الضروري لمعرفة السروري - موافقة للتعميم -
حسام الحجي
إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، (يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
أمَّا بَعْدُ: إنَ وُجُودَ الأَحْزَابِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالْفِرَقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مُجْتَمَعَاتِهِمْ، مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَفِي صَحِيحِ ابْنِ مَاجَهْ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، يَقُولُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ] قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: [الْجَمَاعَةُ].
تَأَمَّلْ أَخِي الْمُسْلِمُ! عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَهً؛ سَتَفْتَرِقُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهَذَا مِمَّا يَجْعَلُ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ، يَضَعُ يَدَهُ عَلَى قَلْبِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي فِرْقَةٍ مِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ الْهَالِكَةِ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَتْبَاعِ الرَّسُولِ ﷺ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ.
فَالْفِرَقُ الْهَالِكَةُ، عَلَامَتُهَا الْفَارِقَةُ؛ مُخَالَفَةُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَمِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ الَّتِي يُخْشَى عَلَى الْمُجْتَمَعِ مِنْ أَفْكَارِهَا: فِرْقَةٌ تُعْرَفُ بِالسُّرُورِيَّةِ، وَلِيدَةُ جَمَاعَةِ الْإِخْوَانِ الْمُفْسِدِينَ، بَلْ هِيَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ أَفْرَادَهَا يَدَّعُونَ الْمَنْهَجَ الصَّحِيحَ، وَيَتَظَاهَرُونَ بِالْعَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ، وَيَتَسَتَّرُونَ بِمَنْ هُمْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، وَهُمْ مِنْهُمْ أَبْرِيَاءُ.
وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ السُّرُورِيُّونَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِمْ: إِخْفَاءُ مَحَاسِنِ وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، مَهْمَا فَعَلَ وُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ يُشْكَرُونَ عَلَيْهِ، وَيُحْمَدُونَ مِنْ أَجْلِهِ، وَيَسْتَحِقُّونَ الثَّنَاءَ بِسَبَبِهِ، فَإِنَّ السُّرُورِيَّ لَا يَعْتَرِفُ بِذَلِكَ أَبَدًا، بَلْ يُخْفِيهِ وَيَكْرَهُ إِظْهَارَهُ، بَلْ يَتَّهِمُهُمْ بِالتَّقْصِيرِ وَيُشَكِّكُ فِي نِيَّاتِهِمْ وَمَقَاصِدِهِمْ، وَذَلِكَ لِيَكْرَهَهُمُ النَّاسُ وَيُسِيئُونَ الظَّنَّ بِوُلَاةِ أَمْرِهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺيَقُولُ [خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ].
وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَتْبَاعُ السُّرُورِيِّ فِي مُجْتَمَعِنَا: التَّقْلِيلُ مِنْ شَأْنِ الْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ، كَابْنِ بَازٍ وَابْنِ عُثَيْمِينَ وَالْفَوْزَانِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُحَذِّرُونَ مِنْهُمْ وَمِنْ مَنْهَجِهِمْ، يُقَلِّلُونَ مِنْ شَأْنِ هَؤُلَاءِ، تَقْلِيلًا مِنَ الْحَقِّ الَّذِي يَحْمِلُونَهُ، لَا يُرِيدُونَ النَّاسَ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُمْ أَوْ يَأْخُذُوا بِفَتَاوَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، تَبَيَّنَ زَيْفُهُمْ وَفَسَادُ مَنْهَجِهِمْ ، وَلِذَلِكَ يَتَّهِمُونَ كِبَارَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ سُلْطَانٍ، بَلْ يَتَّهِمُوْنَ عُلَمَاْءَنَاْ بِاَلْسُّكُوْتِ عَنْ مُنْكَرَاْتِ اَلْمُجْتَمَعِ، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّنَاْ فِيْ هَذَاْ اَلْمُجْتَمَعِ نَكْرَهُ اَلْمُنْكَرَ، وَلَاْ تَقْبَلُهُ نُفُوْسُنَاْ، فَيُحَاْوُلُوْنَ اِسْتِغْلَاْلَ ذَلِكَ، لِنَكْرَهَ وُلُاْةَ أَمْرِنَاْ وَعُلَماَءَنَاْ، وَاَلْدَّلِيْلُ عَلَىْ أَنَّ غَيْرَتَهُمْ عَلَىْ اَلْمُنْكَرِ، لَاْ لِوُجُوْدِهِ،إِنَّمَاْ لِمَنْهَجِهِمْ اَلْبَاْطِل، وَتَحْقِيْقِ أَهْدَاْفِهِمْ اَلْسُّرُوْرِيَّةِ؛ سُكُوْتُهُمْ عَنْ مُنْكَرَاْتٍ أَعْظَمَ مُمَّاْ يُنْكِرُوْنَ، لَأَنَّهَاْ لَاْ تَخْدِمُ فِكْرَهُمْ اَلْخَاْرِجِيَّ اَلْضَّاْلَ.
فاَحْذَرُوْا هَذِهِ اَلْفِرْقَةَ اَلْخَبِيْثَةَ، كُوْنُوْا يَدَاً وَاْحِدَةً مَعَ عُلَمَاْئِكُمْ، وَمَنْ وَلَّاْهُ اَللهُ أَمْرَكُمْ، وَكَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ [وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمدُ للهِ الذي هدَانا للإسلامِ والسنةِ، والصلاةُ والسلامُ على مَن كانتْ بِعثتُه خيرُ مِنَّةٍ، أما بعدُ:
عَلَيْنَا جَمِيعًا الانْتِبَاهُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَأَفْكَارِهَا، وَلا سِيِّمَا بَعْدَ وَسَائِلِ التَّوَاصِلِ الْحَدِيثَةِ، التِي جَعَلَتْ وُصُولَ الْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ سَهْلًا، ورُبَّمَا تَشَرَّبَهَا الشَّبَابُ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ الدِّينَ، وَهُمْ فِي الْوَاقِعِ يَهْدِمُونَهُ وَيُضْعِفُونَهُ، فَإِنَّ الْبِدَعَ شَرٌّ وَبَلَاءٌ.
يقولُ الشيخُ ابنُ بازِ رحمه الله: (أَمَّا الانتماءاتُ إلى الأحزاب: فالواجِبُ تَرْكُهَا، وأنْ يَنْتَمِي الجميعُ إلى كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُوْلِه).
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفَظَ لَنَا عَقِيدَتَنَا وَدِينَنَا وَأَمْنَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا أَوْ أَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ ، اللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ
عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.