الطلاق والممارسات المحرمة
سليمان بن خالد الحربي
الطلاق والممارسات المحرمة
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
مَعْشَرَ الإِخْوَةِ: وَصَفَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَقْدَ الزَّوَاجِ وَصِلَةَ العِصْمَةِ بِأَنَّهُ مِيثَاقٌ غَلِيظٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" فِي قَوْلِهِ: «اتَّقُوا اللهَ فِى النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ -أَوْ قَالَ: بِأَمَانَةِ اللهِ- وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ». وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ هَذَا القَائِلِ: إِنَّهُ لَوْلَا الإِسْلَامُ لِلزَّوْجِ لَـمَا حُقَّتْ لَهُ.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهِنَّ، فَيَجِبُ حِفْظُ الأَمَانَةِ وَصِيَانَتُهَا؛ بِـمُرَاعَاةِ حُقُوقِهَا، وَالقِيَامِ بِـمَصَالِحِهَا الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، فَالحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ أَسَاسُهَا حِفْظُ الذِّمَّةِ وَالأَمَانَةِ، وَمُرَاعَاةُ حَقِّ اللهِ وَحَقِّ صَاحِبِهِ، فَلَيْسَ الحُبُّ فَقَطْ هُوَ الـمِعْيَارَ لِبَقَاءِ هَذَا الرَّابِطِ وَالصِّلَةِ، بَلِ الرَّابِطُ هُوَ السَّكَنُ وَالرَّحْمَةُ وَالـمَوَدَّةُ؛ وَلِهَذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَالفُرَاقُ أَبْغَضَ الحَلَالِ إِلَى اللهِ وَأَحَبَّهَ إِلَى الشَّيْطَانِ.
جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً؛ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا -قَالَ:- ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ -قَالَ:- فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ. فَيَلْتَزِمُهُ».
وَأَصْبَحَ التَّسَاهُلُ فِي الطَّلَاقِ ظَاهِرَةً وَاضِحَةً، مَعَ أَنَّ الأَصْلَ فِيهِ الـمَنْعُ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: (الأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ الحَظْرُ، وَإِنَّـمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الحَاجَةِ). وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الزَّوْجَ بِأَنْ يَصْبِرَ وَلَا يَتَعَجَّلَ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19].
وَلِهَذَا كَمْ مِنْ رَجُلٍ كَرِهَ امْرَأَةً، فَأَمْسَكَ عَلَيْهَا، فَأَنْجَبَتْ لَهُ أَوْلَادًا أَبْرَارًا؛ قَامُوا بِنَفْعِهِ وَنَشْرِ فَخْرِهِ وَذِكْرِهِ؟! وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ فُتِنَ بِامْرَأَةٍ غَدَتْ بِلُبِّهِ، وَأَفْسَدَتْ عَلَيْهِ دِينَهَ وَدُنْيَاهُ وَأَهْلَهُ؟!
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
بَلْ أَحْيَانًا يَكُونُ قَرَارُ الفُرَاقِ بِأَسْبَابٍ تَافِهَةٍ وَلِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ، أَوْ تَأَثُّرًا بِـمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنَ الـمُسَلْسَلَاتِ الهَابِطَةِ وَالتَّافِهَةِ الَّتِي تُصَوِّرُ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ صَافِيَةً مِنَ الأَكْدَارِ وَالـمُنَغِّصَاتِ، وَالاخْتِلَافَاتِ وَالـمَشَاكِلِ الطَّارِئَةِ، وَأَحْيَانًا يَكُونُ بِأَسْبَابٍ مَظْنُونَةٍ وَشُكُوكٍ شَيْطَانِيَّةٍ، يَظْلِمُ بِهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الآخَرَ، وَيَبُوءَانِ بِخِزْيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَلِهَذَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِصَوَارِفٍ عَظِيمَةٍ عَنِ الطَّلَاقِ، فَأَمَرَتْ بِالصَّبْرِ، وَأَمَرَتْ بِالـمَشُورَةِ وَطَلَبِ النُّصْحِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:35]. فَيَنْظُرَانِ مَا يَنْقُمُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ يُلْزِمَانِ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَجِبُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ قَنَّعَا الزَّوْجَ الآخَرَ بِالرِّضَا بِـمَا تَيَسَّرَ مِنَ الرِّزْقِ وَالخُلُقِ، وَمَهْمَا أَمْكَنَهُمَا الجَمْعُ وِالإِصْلَاحُ فَلَا يَعْدِلَا عَنْهُ، فَإِنْ وَصَلَتِ الحَالُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا وِإِصْلَاحُهُمَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الـمُعَادَاةِ وَالـمُقَاطَعَةِ وَمَعْصِيَةِ اللهِ، وَرَأَيَا أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا أَصْلَحُ، فَرَّقَا بَيْنَهُمَا.
وَتَأَمَّلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ الأَمْرَ إِلَى حَكَمَيْنِ؛ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ صِفَاتُ الحَاكِمِ مِنَ الثِّقَةِ وَالحِكْمَةِ وَالرَّأْيِ الحَسَنِ، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ بِالتَّدَخُّلِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِنْفَادِ الجَهْدِ، عَلَى خِلَافِ مَا يَحْصُلُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الأَزْوَاجِ الَّذِينَ تَتَدَخَّلُ أُمَّهَاتُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ وَالأُسْرَةُ كُلُّهُا، وَيَبُوحُ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِأَسْرَارِ بَيْتِهِ لِأَهْلِهِ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ وَأَكْثَرِ أَسْبَابِ الفِرَاقِ، وَكَمْ مِنْ زَوْجَينِ تَفَرَّقَا بِسَبَبِ تَدَخُّلِ الأُسْرَةِ وَالبَوْحِ بِأَسْرَارِهِمَا وَمَشَاكِلِهِمَا مُبَاشَرَةً قَبْلَ مُحَاوَلَةِ الزَّوْجَيْنِ إِصْلَاحِ حَالِهِمَا وَاسْتِشَارَةِ أَهْلِ الخِبْرَةِ وَالفَضْلِ وَالعِلْمِ؟!
وَمِنَ الصَّوَارِفِ لِلْفِرَاقِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى، وَوَجَّهَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- الـمَرْأَةَ لَهَا: أَنْ تَتَنَازَلَ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا إِذَا رَأَتْ أَنَّ الفِرَاقَ سَيَكُونُ؛ إِبْقَاءً لِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّهَا وَلَهَا فِيهِ صَلَاحٌ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:128]. أَيْ: إِذَا خَافَتِ الـمَرْأَةُ نُشُوزَ زَوْجِهَا -أَيْ: تَرَفُّعَهُ عَنْهَا وَعَدَمَ رَغْبَتِهُ فِيَهَا وَإِعْرَاضَهُ عَنْهَا- فَالأَحْسَنُ فِي هَذِهِ الحَالَةِ أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا بِأَنْ تَسْمَحَ الـمَرْأَةُ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا اللَّازِمَةِ لِزَوْجِهَا عَلَى وَجْهٍ تَبْقَى مَعَ زَوْجِهَا، إِمَّا أَنْ تَرْضَى بِأَقَلِّ مِنَ الوَاجِبِ لَهَا مِنَ النَّفَقَةِ أَوِ الكِسْوَةِ أَوِ الـمَسْكَنِ، أَوِ القَسْمِ بِأَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا مِنْهُ، أَوْ تَهِبَ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِزَوْجِهَا أَوْ لِضُرَّتِهَا. فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ فَلَا جُنَاحَ وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا فِيهَا، لَا عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الزَّوْجِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِزَوْجِهَا البَقَاءُ مَعَهَا عَلَى هَذِهِ الحَالِ، وَهِي خَيْرٌ مِنَ الفُرْقَةِ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2، 3].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، ونَفَعَنِي وإيَّاكُمْ بِـمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إليهِ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى جَنَّتِهِ ورِضْوَانِهْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وأعوانِهْ، أمَّا بَعْدُ:
مَعْشَرَ الإِخْوَةِ: وَمِنَ الأَخْطَاءِ العَظِيمَةِ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الأَزْوَاجِ -بَلْ هُوَ الظُّلْمُ عَيْنُهُ- وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَرْغَبْ فِي زَوْجَتِهِ أَوْ أَرَادَ الزَّوَاجَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَسْبَابِ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا وَيَتْرُكُهَا دُونَ إِذْنِهَا وَمُوَافَقَتِهَا، وَهَذَا مُحَرَّمُ، وَقَدِ اقْتَرَفَ عَظَائِمَ مِنَ الذُّنُوبِ:
أَوَّلًا: أَنَّهُ لَا يُجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِهَا إِلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1]. فَتَأَمَّلَ كَيْفَ جَعَلَ اللهُ البَيْتَ لَهُنَّ، فَقَالَ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}، وَذَلِكَ لِأَنَّ الـمَسْكَنَ حَقٌّ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَهِيَ لَازَالَتْ زَوْجَتَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبْقِيَهَا فِي مَسْكَنِهَا لَا أَنْ يُسْقِطَهَا حَقَّهَا فِي الـمَسْكَنِ.
الـمُحَرَّمُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى أَوْلَادِهَا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الإِثْمِ وَالوِزْرِ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَقَدْ جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ": أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمرٍو كَانَ جَالِسًا؛ إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ -أَيْ: خَازِنُ مَالِهِ- فَدَخَلَ عَلَيهِ، فَقَالَ: أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ». وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ فِي بَيْتِ الـمَقْدِسِ شَهْرًا، فَقَالَ لَهُ: تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ هَذَا الشَّهْرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَاتْرُكْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ».
الـمُحَرَّمُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَنَعَهَا حَقَّهَا فِي القَسْمِ وَالـمَبِيتِ، فَلَهَا حَقُّهَا فِي القَسْمِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَهُ؛ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا هِيَ فَإِنَّ الـمَبِيتَ حَقٌّ لَهَا.
وَيَزِيدُ الـمُحَرَّمُ الرَّابِعُ: إِذَا كَانَ يُضَارَّ بِهَا وَلَا يُطَلِّقُهَا مِنْ أَجْلِ أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَتَطْلُبَ الخُلْعَ، أَوْ يُنَغِّصَ عَلَيْهَا، فَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا} [البقرة:231]، وَقَالَ: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء:20، 21]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء:19]. وَقَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا ضَارَّ بِزَوْجَتِهِ بِالتَّضْييقِ عَلَيْهَا أَوْ مَنَعَهَا حُقُوقَهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالقَسْمِ وَالـمَسْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِتَفْدِي نَفْسَهَا بِالخُلْعِ أَنَّهُ آثِمٌ عَاصٍ. وَجُمُهُورُ الفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ العِوَضَ مَرْدُودٌ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ حُدُودَ اللهِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَظِيمَةٌ، قَالَ اللهُ فِي آيَاتِ الطَّلَاقِ: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]. وَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ، فَهُوَ أَسْلَمُ لِدِينِكُمْ وَآخِرَتِكِمْ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ الهُدَى وَإِمَامِ الوَرَى، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نِبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ الـمَهْدِيينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
المرفقات
والممارسات-المحرمة-2
والممارسات-المحرمة-2