
• معاشر الآباء والأمهات، احرصوا على متابعة أولادكم في تحصيلهم العلمي، ومساعدتِهم بتهيئة الظروف المناسبة لهم لطلب العلم، وتربيتِهم على احترام المعلمين وتوقيرِهم، والمحافظةِ عليهم من صحبة السوء؛ فإن لهم أثرًا سَيِّئًا عليهم في دينهم وأخلاقهم، ومستواهم الدراسي.
• وَأمَّا الرِّسَالَةُ الثَّالِثَةُ: فَهِيَ إلى الطَّلَبَةِ وَالطَّالِبَاتِ، ونُبَشِّرُهُم بهذه البُشرَيَاتِ:-
1- فَإِنَّ مَنْ أَحْسَنَ النِيَّة في طَلَبِ العِلمِ: حَظِيَ بِخَيْرِ مَتَاعِ الدُّنْيَا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ، أَوْ مُتَعَلِّمٌ.)) [رواه الترمذي، وابن ماجه] ففي الحديث: بيان فضل العلم وأهله وطلابه.
2- وَمَنْ أَحْسَنَ النِيَّة في طَلَبِ العِلمِ: فقَد اخْتَصَرَ الطَّرِيقَ إلى الجَنَّة؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الملَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصنَعُ)) [متفق عليه]
• فَيَا أَيُّها الأبناء الطلابُ، جِدُّوا في مَنَابِرِ العِلم والطَّلَبِ، وإنَّما الأُمَمُ بعُلُومِها، والمَرءُ بمعارِفِهِ، وإنما يَسْمُو عَقْلُ الرجُلِ ويَسْعَدُ بما معه مِنَ المعارِفِ، وقَدْرُ كلِّ امْرِئٍ ما كان يَعْلمهُ، وبالعِلم يَزْكُو العقلُ، وتَتَهَذَّبُ الروحُ وتفرحُ، وتَرْتَفِعُ عن أدرانِ الجَهْلِ والسَّفَهِ.
• أيُّها الطلبةُ، أَقْبِلُوا على مدارِسِكُمْ وجامِعاتِكُمْ بِرُوحٍ مُتَوَقِّدَةٍ، ونَفْسٍ تَسْتَسْهِلُ الصعبَ؛ بل وتَسْتَمْتِعُ به، ارْفَعُوا هِمَمَكُمْ، ضَعُوا حَدًّا للكَسَلِ، وانْفُضُوا عنكم لُوثَةَ الاستهتارِ بالتعليم وتَحْصِيلِ المجْدِ، أَقْبِلُوا على دِرَاسَتِكُمْ، واجْتَهِدُوا في التعَلُّمِ، وانْوُوا النيةَ الطيبةَ في دراستِكُمْ بأنْ تَخْدِمُوا دِينَكُمْ وبَلَدَكُمْ ومُجْتَمَعَكُمْ، واجْمَعُوا خَيْرَيِ الدنيا والآخرةِ؛ قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:201، 202].
• وَإِنَّ مِنْ تَعْظِيمِ العِلْمِ: تَعْظِيمُ أَهْلِهِ وَحَمَلَتِهِ، والبَاذِلِيْنَ مِنْ أَجْلِه؛ فَمَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ؛ لاَ يَشْكُرُ الله. قالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: (لَا يَعْرِفُ فَضْلَ أَهْلِ العِلْمِ؛ إلَّا أَهْلُ الفَضْلِ) فاحترموا المعلمين والمعلمات، واعرِفُوا لَهُم فَضلَهُم: ابدَأُوهم بالسلام، وتلطَّفُوا في مناداتِهم، ولا ترفعُوا الصوت عليهم، وأنصِتُوا إلَيْهِم بِجِدٍّ واجتِهَادٍ؛ فَإِنَّ احتِرَامَ المُعَلِّم دَلِيلٌ على حُسنِ التَّربِيَة، والأَخلاقِ الطَّيِّبَةِ.
•حيِّ المعلِّمَ وفِّه التَّبْجيلا * مِفتاح خَيْرٍ للعلومِ رسُولا.
•قُلْ لي بربِّكَ هل علِمْتَ مُكرَّمًا * يَرقَى لمن أهدى الرَّشادَ عقُولا.
•مَنْ مِثْلُه وهَبَ الحياةَ جمالَها * وسَعى ليُنقِذَ غافِلًا وجَهُولا.
•صلَّى عليه اللهُ في عليائه * إذ كان يجهد للرَّعيل دَليلا.
•كم علَّمَ الإنسانَ من آدابِه * وهَدَى إلى النُّور المبينِ سبِيلا.
•أهديه حبًّا خالصًا وتَحيَّةً * تَغشى المعلِّمَ بُكْرةً وأَصِيلا.

نسأل الله العظيم أن يُوَفِّقَ أولادنا للهدى والصلاح، وأن يأخذ بأيديهم للبِرِّ والتقوى، وأن يجعل عامَنَا الدِّراسيَّ عامَ خيرٍ وهدىً وفلاحٍ.


#سلسلة_خطب_الجمعة.
#دروس_عامة_ومواعظ.
(دعوةٌ وعمل، هدايةٌ وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp

المشاهدات 264 | التعليقات 0