الصمت والهيبة سعد العثمان
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1432/12/19 - 2011/11/15 08:42AM
الصمت والهيبة
سعد العثمان
الصَّمْت.. هو العلم الأصعب من علم الكلام، يصعب أحياناً تفسيره، وهو أفضل جواب لبعض الأسئلة، وقيل قديماً: إنَّ الصَّمْت إجابةٌ رائعةٌ، لا يتقنها الآخرون.
الصَّمْت.. يمنحك طاقةً قويةً للتفكير بعمق، في كل ما يحصل حولك، والتركيز بعقلانية على إجابتك.
الصَّمْت.. يجعلك تسيِّطرُ على من أمامك، من خلال نظراتٍ محملةٍ بمعانٍ غير منطوقة، تجعلهم حائرين في تفسيرها.
الصَّمْت.. المصحوب ببعض الحركات والإيماءات، يرغم من أمامك على البوح بما في داخله، فيقول أكثر مما يريد فعلاً.
الصَّمْت.. يولِّد لدى الآخرين شعوراً بالغيظ الشديد؛ لأنَّهم يعتبرونه هجوماً مستتراً ، فتكون الأقوى من دون كلام ولا تعب.
الصَّمْت.. هو الحلُّ الأفضل أمام المشاكل الزوجية التافهة.
الصَّمْت.. في المواقف الصَّعبة يولِّد الاحترام، بعكس الصِّراع والجدل، الذي يولِّد التَّنافر والحقد.
الصَّمْت.. يدمِّر أسلحة من تتشاجر معهم، ويجرِّدهم من القدرة على مواصلة الكلام.
الصَّمْت.. يعلِّمك حسن الاستماع الذي يفتقده الكثيرون.
الصَّمْت.. عبادةٌ من غير عناء، وزينةٌ من غير حلي، وهيبةٌ من غير سلطان، وحصنٌ من غير حائط، واستغناءٌ عن الاعتذار لأحد، وراحةٌ للكرام الكاتبين، وسترٌ لعيوب فيك كثيرة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الصَّمْت:
قالوا اسكت وقد خُوصِمْتُ قلتُ لهم: إنَّ الـجوابَ لِبابِ الشـرِّ مفتـاحُ
والصَّمْتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح
أما ترى الأُسْدَ تُخْشَى وهي صامتةٌ ؟ والكلبُ يخسأُ لعمري وهـو نبَّاح
ولقد أحسن من قال: بكثرة الصَّمْت تكون الهيبة، ومن كثر صمته اكتسب من الهيبة ما ينفعه، ومن الوَحشة ما لا يضره.
وسأل رجلٌ حكيماً قائلاً:متى أصمت ؟. قال: إذا اشتهيت الكلام، فقال له: متى أتكلم ؟.قال له: إذا اشتهيت الصَّمْت. ثم قال الحكيم: كفى بالمرء عيباً، أن تراه له وجه، وليس له لسان.
أروع ما قيل في الصَّمْت:
- قال صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ". حديث صحيح.
- وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: " إذا تم العقل نقص الكلام "، وقال:
" بكثرة الصَّمْت تكون الهيبة ".
- وقال عمرو بن العاص:"الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل".
- وقال لقمان لولده: " يا بني اذا افتخر الناس بحسن كلامهم؛ فافتخر أنت بحسن صمتك ".
- وقال وهب ابن الورد: " بلغنا ان الحكمة عشرة أجزاء تسع منها بالصَّمْت والعاشر في عزلة الناس ".
- وقال الإمام الشافعي: " إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم, وإن شك لم يتكلم حتى تظهر ".
يُعذِّبُ المرأةَ كثيراً صَمْتُ الرَّجل..إنِّها لا تدري لماذا يصمت..ذاك لأنَّها لا تصمت إلا عندما تكون غاضبة، أو محبطة، أو حزينة..أما حينما ترتاح فهي تثرثر...
مالا تعرفه المرأة عن الرجل..هو أنَّ الصَّمْتَ هو الحالة الطبيعية لديه.. فهو يصمت لأنه ببساطة ليس لديه ما يقوله..
وتحاول المرأةُ أنْ تستجِرَّه للكلام..لأنَّها تعرف أنَّها إذا صمتت..فهي تنتظر منه أن يسألها..عن سر صمتها..ثم تبدأ بالأسئلة التي يضيق بها الرجل ذرعاً..ويعتبرُها تحقيقاً..ويصاب بالحيرة أمامها لأنَّه ببساطة..لا يعرف ماذا يقول..لذا فعلى حواء حينما يصمت زوجها وترغب في أن يتكلم..ألا تلاحقه بالأسئلة..وإنَّما تسترسل في الحديث عن موضوع يحبُّه..بطريقة سلسة ناعمة.. وسوف يتجاوب معها...جربي ذلك أختي المسلمة...
وأكبر خطأ تقترفه المتزوجات حديثاً، في حقِّ أزواجهن، هو أن تدخل بيت زوجها وفي رأسها فكرة:( سأغيِّرُه نحو الأفضل )، بعدما تُحَسِّسُ المرأةُ الرجلَ بالقبول،
تستطيعُ لفت انتباهه، إلى ما تريد بغير أسلوب النُّصح، كأن تقول له:
أحبُّك كثيراً!! حينما تجلس بجانبي، وأنا متضايقة. أنت كبيرٌ في عيني، وتكبر أكثر حينما تحتويني، وأنا أشتكي لك.
مالا تعرفه المرأة عن الرجل هو أنه يصاب بدورة عاطفية شهرية..هذه الدورة لابد منها وإلا اخـتـنـق حبَّاً..الرجل بعد فترة يحس بفقدان التوازن..وبحاجة لأن يعيش مع نفسه فقط..يدخل إلى أعماقه، ويغلق عليه أبواب كهفه، والويل لمن يقـترب..وهذا سر المزاج العصبي..
وبعد أن تنتهي الدورة، قد تستمر يومين، أو ثلاثة على الأكثر.. يعود وكله حب وشوق إلى زوجته التي لا يفهم لماذا هي عصبية غير لطيفة..
غالباً..حينما يدخل الرَّجل كهفه صامتاً.. تلاحقه المرأة تظن أنه غاضب منها..وملاحقتها تزيده انسحاباً..على المرأة أن تـترك الرجل براحته..وتستقبل عودته إليها بحب وحنان.. لأنه كان بحاجة إلى هذه العزلة..
طبعاً هذا الكلام لا ينطبق على جميع الرجال، حتى نخرج من فخ التعميم، وقد توجد بعضها في رجل، ولا توجد في آخر..
إنَّ صمت الرجل هو طبيعة فطرية بالدرجة الأولى، وتأتي ثقافته فتزيد من صمته، نتيجة ازدياد الوعي والتفكير لديه؛ فيحجم عن كثرة الكلام واللغو، الذي لا فائدة منه، كما أنَّه كلما ازداد إيمانه قل كلامه، لأنَّه يدرك أنَّ أكثر خطاياه، إنَّما هي في لسانه، وأنَّ نجاته في حفظ اللسان، وبالتالي فإنَّ صمت الرجل هو دليل على وعيه وحكمته وقوته، ولكن!!.
أعتقد أنّ صمت الرجل بشكل دائم أمر ممل؛ فلكل شيء حدود، وإذا زاد الصَّمْت عن حده انقلب ضده، ويصبح الرَّجل الذي يبقى صامتاً لأوقات طويلة مملاً، لا يطيق أحد الجلوس معه، ولا يحب صداقته، وسيكون في نظر البعض إنساناً معقداً وضعيفاً، وربما أثر على عائلته، لأنَّ أولاده وزوجته يتمنون سماع قصصه والفكاهات التي يحفظها، وزوجته تتمنى أن يحدِّثَها بشكل دائم وأن يغازلها؛ وإلا ظنت أنه لا يحبها؛ فتسوء علاقتهما، وربَّما خانته مع رجل آخر، أكثر رومانسية من زوجها المعقد والضعيف في نظرها، نتيجة سكوته الدائم.
ختاماً أقول: ما أجمل الصَّمْت!! إلا أن يكون عن الحق، لأنَّ السَّاكت عن الحقِّ شيطانٌ أخرس، وإذا سكتَّ عن قول الحقِّ، فلا تقل الباطل، وقل الحق ولو على نفسك، قل الحق للحق فقط، ولا تبتغي بقول الحق نفعاً، لأنَّك بتجريدك وإخلاصك لله في قول الحق، يأتيك التأييد والنصرة والمؤازرة من الحق تبارك وتعالى.
دعا عمر بن هبيرة كلا من: الحسن البصري، وعامر بن شرحبيل المعروف بالشعبي، وقال لهما: إنَّ أمير المؤمنين قد استخلفه الله على عباده، وأوجب طاعته على النَّاس. وقد ولَّاني ما ترون من أمر العراق، ثم زادني فولاني فارس. وهو يرسل إليَّ أحياناً كتباً، يأمرني فيها بإنفاذ مالا أطمئن إلى عدالته. فهل تجدان لي في متابعتي إياه وإنفاذ أوامره مخرجاً في الدين؟.
فأجاب الشعبي: أنت مأمور، والتَّبِعة على من أمرك. فالتفت عمر بن هبيرة إلى الحسن وقال: وما تقول أنت يا أبا سعيد؟، فقال: يابن هبيرة!! خفِ الله في يزيد، ولا تخفْ يزيد في الله، واعلم أنَّ الله جلّ وعزّ يمنعك من يزيد، وأنَّ يزيد لا يمنعك من الله، يابن هبيرة!! إنَّه يوشك أن ينزلَ بك ملكٌ غليظٌ شديدٌ، لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد. يابن هبيرة!! إنَّك إن تك مع الله تعالى، وفي طاعته، يكفِك بائقة يزيد بن عبد الملك في الدنيا والآخرة. وإن تك مع يزيد في معصية الله تعالى، فإنَّ الله يكلُك إلى يزيد. واعلم يابن هبيرة!! أنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل. فأخرج عطاءهم وفضَّل الحسن بالعطاء، على الشعبي.
المصدر: المسلم
سعد العثمان
الصَّمْت.. هو العلم الأصعب من علم الكلام، يصعب أحياناً تفسيره، وهو أفضل جواب لبعض الأسئلة، وقيل قديماً: إنَّ الصَّمْت إجابةٌ رائعةٌ، لا يتقنها الآخرون.
الصَّمْت.. يمنحك طاقةً قويةً للتفكير بعمق، في كل ما يحصل حولك، والتركيز بعقلانية على إجابتك.
الصَّمْت.. يجعلك تسيِّطرُ على من أمامك، من خلال نظراتٍ محملةٍ بمعانٍ غير منطوقة، تجعلهم حائرين في تفسيرها.
الصَّمْت.. المصحوب ببعض الحركات والإيماءات، يرغم من أمامك على البوح بما في داخله، فيقول أكثر مما يريد فعلاً.
الصَّمْت.. يولِّد لدى الآخرين شعوراً بالغيظ الشديد؛ لأنَّهم يعتبرونه هجوماً مستتراً ، فتكون الأقوى من دون كلام ولا تعب.
الصَّمْت.. هو الحلُّ الأفضل أمام المشاكل الزوجية التافهة.
الصَّمْت.. في المواقف الصَّعبة يولِّد الاحترام، بعكس الصِّراع والجدل، الذي يولِّد التَّنافر والحقد.
الصَّمْت.. يدمِّر أسلحة من تتشاجر معهم، ويجرِّدهم من القدرة على مواصلة الكلام.
الصَّمْت.. يعلِّمك حسن الاستماع الذي يفتقده الكثيرون.
الصَّمْت.. عبادةٌ من غير عناء، وزينةٌ من غير حلي، وهيبةٌ من غير سلطان، وحصنٌ من غير حائط، واستغناءٌ عن الاعتذار لأحد، وراحةٌ للكرام الكاتبين، وسترٌ لعيوب فيك كثيرة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الصَّمْت:
قالوا اسكت وقد خُوصِمْتُ قلتُ لهم: إنَّ الـجوابَ لِبابِ الشـرِّ مفتـاحُ
والصَّمْتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح
أما ترى الأُسْدَ تُخْشَى وهي صامتةٌ ؟ والكلبُ يخسأُ لعمري وهـو نبَّاح
ولقد أحسن من قال: بكثرة الصَّمْت تكون الهيبة، ومن كثر صمته اكتسب من الهيبة ما ينفعه، ومن الوَحشة ما لا يضره.
وسأل رجلٌ حكيماً قائلاً:متى أصمت ؟. قال: إذا اشتهيت الكلام، فقال له: متى أتكلم ؟.قال له: إذا اشتهيت الصَّمْت. ثم قال الحكيم: كفى بالمرء عيباً، أن تراه له وجه، وليس له لسان.
أروع ما قيل في الصَّمْت:
- قال صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ". حديث صحيح.
- وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: " إذا تم العقل نقص الكلام "، وقال:
" بكثرة الصَّمْت تكون الهيبة ".
- وقال عمرو بن العاص:"الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل".
- وقال لقمان لولده: " يا بني اذا افتخر الناس بحسن كلامهم؛ فافتخر أنت بحسن صمتك ".
- وقال وهب ابن الورد: " بلغنا ان الحكمة عشرة أجزاء تسع منها بالصَّمْت والعاشر في عزلة الناس ".
- وقال الإمام الشافعي: " إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم, وإن شك لم يتكلم حتى تظهر ".
يُعذِّبُ المرأةَ كثيراً صَمْتُ الرَّجل..إنِّها لا تدري لماذا يصمت..ذاك لأنَّها لا تصمت إلا عندما تكون غاضبة، أو محبطة، أو حزينة..أما حينما ترتاح فهي تثرثر...
مالا تعرفه المرأة عن الرجل..هو أنَّ الصَّمْتَ هو الحالة الطبيعية لديه.. فهو يصمت لأنه ببساطة ليس لديه ما يقوله..
وتحاول المرأةُ أنْ تستجِرَّه للكلام..لأنَّها تعرف أنَّها إذا صمتت..فهي تنتظر منه أن يسألها..عن سر صمتها..ثم تبدأ بالأسئلة التي يضيق بها الرجل ذرعاً..ويعتبرُها تحقيقاً..ويصاب بالحيرة أمامها لأنَّه ببساطة..لا يعرف ماذا يقول..لذا فعلى حواء حينما يصمت زوجها وترغب في أن يتكلم..ألا تلاحقه بالأسئلة..وإنَّما تسترسل في الحديث عن موضوع يحبُّه..بطريقة سلسة ناعمة.. وسوف يتجاوب معها...جربي ذلك أختي المسلمة...
وأكبر خطأ تقترفه المتزوجات حديثاً، في حقِّ أزواجهن، هو أن تدخل بيت زوجها وفي رأسها فكرة:( سأغيِّرُه نحو الأفضل )، بعدما تُحَسِّسُ المرأةُ الرجلَ بالقبول،
تستطيعُ لفت انتباهه، إلى ما تريد بغير أسلوب النُّصح، كأن تقول له:
أحبُّك كثيراً!! حينما تجلس بجانبي، وأنا متضايقة. أنت كبيرٌ في عيني، وتكبر أكثر حينما تحتويني، وأنا أشتكي لك.
مالا تعرفه المرأة عن الرجل هو أنه يصاب بدورة عاطفية شهرية..هذه الدورة لابد منها وإلا اخـتـنـق حبَّاً..الرجل بعد فترة يحس بفقدان التوازن..وبحاجة لأن يعيش مع نفسه فقط..يدخل إلى أعماقه، ويغلق عليه أبواب كهفه، والويل لمن يقـترب..وهذا سر المزاج العصبي..
وبعد أن تنتهي الدورة، قد تستمر يومين، أو ثلاثة على الأكثر.. يعود وكله حب وشوق إلى زوجته التي لا يفهم لماذا هي عصبية غير لطيفة..
غالباً..حينما يدخل الرَّجل كهفه صامتاً.. تلاحقه المرأة تظن أنه غاضب منها..وملاحقتها تزيده انسحاباً..على المرأة أن تـترك الرجل براحته..وتستقبل عودته إليها بحب وحنان.. لأنه كان بحاجة إلى هذه العزلة..
طبعاً هذا الكلام لا ينطبق على جميع الرجال، حتى نخرج من فخ التعميم، وقد توجد بعضها في رجل، ولا توجد في آخر..
إنَّ صمت الرجل هو طبيعة فطرية بالدرجة الأولى، وتأتي ثقافته فتزيد من صمته، نتيجة ازدياد الوعي والتفكير لديه؛ فيحجم عن كثرة الكلام واللغو، الذي لا فائدة منه، كما أنَّه كلما ازداد إيمانه قل كلامه، لأنَّه يدرك أنَّ أكثر خطاياه، إنَّما هي في لسانه، وأنَّ نجاته في حفظ اللسان، وبالتالي فإنَّ صمت الرجل هو دليل على وعيه وحكمته وقوته، ولكن!!.
أعتقد أنّ صمت الرجل بشكل دائم أمر ممل؛ فلكل شيء حدود، وإذا زاد الصَّمْت عن حده انقلب ضده، ويصبح الرَّجل الذي يبقى صامتاً لأوقات طويلة مملاً، لا يطيق أحد الجلوس معه، ولا يحب صداقته، وسيكون في نظر البعض إنساناً معقداً وضعيفاً، وربما أثر على عائلته، لأنَّ أولاده وزوجته يتمنون سماع قصصه والفكاهات التي يحفظها، وزوجته تتمنى أن يحدِّثَها بشكل دائم وأن يغازلها؛ وإلا ظنت أنه لا يحبها؛ فتسوء علاقتهما، وربَّما خانته مع رجل آخر، أكثر رومانسية من زوجها المعقد والضعيف في نظرها، نتيجة سكوته الدائم.
ختاماً أقول: ما أجمل الصَّمْت!! إلا أن يكون عن الحق، لأنَّ السَّاكت عن الحقِّ شيطانٌ أخرس، وإذا سكتَّ عن قول الحقِّ، فلا تقل الباطل، وقل الحق ولو على نفسك، قل الحق للحق فقط، ولا تبتغي بقول الحق نفعاً، لأنَّك بتجريدك وإخلاصك لله في قول الحق، يأتيك التأييد والنصرة والمؤازرة من الحق تبارك وتعالى.
دعا عمر بن هبيرة كلا من: الحسن البصري، وعامر بن شرحبيل المعروف بالشعبي، وقال لهما: إنَّ أمير المؤمنين قد استخلفه الله على عباده، وأوجب طاعته على النَّاس. وقد ولَّاني ما ترون من أمر العراق، ثم زادني فولاني فارس. وهو يرسل إليَّ أحياناً كتباً، يأمرني فيها بإنفاذ مالا أطمئن إلى عدالته. فهل تجدان لي في متابعتي إياه وإنفاذ أوامره مخرجاً في الدين؟.
فأجاب الشعبي: أنت مأمور، والتَّبِعة على من أمرك. فالتفت عمر بن هبيرة إلى الحسن وقال: وما تقول أنت يا أبا سعيد؟، فقال: يابن هبيرة!! خفِ الله في يزيد، ولا تخفْ يزيد في الله، واعلم أنَّ الله جلّ وعزّ يمنعك من يزيد، وأنَّ يزيد لا يمنعك من الله، يابن هبيرة!! إنَّه يوشك أن ينزلَ بك ملكٌ غليظٌ شديدٌ، لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد. يابن هبيرة!! إنَّك إن تك مع الله تعالى، وفي طاعته، يكفِك بائقة يزيد بن عبد الملك في الدنيا والآخرة. وإن تك مع يزيد في معصية الله تعالى، فإنَّ الله يكلُك إلى يزيد. واعلم يابن هبيرة!! أنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل. فأخرج عطاءهم وفضَّل الحسن بالعطاء، على الشعبي.
المصدر: المسلم