العاقبة للمتقين

صالح العويد
1435/01/03 - 2013/11/06 15:22PM
هذه الخطبة استفدت في أغلبها من خطبة للشيخ صالح آل طالب
نفعني وإياه والجميع بمانقول ونكتب ونسمع
المشاهدات 2873 | التعليقات 3

الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي كان خلقه القرآن فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من القول والعمل، ورضي الله عن جنده وحزبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، وسلم تسليماً مزيدا.
أما بعــد
:
أيها المسلمون
! اتقوا الله تبارك وتعالى واشكروه على أن هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة القرآن المعجزة الباهرة، والآية الظاهرة، كتاب الهدى وسفر الشهادة، ولواء الريادة والسيادة، وإمام الخير والحق والفضيلة، ودستور العدل والأمان في كل زمان ومكان ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين
في زَمنِ الابتِلاءات والمحنِ وحِينَ تكثُرُ علَى الأمّةِ الفتنُ ويَتدَاعَى الأكلةُ على القَصعَةِ ويتَسرَّبُ اليأسُ إلى بَعضِ النّفوس تحلُو قراءةُ التّاريخ وتجلُو سُنَنُ الله في الكونِ عَبر قصصِ الأوَّلين وعِبَر السّالفين، لقَد ذُكِر اسمُ نبيِّ الله موسَى عليه السَّلام في القرآنِ الكَريم في مِائةٍ وسِتّةٍ وثلاثين موضِعًا، فمَا ذكِر اسمُ نبيٍّ ولا ملَكٍ أكثرَ منه، ولا تحدَّث الوَحيُ عَن أمَّة منَ الأمَم الأُولى كما تحدَّث عَن بَني إسرائيلَ .
أيهاالمسلمون لمَّا استُضعِف المسلمون في مكّةَ وأوذُوا وحوصِروا وتكبَّر المشرِكون بقوّتهم وكَيدِهم أنزَلَ الله تعالى بمكّةَ سورةً تضَعُ الموازينَ الحقِيقِيّة للقوَى والقِيَم والنّصرِ والظَّفَر والعاقبةِ. سورةٌ تقرِّرُ أنَّ هناك قوّةً واحدةً في الوجود، هي قوّة الله، له الخلقُ والأمر، وأنّ هناك قِيمةً واحدةً مطلقة، هي قِيمةُ الإيمان، فمَن كانَت قوّةُ الله معَه فلا خوفَ عليه ولَو كان مجرّدًا من كلّ مظاهرِ القوّة، ومن كانت قوَّة الله عليه فلا أَمنَ له ولا طمأنينةَ ولو سَانَدَته جميعُ القوى. سورةٌ نزلت في زمنِ الضَّعف والقِلّة، بأسلوبٍ قصَصيّ ليس له مثيل. إنها سورَةُ القصَص.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص: 1-6].
إنَّها إرادةُ اللهِ التي بيَّنَها مِن أوَّلِ القِصّةِ، وتوالَت فُصُولُها في أَحداثٍ عَجيبةٍ حتى تمَّت كَلِمةُ الله ونَفَذ أمرُه وحقَّت مَشِيئَتُه. لقد كانَ المسلمون المستضعَفون في مكة بحاجةٍ إلى أن يَعرِفوا كيفَ تحوَّل شعبٌ كامِل من ذلٍّ هائِل إلى عِزٍّ وتمكين، وكيف تَبلُغ الأممُ هذه الغايَةَ الكَريمة إذا نفَضَت غُبارَ الذلِّ والهوانِ وأَسلَمَت قِيادَها للهِ رَبِّ الأكوانِ. شعبٌ كانَت تُذَبح صِبيتُه وتُستَحيَى نِسوتُه ويُستَعبَد عامَّتُه كيف مُكِّن من ميراث الأرضِ في زمنٍ من الأزمان، وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف: 137]. إنَّ هذا التاريخ المَتلوَّ يحوِي في طيَّاته العناصرَ الحقيقيَّةَ لقيامِ الأمَم واستِقلالها وازدهارِ حضارتها، كما يحوِي العناصرَ الحقيقيَّة لانهيارِ الأمَم وذَهابِ ريحِها واضمِحلال أمرِها.
أيّها المسلمون، وفي سورةِ القصص نرَى أن العلوَّ في الأرض بالفَسادِ وقهرَ الناس مِفتاحُ الحتوفِ ومِتلاف الممالِك وسبَبُ المهالك، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ [القصص: 4]، وفي آخرِ السّورةِ: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا [القصص: 83].
في هذِه السورةِ العظيمةِ مواقِفُ وأحداثٌ تحوِي العبَرَ لكلِّ من نَظَر، لقَد بيَّن الله تعالى طُغيانَ فِرعونَ وجنودِه على بني إسرائيل، وكَيف كانَ يَستعبِدهم ويتتبَّع أطفَالَهم لِيَذبَحَهم ذَبحَ الشِّياه. لأنه بلغه أن غلامًا منهم سيولد يكون هلاكه على يديه.
في تلك الظروفِ القاسيَة وُلد موسى عليه السلام، ولِد والخطر محدِقٌ به والموتُ يتلفَّت عليه، وها هي ذي أمّه حائِرةٌ به خائفة عليه، تنتظر أن يصِلَ نبؤُه للجلاّدين، عاجزةً عن حمايته، لا يمكِن أن تلقِّنَه حيلةً، ولا أن تخفِيَ صوتَه الفطريّ أن ينمَّ عليه، وهنا يلقِي الله في روعِها الإيمانَ والأمانَ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7]. يا لله! إذا خِفتِ عليه وهو بين ذِراعَيك وفي دِفءِ يَدَيك فألقِيهِ في اليمّ، نَعم ألقيه في اليمّ، ولاتخافي إنّه هنا في رعايةِ الله، يكلؤُه ويَرعاه، إنها الرعاية الإلهية التي تجعل النارَ بردًا وسلامًا وتجعَل البحرَ ملجَأ ومنامًا.
وهكذا كان إيمانُ تلكَ الأمّ وكان يقينُها، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ [القصص: 8]، وهل يُخشى عليه إلا من آل فرعون؟! ولكنَّ إرادةَ الله تتحدّى فرعونَ بطريقةٍ مَكشوفة، إنهم يتتبَّعون المواليدَ ويرسلون الجواسيسَ ويكلِّفون الجلاّدين لقتلِ جميعِ الأطفالِ خشيةَ أن يكونَ موسى أحدَهم. لكن ها هو ذا الطفلُ الرضيعُ يأتي بنفسِه مجرَّدًا من كلِّ حيلةٍ أو قوّة، يقتَحِم على الطاغيةِ حِصنَه، ويستقرّ في قلبِ قصرِه، ليكونَ لهم عدوًّا وحزنا، إنه الطفل الذي سيكون على يديهِ هلاكه وهلاكُهم، وعطَّف الله عليه قلبَ امرأةِ فرعون، فأحبّته وآوته، وهكذا حماه الله بألطف سَبَب، بالحبِّ لا بالجندِ والسِّلاح، وهذا من لُطف اللهِ، ولا يقاوِم لطفَ الله شيءٌ، ولا تُلام أمُّ الرضيعِ إن خافَت عليه واضطَربت، ولكن ربَط الله على قلبها وثبَّتها لتكونَ من المؤمنين المصدِّقين بوعدِ الله الصابِرين على بلائِه السَّائرين على هُداه.
ومَنع الله موسَى من قَبول أو استِساغةِ اللبن من المراضِع ، وبعدَ أن كان فِرعونُ يبحَث عنه ليقتلَه صارَ يلهَث لحياته؛ يلتمِس مُرضِعًا يقبَلها الصَّغير، خوفًا عليه مِنَ الذّبول أو الموتِ، فتَدُلُّهم أختُه على أمِّه، فيلتَقِم ثديَها ويقبَل لبَنَها، ويعود الطفلُ الغائِب إلى أمِّه، ويتحقَّق وعدُ الله، يعودُ الطفل يحمِيه فرعونُ، وترعاه امرأته، وتسعَد به أمّه، وتأخذ على رضاعِه الهدايا والعطايا، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص: 13]. إنَّ لله تدبيرًا وتقديرًا، فأين المؤمِنون؟! أين المصابِرون؟! أين المبتلَون؟! أين الموقِنون؟!
وإذا العنايةُ لاحظَتك عُيونها نَم فالحوادِث كلّهنّ أمان
أيّها المسلمون، ولما بلَغ موسى أشُدَّه واستَوى آتَاه الله حُكمًا وعِلما، واصطفاه وأخلَصَه، وجعَل في قلبه نورًا، وهيَّأه للرّسالةِ, وقد رأى طغيانَ فرعونَ ومَلئِه، ورأى كيف يُسام قومُه العسف والظلم.
وحين أراد الله تعالى أن يتم أمره وأن يجعلَ لموسى سبَبًا للخروج من مصر دخَل موسى المدينةَ على حين غفلةٍ من أهلِها فوجدَ فيها رجلين يقتِتلان، أحدهما من بني إسرائِيل والآخرُ قِبطيّ، فاستغَاث الإسرائيليّ بموسى، فوكز القبطيَّ فمات من ساعتِه من قوَّة يدِ موسى، ولعلّه لم يقصِد قتلَه؛ لذا عادَ سريعًا يستغفِر ربَّه، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: 16], وهذه صفةُ المؤمِن؛ سريعُ التوبةِ قريب الأوبة.
وفي يومٍ آخر رأَى نفسَ الإسرائيليّ يشتَبِك مع قبطيٍّ آخر، قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص: 18]، غويٌّ بعِراكِه الكثير ومُشاجَراته التي لا تُثمِر سوى جَلبَ البلاءِ على بني إسرائيل، وهم عن الانتِصار عاجِزون، فلا قيمةَ لاشتِباكاتٍ تضرُّ ولا تُفيد، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ [القصص: 19]. وهَكذا تَضِيق النّفوسُ الطاهرةُ، وتندفِع وتجيش، وربما تتجاوَزُ في تصرُّفاتها مِن حرّ ما تجد، وقد لا يُلام ظالمٌ إذا ظلم بقدرِ ما يُلام المظلومُ إذا انتَقم، كما وُصِف موسى عليه السّلام بقَصدِ الجبروت والإفساد.
وحين شَاعَ خَبرُ هذه الحادثةِ وأحسّ الملأُ من قوم فرعونَ ببوادِر التمرُّد على الظّلم تآمروا على قتلِ موسى عليه السّلام؛ حتى لا يسرِيَ مَوقفُه بين أفرادِ الشّعب المستعبَد، لكنَّ الله تعالى نجَّاه، فخرَجَ مِن المدينة يدعو ربَّه: رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 21]، ويلتَجِئ لخالقِه: عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ [القصص: 22]. إنها المطاردةُ الثانية للقَتل، لكنَّ الله تعالى يريد إنفاذَ أمرِه وإمضاءَ قدَره مهما تمالأَ الأعداء، ويمضي موسى عليه السلام ويتزوَّج ويعمَل في كنَف شيخٍ صالح في سيرةٍ ومسيرةٍ مليئة بالدّروس والعبر. وحين شرّف الله تعالى موسى عليه السلام بالرِّسالة وأكرمه بالنبوَّة بعثه إلى فرعونَ وقومهِ يدعوهم إلى الله وحدَه، فقابلوا رسالتَه بالتكذيبِ، واتهموه بالسّحرِ وقَصدِ الإفساد، بل قال فرعون: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر: 26].وخرج موسى عليه السلام بقومه مهاجرين بدينهم تارِكين ديارَهم، يبحثون عن مكانٍ يعبدون الله فيه، ولكنَّ فرعون ـ ككلِّ الطغاة ـ لم يترك هذا الشعبَ المقهور ليحيا كما يُريد، مع أنهم فارقوا بلدتَه إلى بلادٍ أخرى وتركوه وشأنَه، فلماذا يطاردُهم حتى البحر؟! إنّه التسلُّط والطغيانُ والعلوّ في الأرض بالفساد. فلمّا وقفَ البحرُ أمامَ موسى وبني إسرائيل ورأوا فرعونَ وقومَه وراءَهم، قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: 61]، في تلك اللَّحظات الحرِجَة لم يتزعزع إيمانُ موسى بربّه، بل صاحَ صيحةَ مؤمن وصاحَ صيحةَ موقن: كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62]، وحين يكمُل الإيمان تنزل نصرةُ الرحمن، فأمر الله البحرَ فانفَلق طُرُقًا يابِسةً، فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى [طه: 77]، فعبروا بحِفظ الله، فأتبعهم فرعونُ بجنوده، وأمر الله البحرَ فانطَبق على فرعون وجنوده، وأغرقَه ومن معه في عاقبةٍ مُهينة للكبر والطغيان، وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ [القصص: 39-41]. إنها هزيمةُ الدنيا والآخرة جَزاءَ البغي والاستطالة، وقد أنجى الله تعالى موسى وقومَه حين التزموا أمرَ الله وصبروا وأقاموا الصلاة كما في سورة يونس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111].
بَارك الله لي ولكم في القرآنِ والسّنَّة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحِكمَة، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم وللمسلمين الأحياء منهم والميتين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفورالرحيم


الحمد لله ذي القوَّةِ القادرَة والحِكمةِ الباهِرَة، لا ينفُذ إلا أمرُه، ولا يمضِي إلا قدَرُه، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس: 82، 83]، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهَد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أَمَّا بَعدُ أيها الناس، كان إهلاكُ الله تعالى لفرعونَ وجنودِه ونجاةُ موسى وقومه في اليوم العاشر من شهر محرَّم، فصام موسى عليه السلام هذا اليوم شكرًا لله تعالى، وصامه نبيُّنا محمّد وأمر بصيامه وقال لليهود: ((نحن أولى بموسى منكم)) كما في الصحيحين، وفيهما أيضا عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: ما علمتُ أنَّ رسولَ الله صام يومًا يطلب فضلَه على الأيام إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء، ولا شهرًا إلا هذا الشهر يعني رمضان، وعند الترمذي بسنَد صحيح أنَّ النبي قال: ((صيام يومِ عاشوراء أحتسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله))، وفي صحيح مسلم أنّ النبي قال: ((لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسعَ))، فلم يأت العامُ المقبل حتى توفّي النبي ، وفي مسند الإمام أحمد أن النبي قال: ((صوموا يومًا قبله ويومًا بعده)).فالصيام على ثلاثة مراتب إماصيام اليوم العاشرمفرداوإمايصام ويوماقبله أوبعده وإمايصام ويوماقبله ويومابعده
أيهاالأحبة إنَّ أتباعَ الرّسل والأنبياءِ يجعلون هذا اليومَ يومَ شكرٍ وعبادة وفرحٍ بنجاةِ المؤمنين، كما أنّه يوم حزنٍ وبلاء ومأتمٍ طويل على المشركين الضالين .
وفي ختامِ السورةِ تجِد قصّةَ قارون وطغيانه بسبب المال واغترارَ أهل الدنيا ثم إهلاك الله تعالى له، لتُختَم الآيات بالقاعدة الربانية: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:
وعوداعلى ذي بدأفإني أقول إِنَّ الصِّرَاعَ بين الحق والباطل مَهمَا امتَدَّ أَجَلُهُ ، وَالفِتنَةَ مَهمَا استَحكَمَت حَلَقَاتُهَا ، وَلَيلَ الظُّلمِ مَهمَا احلَولَكَت ظُلُمَاتُهُ ، فَإِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَاللهُ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ ، فَلْتَتَذَكَّرِ الأُمَّةُ وَصَايَا مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ لِقَومِهِ وَدَعوَتَهُ لِرَبِّهِ " قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "
وَقَالَ مُوسَى يَا قَومِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُسلِمِينَ "
وَحَتى وَإِنْ تَقَلَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ أَوِ استَعبَدَ الطُّغَاةُ العِبَادَ ، فَمَا هُوَ إِلاَّ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ، ثم يَكُونُ الفَرَجُ لِلمُؤمِنِينَ وَيَحصُلُ لهم النَّصرُ المُبِينُ والتمكين، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاعلَمُوا أَنَّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ يُملِي لِلظَّالمِ حَتى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ ، وَكَمَا نَصَرَ مُوسَى وَقَومَهُ عَلَى فِرعَونَ وَقَومِهِ ، فَإِنَّهُ ـ تَعَالى ـ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ، وَكَمَا جَعَلَ يَومَ عَاشُورَاءَ يَومَ انتِصَارٍ لِلحَقِّ عَلَى البَاطِلِ وَعُلُوٍّ لِلخَيرِ عَلَى الشَّرِّ ، وَظُهُورٍ لِلإِيمَانِ عَلَى الكُفرِ ، فَإِنَّ لَهُ ـ تَعَالى ـ مِثلَهُ أَيَّامًا يَنصُرُ فِيهَا عِبَادَهُ مَتى مَا نَصَرُوهُ وَشَكَرُوهُ وَعَبَدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ وَاتَّقَوهُ " إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور . أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَولا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " فتدبّروا ـ أيها المسلمون ـ كتاب ربِّكم، والزَموا صراطه المستقيم تفوزواوتفلحوا.ثمّ صلّوا وسلِّموا على خير البريّة وأزكى البشرية محمد بن عبد الله.اللّهمّ صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وصحابته الغرّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين


كما ذكرت شيخنا
أن العاقبة للمتقين والعاقبة تدل على الخواتيم والنهايات والعبرة بذلك وهذا وعد من الله - تعالى - لا يتبدل فإذا لم يتحقق فمرد ذلك أمران:

- إما أننا لم نصل إلى درجة التقوى ولم تتحقق فينا ظاهرا وباطنا
- أو أن هناك بقية من سنن الله تعالى يريد الله إتمامها وإكمالها

بورك فيك شيخ صالح أحسنت الاختيار والنقل


زياد الريسي;19345 wrote:
كما ذكرت شيخنا
أن العاقبة للمتقين والعاقبة تدل على الخواتيم والنهايات والعبرة بذلك وهذا وعد من الله - تعالى - لا يتبدل فإذا لم يتحقق فمرد ذلك أمران:

- إما أننا لم نصل إلى درجة التقوى ولم تتحقق فينا ظاهرا وباطنا
- أو أن هناك بقية من سنن الله تعالى يريد الله إتمامها وإكمالها

بورك فيك شيخ صالح أحسنت الاختيار والنقل

وفيك ربي يبارك

ولن يخلف الله وعده