الضيف القادم
تركي بن عبدالله الميمان
الضَّيْفُ القَادِمُ
(شهر رمضان)
ا
قناة الخُطَب الوَجِيْزَة
https://t.me/alkhutab
(نسخة للطباعة)
الخُطبةُ الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ في السِّرِّ والنَّجْوَى، وَاعلَمُوا أَنَّ أَجسَادَكُمْ على النَّارِ لا تَقْوَى! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَوَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾.
عِبَادَ اللهِ: سَاعَاتٌ مَحْدُوْدٌ، وَيُطِلُّ عَلَىْنَا ضَيْفٌ طَالَ انْتِظَارُهُ، وَتَعَدَّدَتْ أَفْضَالُه، إِنَّهَا الجَامِعَةُ الكُبْرَى، الَّتِي تَمْنَحُ دَرَجَةَالتَّقْوَى؛ إِنَّهُ شَهْرُ رَمَضَانَ! قال I: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْن﴾.
وَشَهْرُ رَمَضَانَ: ضَيْفٌ لا يَأْنَسُ بِهِ إِلَّا كَرِيْمٌ، وَلَا يَأْنَفُ مِنْهُإِلَّا لَئِيْمٌ! وَمِنْ إِكْرَامِ ذَلِكَ الضَّيْف: التَّخْطِيْطُ لِاسْتِقْبَالِهِ، وَالاِسْتِعْدَادُ لِاغْتِنَامِهِ؛ وَعِمَارَةُ أَوْقَاتِهِ؛ فَكَثِيْرٌ مِنَّا يُخَطِّطُلِدُنْيَاهُ، وَقَلِيْلٌ مَنْ يُخَطِّطُ لِآخِرَتِهِ! ﴿وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.
وَالفَرَحُ بِقُدُوْمِ رَمَضَانَ؛ هُوَ فَرَحٌ بِفَضْلِ اللهِ، وَتَعْظِيْمٌلِشَعَائِرِهِ! ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾. وَكَانَ ﷺ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ قَائِلًا: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ). قال بَعْضُ السَّلَفِ: (يَنْبَغِي لِلنَّاسِإِذَا دَنَا رَمَضَانُ؛ أَنْ يَفْرَحُوا وَيَسْتَبْشِرُوا، وَيَسْأَلُوْهُأَنْ يُبَلِّغَهُمْ إِيَّاهُ، وَأَنْ يَتَرَاءَوْا هِلَالَهُ= فِعْلَ مَنْيَسْتَعْجِلُ قُدُوْمَ غَائِبٍ كَرِيمٍ!).
وَمِنَ الاِسْتِعْدَادِ لِرَمَضَانَ: الدُّعَاءُ بِبُلُوْغِهِ، يقولُ ابْنُ رَجَب: (بُلُوْغُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ نِعْمَةٌ عَظِيْمَةٌ: فَمَنْ رُحِمَ فِيه؛ فَهُوَالمَرْحُوْم، وَمَنْ حُرِمَ خَيْرَهُ؛ فَهُوَ المحرُوم، وَمَنْ لم يَتَزَوَّدْلِمَعَادِهِ فِيهِ؛ فَهُوَ مَلُوم!). وَكَانَ بَعْضُ الصَّالِحِيْنَ يَدعُوْنَ اللهَسِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ رَمَضَانَ. وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِم: (اللَّهُمَّسَلِّمْنِي إلى رَمَضَانَ، وَسَلِّمْ لي رَمَضَانَ، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا).
وَمَنْ أَكْرَمَ رَمَضَانَ: أَكْرَمَهُ رَمَضَان، وأَخْذَ بِيَدِهِ إلى الجِنَان؛ فَقَدْأَسلَمَ رَجُلَانِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الآخَرُ سَنَةً؛ قَالَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ t: (فَأُرِيْتُ الجَنَّةَ -أَيْ في المَنَامِ-، فَرَأَيْتُ المُؤَخَّرَ مِنْهُمَا، أُدخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ! فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ) فقال: (أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ؟!).
وَرَمَضَانُ (هُوَ سَيّدُ الشُّهُورِ)، وَجَاءَ لِإِصلاحِ القَلْبِ (وَهُوَ سَيِّدُالأَعضَاءِ). قال ﷺ: (صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ -يَعنِي رَمَضَانَ-، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؛ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدرِ): أَيْ يُذْهِبْنَ غِلَّهُ وَحِقْدَهُ، وَمَا يَحْصُلُ في القَلْبِ مِنَ الكُدُورِ والقَسْوَةِ؛ فَلَا يَبْقَى فِيهِعَدَاوَةٌ أو غَضَب!
والاِستِعدَادُ لِرَمَضَانَ، يَكُونُ بِتَغْذِيَةِ الأَروَاحِ، وَلَيْسَبِتَسْمِينِ الأَجسَادِ، أو تَكدِيسِ الأَطعِمَةِ والأَشرِبَةِ، وكَأَنَّنَا مُقْبِلُونَ عَلَى شَهْرِ مَجَاعَةٍ، لا عَلَى مَوْسِمِ طَاعَةٍ!
يَا خَادِمَ الجِسْمِ كَمْ تَشْقَى بِخِدْمَتِهِ
فَأَنْتَ بِالرُّوْحِ لا بِالجِسْمِ إِنْسَانُ!
لَقَدْ جَاءَ رَمَضاَنُ؛ لِيَغْسِلَ قَلْبَكَ وَعَمَلَكَ مِنْ أَوْسَاخِ المَعَاصِي، ويَمْنَحَكَ صَفْحَةً بَيْضَاءَ نَقِيَّة، تُجَدِّدُ بِهَا حَيَاتَكَوَإِيمَانَكَ، إِنَّهَا فُرْصَةٌ نَادِرَةٌ، وَغَنِيْمَةٌ بَارِدَةٌ؛ فَيَا خَيْبَةَ مَنْ ضَيَّعَهَا! قال ﷺ: (أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ؛ قُلْ: آمِينَ"، فَقُلْتُ: آمِينَ!).
وَرَمَضاَنُ فُرْصَةٌ لِلْإِقْلَاعِ عَنِ العِصيَانِ، وَالاِنْتِصَارِ عَلَىالشَّيْطَانِ؛ فَهُوَ أَضْعَفُ مَا يَكُونُ في رَمَضَان! قال ﷺ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ: فُتِّحَتْ أَبوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ). وفي رِوَايَةٍ: (صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ).
وَحِيْنَمَا صُفِّدَتْ شَيَاطِيْنُ الجِنِّ، قَامَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ -بِالوكالةِعَنْهُمْ-؛ لِيُنَغِّصُوا أجواءَ الشَّهْرِ الفَضِيْلِ، وَيَسْرِقُوا بَرَكَتَه؛إِنَّهُمْ لُصُوْصُ رَمَضَانَ فَاحذَرُوهُم! ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
وَصِيَامُ رَمَضَانَ: يُهَذِّبُ شَهْوَةَ الإِنْسَان، وَيُقَوِّي مَنَاعَةَ الإِيْمان؛فَلَا تَسْتَعْبِدُهُ الدَّنْيا، وَلا تَأْسِرُهُ الشَّهْوَة! قال العُلَماء: (الحُرُّ: هُوَ الَّذِي قَهَرَ شَهْوَتَهُ وَنَفْسَهُ؛ فَانْقَادَتْ مَعَهُ، وَذَلَّتْ لَهُ، وَدَخَلَتْ تَحْتَ رِقِّهِ وَحُكْمِهِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الصَّوْمُ؛ كَسْرًا لِشَهَوَاتِالنُّفُوْسِ، وَقَطْعًا لِأَسْبَابِ التَّعَبُّدِ لِغَيْرِ اللهِ، فَالصَّومُيُوْرِثُ الحُرّيَّة!) .
وَأَهْوَنُ الصِّيامِ: تَرْكُ الطَّعَامِ؛ فَإِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الحَرامِ. وَكَمَا أَنَّ الطَّعَامَ يُفْسِدُ الصِّيَام؛ فَكَذَلِكَالآثَام تُفْسِدُ ثَمَرَتَه! قال ﷺ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ وَالعَطَشُ).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لاإِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ نَفَحَاتُ اللهِ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَنَسَمَاتُ الإِيمَانِ قَدْاقْبَلَتْ؛ مَنْ أَصَابَتْهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ؛ فَلَنْ يَشْقَى بَعدَهَا أَبَدًا! قال ﷺ: (تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحمَةِ اللهِ؛ فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحمَتِهِ؛يُصِيْبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).
فَهَاهُوَ رَمَضَانُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ زَائِرًا؛ فَأَكْرِمُوا ضَيْفَكُمْ،وَاغْتَنِمُوا شَهْرَكُمْ، وَسَارِعُوا إلى رَبِّكُمْ؛ فَهُوَ شَهْرٌ قَصِير، لا يَحْتَمِلُ التَّقْصِير، وَقُدُوْمُهُ عُبُور، لا يَقبَلُ الفُتُور! وَكُلَّمَا تَكَاسَلْتَ؛ فتَذَكَّرْ أَنَّه ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾.
فَاللهَ اللهَ في رَمَضَانَ؛ فَهُوَ ضَيْفٌ يَأْتِي عَلَى عَجَلٍ؛ فَاجْتَهِدُوا فِيْهِ بِالجِدِّ وَالعَمَلِ. قال ابنُ رَجَب: (كَمْ مِمَّنْ أمَّلَ أَنْ يَصُوْمَ هَذَا الشَّهْرَ، فَخَانَهُ أَمَلُهُ؛ فَصَارَ قَبْلَهُ إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ!).
*******
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
قناة الخُطَب الوَجِيْزَة
https://t.me/alkhutab
المرفقات
1709699558_(الضيف القادم) نسخة مختصرة.pdf
1709699559_(الضيف القادم) نسخة للطباعة.pdf
1709699559_(الضيف القادم) خط كبير.pdf
1709699560_(الضيف القادم) خط كبير.docx
1709699560_(الضيف القادم) نسخة للطباعة.docx
1709699560_(الضيف القادم) نسخة مختصرة.docx