الضرب ضرب أبي محجن
ياسر دحيم
1437/12/13 - 2016/09/14 04:17AM
[align=justify]الخطبة الأولى:
الحمد لله الحنَّان المنَّان، القديرِ الرحمن، مالكِ الملك عظيمِ الشان، يجيب مضطرًّا دعاه، ويعافي عبدًا ابتلاه، نحمده -سبحانه- على عظيم النِّعَم وجزيل الإحسان، ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمةً للأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الأعلام، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فاتقوا الله يا عباد الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: أبومحجن الثقفي -رضي الله عنه- صحابيٌ ابتلي بشرب الخمر، ومن شدة تعلقه بالخمر يوصي ابنه في جاهليته وكان شاعرا فيقول:
إذا مِتُّ فادفنِّي إلى أصل كَرْمةٍ *** تُروِّي عِظامِي بعد مَوْتِي عُروقُها
ولا تَدْفِنَنِّي في الفَلاة فإنني *** أخافُ إذا ما مِتّ ألاّ أذُوقُها
وكلما عوقب على شرب الخمر يعود ويعاقب، فلما تداعى المسلمون للجهاد في سبيل الله لقتال الفرس في معركة القادسية، خرج معهم أبو محجن وحمل زاده وحمل معه خمرا، فلما وصلوا أرض القادسية وسوس الشيطان لهذا الصحابي فاختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر، وعلم به سعد فغضب عليه وأمر به أن يقيد بالسلاسل ويحبس في خيمة، وحرمه من دخول القتال.
ولما بدأ القتال سمع أبو محجن وهو محبوس صهيل الخيل وصيحات الأبطال في ساحات الحرب النزال, لم يطق أن يصبر على الحبس عن الجهاد وملاقاة الكفار والشهادة, وبذل روحه لله تعالى، عسى أن يكون ذلك كفارة له عن معصيته، فهاجت أشواقه فلم يصبر على القيد واشتاق للشهادة وخدمة هذا الدين وإن كان عاصياً وإن كان مدمن خمر، إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله، فأخذ يتحسر على حاله وينشد أبياتاً صادقةً مؤثرة, قائلاً:
كَفَى حَزَنًا أَنْ تُدْحَمَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا *** وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلِيَّ وَثَاقِيَا
إِذَا قُمْتُ عَنَّانِي الْحَدِيدُ وَأُغْلِقَتْ *** مَصَارِيعُ مِنْ دُونِي تَصُمُّ الْمُنَادِيَا
وَقَدْ كُنْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَإِخْوَةٍ *** وَقَدْ تَرَكُونِي مُفْرَدًا لَا أَخَا لِيَا
فلِلّه دَرِّي يومَ أُترَكُ مُوثَقا *** وتَذهَلُ عنّي أُسْرَتي ورِجالِيا
حَبيساً عن الحَرْبِ العَوانِ وقد بدت *** وإعمالُ غَيْري يوم ذَاكَ العَوَاليَا
وللهِ عَهْدٌ لا أخِيسُ بعَهْده *** لئن فُرِجَت ألاّ أزُورَ الحوانِيَا
ثم أخذ ينادي بأعلى صوته فأجابته، امرأة سعد: ماذا تريد؟ قال: "فكي القيد من رجلي وأعطني البلقاء فرس سعد فأقاتل، فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد، وإن بقيت فلكي عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في قدمي".
وأخذ يرجوها حتى فكت قيده وأعطته البلقاء فرس سعد إذ لم يشترك في القتال لمرضه، فلبس درعه وغطى وجهه بالمغفر، ثم قفز على ظهر الفرس وألقى نفسه بين الكفار يقاتل، وحمل على القوم مقتحما الصفوف، فتعجب الناس من شجاعته وهم لا يعرفونه.
مضى أبو محجن يبذل روحه في سبيل الله وخدمة الدين ونصرة المسلمين, وأظهر شجاعةً عجيبة، عجب الناس من قتاله وهم لا يعرفونه ولم يروه بالأمس؛ حتى ظنوه ملكاً أنزل يقاتل معهم وقل بعضهم: "إن كان الخضر يشهد الحروب فهو صاحب البلقاء".
أما سعد بن أبي وقاص فقد كان مريضا فلم ينزل ساحة القتال لكنه كان يراقب من بعيد، فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله وشدة بأسه، وقال: "الضرب ضرب أبي محجن، والكرُّ كرُّ البلقاء، وأبومحجن في القيد والبلقاء في الحبس!!".
فلما انتهي القتال عاد أبومحجن إلى سجنه ووضع رجله في القيد, ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال: ما هذا؟ فذكروا له قصة أبي محجن فأطلقه وقال: "والله لا جلدتك في الخمر أبداً"، فقال أبومحجن" :وأنا والله لا شربت الخمر أبدا".
عباد الله: ما الذي حمل أبا محجن وهو صاحب هذه الكبيرة على هذا الفعل؟! وكيف تجتمع معصية مع طاعة، وشرب خمرٍ مع جهادٍ في سبيل الله؟!.
إنها الغيرة على دين الله، إنه الشوق إلى العمل للدين؛ حرك الإيمان في قلب أبي محجن، وهو معترف بخطئه مع غلبة نفسه ومعصيته، وهكذا المؤمن الصادق غيور على دين الله، وإن كان مقصراً أو مفرطاً في بعض الواجبات، أو ومرتكبا لبعض الذنوب والسيئات، لكن الإيمان يناديه للبذل للدين, والخير الذي في قلبه يحركه نحو الطاعات.
عباد الله: المتأمل لأحوال المسلمين اليوم يجد أن كثير من المسلمين يتهربون من مسؤولياتهم تجاه دينهم، يعتذر الكثيرون بسبب تقصيرهم أو معاصيهم، ويخيل إليهم الشيطان أن الطاعة والمعصية لا تجتمعان، وأن الدين والعمل للإسلام إنما هو مسؤولية فئات خاصة من المسلمين فقط, ولا ينبغي لعاصٍ أن يكون من خدام الدين ويبذل له، وبهذا الاعتقاد السائد المسيطر على عقول كثير من المسلمين؛ عطلوا طاقاتهم وعزلوا أنفسهم عن العمل للإسلام والتضحية والبذل لأجله، وما علموا أن الانتساب لأي عقيدة أو فكرٍ أو جماعة معناه أن تعمل وتضحي وتبذل لهذا الفكر الذي انتسبت إليه، فهل عرفنا ما معنى انتسابنا للإسلام؟.
سل نفسك -يا عبد الله- ماذا قدمت لدينك؟! ما الذي أنفقته من مال ووقت؟ ماذا بذلت من جهد وعمل لنشر الإسلام أو نصرته؟ هل انتسابك للإسلام اسماً ورسماً أم حقيقةً وعملاً؟.
الإسلام يحتاج لكل فردٍ منتسب إليه مهما كان تقصيره وتفريطه، ولا يحقر الواحد منا أي عملٍ يمكن أن يقدمه لدينه ولأمته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". وحينما أسلم نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُود في غزوة الخندق جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخدم دينه وينصر إخوانه, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي، فَمُرْنِي أَمْرَكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ". لم يعفيه النبي لقرب إسلامه ولا لقلة عمله بل أرشده إلى أن يبذل ما يستطيع في خدمة دينه ونصرة إخوانه "فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ".
عباد الله: إن بعضهم يستصعب العمل لنصرة الدين من أجل معاصيه، وهذا مدخل من مداخل الشيطان التي يمنع به المسلم من العمل لدينه، والواقع يشهد أنه ما حمل مسلمٌ همَّ الإسلام بصدق إلا كان أقرب إلى عفو الله تعالى، وأجدر بالتوبة ورحمة الله تعالى ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 102].
عباد الله: لم ينصرف ابو محجن مع ما هو فيه من شربه للخمر عن صحبة الصالحين، مثلما يفعل أكثر المسلمين حينما تتعلق نفسه بمعصية هي أقل من شرب الخمر؛ فيوسوس له الشيطان ويحدث نفسه بأنه منافق ومخادع, لا ينبغي له أن يرافق الأخيار ويصحب الصالحين وهو بهذا الحال؛ فيقع فريسة من حيث لا يدري لمكيدة إبليس الرجيم الذي يبعده عن رفقة الصالحين، ليجد له رفقةً أخرى قد تكون سيئة فيسوء حاله، وبدلاً من معصية واحدة يقع في معاصٍ وكبائر، وربما فرط في واجبات وانقطع عما كان عليه من الطاعات.
في قصة أبي محجن فضل مرافقة الصالحين وأنها معينة على الخير والتوبة، ومن ذاك الذي لا يذنب ولا يخطئ قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" [رواه مسلم].
أيها المسلم، يا عبد الله: لا تجعل معصيتك حائلا بينك وبين الطاعة والبذل للدين وخدمة المسلمين، لا تجعل معصيتك تبعدك عن أهل التقوى والخير والصلاح، فإن هذا تصور خاطئ، بل هذا مراد الشيطان منك، فإياك أن تبلِّغَه مراده وتتبع خطواته، إذ يوجد من هو على معصية وقلبه مليء بحب الله ورسوله, ولكن غلبت عليه شهوته، فلعله بطاعته وتضحيته لدينه يغفر الله معصيته ويتجاوز عنه، والله يقول: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].
وقد وجد في المجتمع الإسلامي الفاضل -مجتمع الصحابة- من كانت عنده معصية، يتوب منها وتغلبه نفسه فيرجع ويتوب، ومع ذلك في قلبه حبٌ صادق لله ورسوله ولدينه، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أنَّ رَجُلاً كَانَ عَلَى عَهْدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ يُضْحِكُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ جَلَدَهُ في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْماً، فَأمَرَ بِهِ فَجُلِدِ، فَقالَ رَجلٌ مِنَ القوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ".
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 135، 136].
أقول ما سمعتم واستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله: لقد استفاد أبو محجن من هذه الصحبة ومن البذل للدين؛ حيث كان ذلك سببا في هدايته من شرب الخمر، فرب عمل صالح واحدٍ يخلص فيه صاحبه، أو موقفٍ صدق ويقين، أو كلمة طيبةٍ وصنيع معروفٍ يمر على الإنسان؛ تكون سبباً لإقلاعه عن المعصية، وهل يكون الخير إلا في البذل للدين ومرافقة الصالحين, وعمل الطاعة والإحسان إلى الخلق ونصرة المسلمين.
يعتقد بعض المسلمين أن خدمة الدين مسؤولية العلماء وطلاب العلم والملتزمين وحدهم وهذا خطأ؛ فمادمت مسلماً فالإسلام يحتاج إلى جهدك وطاقتك وعملك، كلٌ منا بحسب استطاعته واختصاصه، هناك طاقات وقدرات وخبرات ومواهب ينبغي الاستفادة منها في نشر الدين ونصرة المسلمين، فلا يحول الشيطان بينك وبين العمل لدينك بسبب معاصيك مهما كبرت.
لقد نظر أبو محجن -رضي الله عنه- إلى المسلمين، فكأنه رأى فيهم ضعفًا، وعلم من نفسه أنه قادرٌ على سد هذه الثغرة، فثارت حميته الدينية، ولم يتعلل بمعصيته فيتقاعس ويتكاسل، وهكذا كان عُصاة ذلك الزمان، الذين قد يقعون في بعض المعاصي، تجد أن الواحد منهم ولاؤه للإسلام، وحبه للإسلام، وعاطفته مع الإسلام والمسلمين، وإن وقع في بعض المعاصي والذنوب، لكن يملأ قلبه حب الله ورسوله.
فكم من أمثال أبي محجن في صفوف المسلمين اليوم ممن حُكم عليه بالانعزال، أو حكم هو على نفسه بالعزلة؛ لمجرد معصية هي أقل من شرب الخمر، فما زال الشيطان به حتى وقع فيما هو أعظم، ولو صاحب الصالحين وبذل للدين وأتبع السيئة الحسنة لكان خيرا له، فالخطيئة في الإسلام ليست وصمةَ عارٍ تَبقى مُلاصِقة للمرء لا فكاك عنها، فخير الخطَّائين التوابون.
الخطيئة تعالج بالتوبة، والسيئة تمحوها الحسنةُ بعدها، وكثرة الاستغفار تكفر الذنوب، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "وأتْبع السيئةَ الحسنةَ تَمحُها".
أحب الصالحين ولست منهم ** لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ** ولو كنا سواء في البضاعة
إن على المجتمع المسلم أن يحسن التعامل مع صاحب المعصية، فربما هذه السيئة التي وقع فيها الشخص ترفعه إلى أحسن مما كان قبلها؛ بسبب الندم على فعلها، وكثرة الاستغفار منها، ومحاوَلة التعويض عنها, وكم في التاريخ من رجال كانوا غرقى في المعاصي والفجور, فحسنت توبتهم فأصبحوا من أهل الجهاد والثغور.
فاحذر أن تعيِّر عاصٍ بمعصيته بل خذ بيده للتوبة, وافتح له باب الرجاء والأمل برحمة الله, ودله على الطاعة والعمل الصالح ورفقة الصالحين, قال ابن القيم -رحمه الله :-"تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه, والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب, ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب؛ أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها.
فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِّل من مقت الله، فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِلُّ بها عليه، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا؛ فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدِلِّين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
[/align]
الحمد لله الحنَّان المنَّان، القديرِ الرحمن، مالكِ الملك عظيمِ الشان، يجيب مضطرًّا دعاه، ويعافي عبدًا ابتلاه، نحمده -سبحانه- على عظيم النِّعَم وجزيل الإحسان، ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمةً للأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الأعلام، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فاتقوا الله يا عباد الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: أبومحجن الثقفي -رضي الله عنه- صحابيٌ ابتلي بشرب الخمر، ومن شدة تعلقه بالخمر يوصي ابنه في جاهليته وكان شاعرا فيقول:
إذا مِتُّ فادفنِّي إلى أصل كَرْمةٍ *** تُروِّي عِظامِي بعد مَوْتِي عُروقُها
ولا تَدْفِنَنِّي في الفَلاة فإنني *** أخافُ إذا ما مِتّ ألاّ أذُوقُها
وكلما عوقب على شرب الخمر يعود ويعاقب، فلما تداعى المسلمون للجهاد في سبيل الله لقتال الفرس في معركة القادسية، خرج معهم أبو محجن وحمل زاده وحمل معه خمرا، فلما وصلوا أرض القادسية وسوس الشيطان لهذا الصحابي فاختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر، وعلم به سعد فغضب عليه وأمر به أن يقيد بالسلاسل ويحبس في خيمة، وحرمه من دخول القتال.
ولما بدأ القتال سمع أبو محجن وهو محبوس صهيل الخيل وصيحات الأبطال في ساحات الحرب النزال, لم يطق أن يصبر على الحبس عن الجهاد وملاقاة الكفار والشهادة, وبذل روحه لله تعالى، عسى أن يكون ذلك كفارة له عن معصيته، فهاجت أشواقه فلم يصبر على القيد واشتاق للشهادة وخدمة هذا الدين وإن كان عاصياً وإن كان مدمن خمر، إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله، فأخذ يتحسر على حاله وينشد أبياتاً صادقةً مؤثرة, قائلاً:
كَفَى حَزَنًا أَنْ تُدْحَمَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا *** وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلِيَّ وَثَاقِيَا
إِذَا قُمْتُ عَنَّانِي الْحَدِيدُ وَأُغْلِقَتْ *** مَصَارِيعُ مِنْ دُونِي تَصُمُّ الْمُنَادِيَا
وَقَدْ كُنْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَإِخْوَةٍ *** وَقَدْ تَرَكُونِي مُفْرَدًا لَا أَخَا لِيَا
فلِلّه دَرِّي يومَ أُترَكُ مُوثَقا *** وتَذهَلُ عنّي أُسْرَتي ورِجالِيا
حَبيساً عن الحَرْبِ العَوانِ وقد بدت *** وإعمالُ غَيْري يوم ذَاكَ العَوَاليَا
وللهِ عَهْدٌ لا أخِيسُ بعَهْده *** لئن فُرِجَت ألاّ أزُورَ الحوانِيَا
ثم أخذ ينادي بأعلى صوته فأجابته، امرأة سعد: ماذا تريد؟ قال: "فكي القيد من رجلي وأعطني البلقاء فرس سعد فأقاتل، فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد، وإن بقيت فلكي عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في قدمي".
وأخذ يرجوها حتى فكت قيده وأعطته البلقاء فرس سعد إذ لم يشترك في القتال لمرضه، فلبس درعه وغطى وجهه بالمغفر، ثم قفز على ظهر الفرس وألقى نفسه بين الكفار يقاتل، وحمل على القوم مقتحما الصفوف، فتعجب الناس من شجاعته وهم لا يعرفونه.
مضى أبو محجن يبذل روحه في سبيل الله وخدمة الدين ونصرة المسلمين, وأظهر شجاعةً عجيبة، عجب الناس من قتاله وهم لا يعرفونه ولم يروه بالأمس؛ حتى ظنوه ملكاً أنزل يقاتل معهم وقل بعضهم: "إن كان الخضر يشهد الحروب فهو صاحب البلقاء".
أما سعد بن أبي وقاص فقد كان مريضا فلم ينزل ساحة القتال لكنه كان يراقب من بعيد، فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله وشدة بأسه، وقال: "الضرب ضرب أبي محجن، والكرُّ كرُّ البلقاء، وأبومحجن في القيد والبلقاء في الحبس!!".
فلما انتهي القتال عاد أبومحجن إلى سجنه ووضع رجله في القيد, ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال: ما هذا؟ فذكروا له قصة أبي محجن فأطلقه وقال: "والله لا جلدتك في الخمر أبداً"، فقال أبومحجن" :وأنا والله لا شربت الخمر أبدا".
عباد الله: ما الذي حمل أبا محجن وهو صاحب هذه الكبيرة على هذا الفعل؟! وكيف تجتمع معصية مع طاعة، وشرب خمرٍ مع جهادٍ في سبيل الله؟!.
إنها الغيرة على دين الله، إنه الشوق إلى العمل للدين؛ حرك الإيمان في قلب أبي محجن، وهو معترف بخطئه مع غلبة نفسه ومعصيته، وهكذا المؤمن الصادق غيور على دين الله، وإن كان مقصراً أو مفرطاً في بعض الواجبات، أو ومرتكبا لبعض الذنوب والسيئات، لكن الإيمان يناديه للبذل للدين, والخير الذي في قلبه يحركه نحو الطاعات.
عباد الله: المتأمل لأحوال المسلمين اليوم يجد أن كثير من المسلمين يتهربون من مسؤولياتهم تجاه دينهم، يعتذر الكثيرون بسبب تقصيرهم أو معاصيهم، ويخيل إليهم الشيطان أن الطاعة والمعصية لا تجتمعان، وأن الدين والعمل للإسلام إنما هو مسؤولية فئات خاصة من المسلمين فقط, ولا ينبغي لعاصٍ أن يكون من خدام الدين ويبذل له، وبهذا الاعتقاد السائد المسيطر على عقول كثير من المسلمين؛ عطلوا طاقاتهم وعزلوا أنفسهم عن العمل للإسلام والتضحية والبذل لأجله، وما علموا أن الانتساب لأي عقيدة أو فكرٍ أو جماعة معناه أن تعمل وتضحي وتبذل لهذا الفكر الذي انتسبت إليه، فهل عرفنا ما معنى انتسابنا للإسلام؟.
سل نفسك -يا عبد الله- ماذا قدمت لدينك؟! ما الذي أنفقته من مال ووقت؟ ماذا بذلت من جهد وعمل لنشر الإسلام أو نصرته؟ هل انتسابك للإسلام اسماً ورسماً أم حقيقةً وعملاً؟.
الإسلام يحتاج لكل فردٍ منتسب إليه مهما كان تقصيره وتفريطه، ولا يحقر الواحد منا أي عملٍ يمكن أن يقدمه لدينه ولأمته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". وحينما أسلم نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُود في غزوة الخندق جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخدم دينه وينصر إخوانه, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي، فَمُرْنِي أَمْرَكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ". لم يعفيه النبي لقرب إسلامه ولا لقلة عمله بل أرشده إلى أن يبذل ما يستطيع في خدمة دينه ونصرة إخوانه "فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ".
عباد الله: إن بعضهم يستصعب العمل لنصرة الدين من أجل معاصيه، وهذا مدخل من مداخل الشيطان التي يمنع به المسلم من العمل لدينه، والواقع يشهد أنه ما حمل مسلمٌ همَّ الإسلام بصدق إلا كان أقرب إلى عفو الله تعالى، وأجدر بالتوبة ورحمة الله تعالى ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 102].
عباد الله: لم ينصرف ابو محجن مع ما هو فيه من شربه للخمر عن صحبة الصالحين، مثلما يفعل أكثر المسلمين حينما تتعلق نفسه بمعصية هي أقل من شرب الخمر؛ فيوسوس له الشيطان ويحدث نفسه بأنه منافق ومخادع, لا ينبغي له أن يرافق الأخيار ويصحب الصالحين وهو بهذا الحال؛ فيقع فريسة من حيث لا يدري لمكيدة إبليس الرجيم الذي يبعده عن رفقة الصالحين، ليجد له رفقةً أخرى قد تكون سيئة فيسوء حاله، وبدلاً من معصية واحدة يقع في معاصٍ وكبائر، وربما فرط في واجبات وانقطع عما كان عليه من الطاعات.
في قصة أبي محجن فضل مرافقة الصالحين وأنها معينة على الخير والتوبة، ومن ذاك الذي لا يذنب ولا يخطئ قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" [رواه مسلم].
أيها المسلم، يا عبد الله: لا تجعل معصيتك حائلا بينك وبين الطاعة والبذل للدين وخدمة المسلمين، لا تجعل معصيتك تبعدك عن أهل التقوى والخير والصلاح، فإن هذا تصور خاطئ، بل هذا مراد الشيطان منك، فإياك أن تبلِّغَه مراده وتتبع خطواته، إذ يوجد من هو على معصية وقلبه مليء بحب الله ورسوله, ولكن غلبت عليه شهوته، فلعله بطاعته وتضحيته لدينه يغفر الله معصيته ويتجاوز عنه، والله يقول: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].
وقد وجد في المجتمع الإسلامي الفاضل -مجتمع الصحابة- من كانت عنده معصية، يتوب منها وتغلبه نفسه فيرجع ويتوب، ومع ذلك في قلبه حبٌ صادق لله ورسوله ولدينه، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أنَّ رَجُلاً كَانَ عَلَى عَهْدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ يُضْحِكُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ جَلَدَهُ في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْماً، فَأمَرَ بِهِ فَجُلِدِ، فَقالَ رَجلٌ مِنَ القوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ".
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 135، 136].
أقول ما سمعتم واستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله: لقد استفاد أبو محجن من هذه الصحبة ومن البذل للدين؛ حيث كان ذلك سببا في هدايته من شرب الخمر، فرب عمل صالح واحدٍ يخلص فيه صاحبه، أو موقفٍ صدق ويقين، أو كلمة طيبةٍ وصنيع معروفٍ يمر على الإنسان؛ تكون سبباً لإقلاعه عن المعصية، وهل يكون الخير إلا في البذل للدين ومرافقة الصالحين, وعمل الطاعة والإحسان إلى الخلق ونصرة المسلمين.
يعتقد بعض المسلمين أن خدمة الدين مسؤولية العلماء وطلاب العلم والملتزمين وحدهم وهذا خطأ؛ فمادمت مسلماً فالإسلام يحتاج إلى جهدك وطاقتك وعملك، كلٌ منا بحسب استطاعته واختصاصه، هناك طاقات وقدرات وخبرات ومواهب ينبغي الاستفادة منها في نشر الدين ونصرة المسلمين، فلا يحول الشيطان بينك وبين العمل لدينك بسبب معاصيك مهما كبرت.
لقد نظر أبو محجن -رضي الله عنه- إلى المسلمين، فكأنه رأى فيهم ضعفًا، وعلم من نفسه أنه قادرٌ على سد هذه الثغرة، فثارت حميته الدينية، ولم يتعلل بمعصيته فيتقاعس ويتكاسل، وهكذا كان عُصاة ذلك الزمان، الذين قد يقعون في بعض المعاصي، تجد أن الواحد منهم ولاؤه للإسلام، وحبه للإسلام، وعاطفته مع الإسلام والمسلمين، وإن وقع في بعض المعاصي والذنوب، لكن يملأ قلبه حب الله ورسوله.
فكم من أمثال أبي محجن في صفوف المسلمين اليوم ممن حُكم عليه بالانعزال، أو حكم هو على نفسه بالعزلة؛ لمجرد معصية هي أقل من شرب الخمر، فما زال الشيطان به حتى وقع فيما هو أعظم، ولو صاحب الصالحين وبذل للدين وأتبع السيئة الحسنة لكان خيرا له، فالخطيئة في الإسلام ليست وصمةَ عارٍ تَبقى مُلاصِقة للمرء لا فكاك عنها، فخير الخطَّائين التوابون.
الخطيئة تعالج بالتوبة، والسيئة تمحوها الحسنةُ بعدها، وكثرة الاستغفار تكفر الذنوب، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "وأتْبع السيئةَ الحسنةَ تَمحُها".
أحب الصالحين ولست منهم ** لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ** ولو كنا سواء في البضاعة
إن على المجتمع المسلم أن يحسن التعامل مع صاحب المعصية، فربما هذه السيئة التي وقع فيها الشخص ترفعه إلى أحسن مما كان قبلها؛ بسبب الندم على فعلها، وكثرة الاستغفار منها، ومحاوَلة التعويض عنها, وكم في التاريخ من رجال كانوا غرقى في المعاصي والفجور, فحسنت توبتهم فأصبحوا من أهل الجهاد والثغور.
فاحذر أن تعيِّر عاصٍ بمعصيته بل خذ بيده للتوبة, وافتح له باب الرجاء والأمل برحمة الله, ودله على الطاعة والعمل الصالح ورفقة الصالحين, قال ابن القيم -رحمه الله :-"تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه, والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب, ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب؛ أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها.
فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِّل من مقت الله، فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِلُّ بها عليه، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا؛ فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدِلِّين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
[/align]