الصمود

علي بن عقيل السهيمي
1438/06/25 - 2017/03/24 04:21AM
الحمد لله الذي أعز أولياءه، وأذل أعداءه، جعل العاقبة للمتقين، والذل والصغار على الكافرين، نصر رسله، وحفظ كتابه، وأعان أولياءه، فلما ذاقوا الإيمان صمدوا على طريق الحق والتبيان.
فليـتك تحلو والحيـاة مـريرة * وليـتك ترضـى والأنـام غضـاب
وليـت الذي بيـني وبينـك عامر * وبـيني وبيـن العــالمين خـراب
إذا صـح منك الود فالكل هيـن * وكـل الذي فوق الـتراب تـراب
فياليـت شـربي من ورادك صافيا * وشـربي من مـاء الفرات سـراب
والصلاة والسلام على من بعثه الله هاديا للعالمين، وسراجا للمتقين ، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
دين النبي محمد أخبار ****نعم المطية للفتى آثارُ
لا تـرغبن عن الحديث وآلـه**** فالرأي ليـل والـحديث نهـارُ
ولربـما جهل الفتى أثر الهدى**** والشـمس بازغـةٌ لـها أنـوارُ
أما بعد
خرج مزهوا بزينته، معجبا بنفسه، مغرما بماله، مستكثرا بأبنائه، يلقب بذي التاج، لأنه كان إذا توج رأسه بعمامة فلا يعتمُّ أحدٌ بمثلها، لقد كان زعيما من زعماء قريش، وصنديدا من صناديدهم، خرج من بيته، وأبناءه يحيطونه، وغلمانَه من حوله، أوسعَ النّاس له الطريق ولمن معه، حتى أخذ مجلسه تحت الكعبة، أقبل عليه أبو سفيان وأبو جهلٍ يحيونه، فقال لهم سعيد بن العاص :
ما خبر سمعته أن سعدَ بن أبي وقاص تبع محمدًا؟ وأنه اجترأ على رجل من قريش فشج رأسه؟ وأسال دمه؟ واللات والعزى إن ظللتم على تهاوُنكم هذا مع محمد لأنهضنّ له وحدي!
ثم عاد في مثل كوكبه الذي جاء به، ولم يتخلف أحدٌ إلا رجلًا واحدًا، إنه ابنه خالدٌ بن سعيد بن العاص.
كان يتجول في الحرم، ويتتبع أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمع عن دعوته، فلما أقبل الليلُ، عاد إلى بيته، مستخفيا، ثم نام، ورأى في منامه، أنه أمام نار عظيمة يجذبه إليها أبوه، وهو يصارعه، حتى رأى النبي صلى الله عليه وسلم آخذ بحقويه منقذا له من تلك النار، فلما استيقظ قال:
والله إنها لرؤيا حق، والله إنها لرؤيا حق.
ومن الصباح هب خالدٌ إلى منزل أبي بكر رضي الله عنه، فقص عليه الخبر، فقال له أبو بكر لقد أراد الله بك خيرا يا خالد، ثم ذهب خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنطق بالشهادتين، ولقد كان سادسَ ستةٍ أسلموا على ظهر الأرض.
ترك خالد القصر المنيف، والفراش الوثير، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، بين شعاب مكة يتعلم الإيمان، ويحفظ القرآن.
جُن أبوه لما علم بالخبر، فأرسل إليه أخويه (أبان وعمر) ومولاه (رافعا) ، ليقتفوا أثره،
فوجدوه يصلي في بعض شعاب مكة متخفيا، صلاة هزت كيانهم، وأسرت قلوبهم، وغيرت نفوسهم، وزعزعت أقدامهم، صلاة لم يملكوا أن يقفوا أمامها إلى خانعين خاضعين، فلما قضى صلاته، قالوا له يا خالد، إن أباك قد غضب عليك غضبا لتركك المنزل بلا إذن، فذهب خالد معهم، ودخل على أبيه، فحياه بتحية الإسلام، فقال له أبوه، أو قد صبأت وتركت دينك، لتتركن دينه ولتكذبنه، فقال خالد : لا أفعل ما دام فيني عرق ينبض، فقال أبوه: إذن أحرمك من رزقي، فقال خالد الله الذي رزقك يرزقني.
فغضب عليه ، وانهال عليه بعصا غليظة، قد أعدها له، شج بها رأسه، وأسال بها دمه، وما زال يضربه حتى سال الدم من جسده كله، ثم ربط وحبس. ومنع من الطعام ثلاثا.
ثم جاءه في اليوم الرابع بعض أهله، فقالوا له، كيف أنت يا خالد؟ قال : أتقلب في نعم الله عز وجل.
إنه الإيمان لما خالط بشاشته القلوب(شاب نبذ أهله، ومجتمعه، وأصحابه وخلانه) ليعلن الإسلام على الملأ، فيعذب ويضرب ويجوع ثم يقال له ما حالك؟ فيقول أتقلب في نعم الله.
فكيف بمن يفعل المعصية، ويترك الطاعة، موافقة لأصحابه، ومسايرة لخلانه؟ والله لكأني بخالد رضي الله عنه يقول:
متـى لم يكن بيني وبينـك ريبـة * فكـل نعيـم صـد عنك عـذاب
فكيف توانى الخـلق عنك وقد بـدا * جـمال به قـد هـامت الألبـاب
أقـول لعـذالى مدى الدهر اقصروا * فكـل الذي يهوى سـواه يعـاب
فقالوا له: أما آن لك أن تثوب إلى رشدك؟ فقال: أما رشدي فما فارقني وما فارقته.
ثم أمر أبوه بأن يُخرج إلى بطحاء مكة في الظهيرة، ليعذب، فما زال صابرا، حتى وجد فرصة فتفلت من سجن أبيه، وفر هاربا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ما لبث إلى أن لحق به أخواه عمر وأبان، وشرح الله صدرهما للإسلام.
لأن الرجل إذا كان قدوة في فعاله، وأقواله، وأحواله، أثر في كل من صاحبه، وعاشره، لقد رأوه وهو يصلي في الشعب صلاة اهتزت منها قلوبهم، ورأوا ثباتا تخر منها قواهم، فعلموا أن
ذلك لا يكون إلا لمن كان على الحق، فيا عباد الله اصبروا، واثبتوا.
وعند ذلك أقسم أبوهم فقال ، واللات والعزى، لأعزلنّ مالي بعيدا عنهم، فذهب إلى قرية مجاورة للطائف، فمات هناك كمدا.
أما بعد
عاش خالدٌ إلى زمن أبي بكر رضي الله عنهما، فانضم إلى جيش المسلمين، المتوجهِ إلى الشام، وقبيل المعركة، عقد على أم حكيم بنت الحارث، فلما أراد أن يَعْرِسَ بها قالت:
يا خالد حبَّذا لو أخَّرت إلى أن تنتهي المعركة، فقال خالدٌ رضي الله عنه وأرضاه، إني لأظني أني مصاب في هذه المعركة، فأعرس بها، وفي الصباح أولم لأصحابه، فصف الروم أمامهم، فخرج فارس منهم، طالبًا المبارزة، فتصدى له خالد رضي الله عنه وأرضاه، فتصاولا، وسدد كل واحد منهما ضربة قاتلة لصاحبه، فأصاب سيف الرومي، وأخطأ سيف خالد، فمات رضي الله عنه وأرضاه، وكان قاتله قد رأى نورًا سطع بموت خالد، فكان سببا في إسلامه، وأم حكيم رضي الله عنها وأرضاها، ترقُبُ الموقف، ورأت موتَ زوجِها، فشدت علها ثياب عرسها، وأخذت عمودًا من فسطاط الخيمة التي قد أعرس بها زوجُها، ثم قاتلت في ميدان المعركة، فتلت سبعةً من فرسان الروم.
عشت حميدًا يا خالد، ومت شهيدا، وهكذا كل ثابت صابر يكون له بصمة في التاريخ لا تنسى
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
المرفقات

خالد بن سعيد بن العاص.docx

خالد بن سعيد بن العاص.docx

المشاهدات 859 | التعليقات 0