الصلاة وفضلها

1433/06/19 - 2012/05/10 06:50AM
الحمد لله الذي جعل الصَّلاة عماد الدين، وفرضها كتابًا موقوتًا على المؤمنين، وألْزمهم بها في محْكم القُرآن المبين، أشْهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنار طريق الهدى بشرعِه المتين، وأدَّب المؤمنين بفضائل هذا الدِّين، وأشهد أنَّ سيِّدنا وحبيبَ قلوبِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، إمام المتَّقين وأوَّل الطَّائعين والخاشِعين، اللَّهُمَّ صلِّ عليْه في الأوَّلين والآخِرين، وارضَ اللَّهُمَّ عن آلِه الطَّيبين الطَّاهرين، وعن صحابته الغرِّ الميامين، وعن التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
عبادَ الله، قبلَ بعثة النبيّ كانت هذه الأمّة في مؤخِّرة ركبِ الأمم في العبادةِ والتديُّن والقوّة والظهور والأخذِ بأسباب الدنيا والسَّبق فيها، حتّى أكرمها الله تعالى ببِعثةِ سيِّد البشَر محمّد ، فما هي إلاّ سنواتٌ حتّى فاقت أممَ الأرض قاطبةً في جميع المجالات، فبالحقِّ سادت، ثمّ بالخير جادَت، ولا زالت حضارتُها وسُلطانها في مدٍّ وجَزر حتى وقتِنا الحاضِر وزمانِنا المتأخِّر، والذي يُشكَى حالُ الأمّة فيه إلى الله، حيث تسلّط الأعداء، فاحتلّوا بعضَ ديارها، وانتقَصوا مِن أطرافها، وانتهَبوا خيراتِها، وغزَوا المسلمين في دينهم وفي فكرِهم، مع فُرقةٍ في المسلمين وشتاتٍ في الرّأي واختلافٍ زادَ في تمكينِ الأعداء عليهم.
ومنذ سنينَ عِدّة والمنتسبون لأمّة الإسلام يتنافسون في كشفِ الدّاء وتوصيفِ الدّواء، فمِن ناسبٍ ضعفَ المسلمين إلى أسبابٍ مادّية أو أسبابٍ حضاريّة وفكريّة ، الجميعُ ينظرون ويجتهِدون، وكلّ حزبٍ بما لديهم فرحون.
بل وصَل الحال ببعض بني المسلمين إلى اتّهام الإسلام نفسِه أو بعضِ شرائِعه.
إلاّ أنّ المتأمّلَ في تاريخ الأمّة الإسلاميّة منذ نشأتها والمتبصّر في منهاجِها ودستورِها يعلَم داءَها ودواءَها وسقمَها وشِفاءها، يعلَم علمَ اليقين أسبابَ الضّعف المُهين، كما يعلَم أسبابَ النّصر والتّمكين.
إنَّ استمدادَ ذلك العِلم ليس من البشر، بل من خالق البشَر سبحانه حَكم بقوله: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، والذي قال جلَّ شأنه: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165].
كما أنَّ الناظرَ أيضًا يعلم أنَّ رياحَ التغيير لا تهبّ من فَراغ، وأنَّ الإصلاحَ يبدأ مِن النّفس، إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرّعد: 11]، كما يعلم أنّ الهدايةَ تأتي بعد المجاهدة، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69].
وحالُ الأمّة وواقعُها المؤلم سببُه التقصيرُ في الأخذِ بأسباب النصر الحقيقيّة التي لا نصرَ بدونها، فنحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، مهما ابتغَينا العزّةَ بغيره أذلّنا الله؛ لذا لا بدّ من المحاسبة على هذا المنهاج، يجب أن يتفقّد المسلمون حالَهم مع دينهم وعلاقتَهم بربِّهم.
فهَلِ استَكَانَت الأمة لِرَبِّهَا وَخَضَعَت لِخَالِقِهَا؟ هَلِ اتَّصَلَت بِهِ وَتَقَرَّبَت إِلَيهِ وَقَوَّت عِلاقَتَهَا بِهِ؟ لِنَبدَأْ بِأَنفُسِنَا وَلْنَنْظُرْ مَا حَالُنَا ؟ هَلِ اكتَظَّت بِنَا المَسَاجِدُ وَضَاقَت بِنَا الجَوَامِعُ؟ هَل بَادَرنَا إِلى الصَّلاةِ حَالَ سَمَاعِ الأَذَانِ وَتَسَابَقنَا إِلى الصُّفُوفِ الأُوَلِ؟ هَل بَكَّرنَا إِلى الجُمَعِ وَحَافَظنَا عَلَى الجَمَاعَاتِ وَانتَظَرنَا الصَّلاةَ بَعدَ الصَّلاةِ؟ اللهُ -تَعَالى- يَعلَمُ وَالمُؤمِنُونَ يَرَونَ وَيَشهَدُونَ أَنَّ الوَضعَ يَسِيرُ في اتِّجَاهٍ مُعَاكِسٍ وَيَأخُذُ طَرِيقًا مُضَادًّا، سَلُوا صَلاةَ الفَجرِ كَم يَشهَدُهَا؟ وَانظُرُوا إِلى تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ كَم يُدرِكُهَا؟
وَتَتَبَّعُوا النَّوافِلَ الرَّاتِبَةَ كَم يُحَافِظُ عَلَيهَا وَيَحرِصُ عَلَى استِكمَالِهَا؟ وَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ وَانصَرَفَ مِن صَلاتِهِ فَاحصُرُوا الَّذِينَ يُتِمُّونَ بَعدَهُ وَيُكمِلُونَ صَلاتَهُم فُرَادَى، ثم انظُرُوا وَتَفَكَّرُوا وَتَأَمَّلُوا: كَم يَبقَى النَّاسُ في المَسَاجِدِ بَعدَ الصَّلَوَاتِ؟ وَهَل يَنشَغِلُونَ بِالدُّعَاءِ وَتَردِيدِ الأَذكَارِ، أَم يُعَجِّلُونَ بِالانصِرَافِ وَيُسرِعُونَ بِالفِرَارِ؟
إِنَّهَا لأَحوَالٌ عَجِيبَةٌ وَأَوضَاعٌ غَرِيبَةٌ، يَترُكُ النَّاسُ عَمُودَ دِينِهِم وَتَضعُفُ صِلَتُهُم بِرَبِّهِم، وَيَتَسَاهَلُونَ في صَلاتِهِم وَلا يُقِيمُونَهَا -كَمَا أُمِرُوا-، ثم يَستَنكِرُونَ أَن تُرفَعَ عَنهُمُ العَافِيَةُ وَيَحِلَّ بِهِمُ البَلاءُ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِن ظُهُورِ الغَلاءِ وَانتِشَارِ الوَبَاءِ، وَيَستَغرِبُونَ أَن تَقِلَّ الأَمطَارُ في دِيَارِهِم وَتَغُورَ المِيَاهُ في آبَارِهِم.
إِنَّ العَاقِلَ لا يَعلَمُ كَيفَ يَستَطِيعُ مُجتَمَعٌ أَن يُوَاجِهَ مُتَغَيِّرَاتِ الحَيَاةِ وَهُم عَن صَلاتِهِم سَاهُونَ ؟!
وَإِنَّهُ مِن غَيرِ المُتَصَوَّرِ مِن ذَلِكَ الإِنسَانِ الهَلُوعِ الجَزُوعِ أَن يُقَاوِمَ تَيَّارَاتِ الحَيَاةِ المُتَزَاحِمَةَ أَو يَصمُدَ أَمَامَ أَموَاجِهَا المُتَلاطِمَةِ وَهُوَ تَارِكٌ لِلصَّلاةِ مُتَهَاوِنٌ بها!! قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلا-: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا * إِلاَّ المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِم غَيرُ مَأمُونٍ * وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ) فَهَذِهِ طَبِيعَةُ الإِنسَانِ وَتِلكَ جِبِلَّتُهُ، ضَعِيفٌ هَلُوعٌ جَزُوعٌ مَنُوعٌ، لا يَتَحَمَّلُ الضَّرَّاءَ وَلا يُحسِنُ التَّصَرُّفَ في السَّرَّاءِ، وَلا يُخَلِّصُهُ مِن ضَعفِهِ وَلا يُنجِيهِ مِن خَوَرِهِ إِلاَّ أَن يَكُونَ مِنَ المُصَلِّينَ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَغَيَّرُ طَبِيعَتُهُ وَتَتَبَدَّلُ حَالُهُ؛ إِذْ تَتَنَزَّلُ عَلَيهِ السَّكِينَةُ مِن رَبِّهِ وَيَزدَادُ يَقِينًا وَصَبرًا، وَتَعظُمُ هِمَّتُهُ وَيَسمُو مَطلَبًا وَيَطمَئِنُّ نَفسًا، وَيَقوَى عَلَى تَقَلُّبَاتِ الحَيَاةِ قَلبُهُ، وَيَصلُبُ أَمَامَ المَصَائِبِ عُودُهُ، وَيَتَّصِفُ بِتِلكَ الصِّفَاتِ العَظِيمَةِ وَيَتَرَفَّعُ في المَنَازِلِ الكَرِيمَةِ.
وَإِنَّ بَدءَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الجَلِيلَةِ وَالخِلالِ الجَمِيلَةِ بِالمُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّلاةِ وَخَتمَهَا بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ؛ إِنَّهَا لَتُؤَكِّدُ أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ بِدَايَةُ الخَيرِ وَنِهَايَتُهُ، وَأَوَّلُ الفَلاحِ وَآخِرُهُ، وَمُنطَلَقُ الكَمَالِ وَغَايَتُهُ؛ فَأَهلُ الصَّلاةِ هُمُ المُؤَدُّونَ لِحُقُوقِ المَالِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُم أَهلُ الخَشيَةِ مِنَ اللهِ وَالخَوفِ مِن لِقَائِهِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الرَّاعُونَ لِلأَمَانَاتِ المُوفُونَ بِالعُهُودِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الحافِظُو الفُرُوجِ الغَاضُّو الأَبصَارِ، وَفَوقَ هَذَا فَأَهلُ الصَّلاةِ هُم أَهلُ الجَنَّةِ (أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ).
فكيف ترجو أمّة نصرَ ربِّها إذا ضيَّعت صِلَتها به وعجزت عن القيام بفَرضه؟! إنّ الذين يفرِّطون في هذه الصّلوات لا يستحقّون إكرامًا ونَصرًا مِن الخالق ولا مِن المخلوقين.
إنّ الصلاةَ أوّل شروط النصرِ والتمكين، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج: 41]
فكيف يُنصَر المسلمُ أو يُوفَّق إذا ترك الصلاةَ، وقد جُعِل سببَ دخول النار؟! مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر: 42، 43]،
وفي وصفِ الوجوهِ الباسرة: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة: 31، 36].
لا حظَّ في الإسلام لِمَن ترك الصَّلاة، ولا سعادةَ في الدنيا لمن ترك الصلاة، ولا نَعيم في القبر لمن ترك الصلاة، ولا أمانَ يوم الحشْر لمن ترك الصلاة.
قال تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] إلى أن قال سبحانه: فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً [النساء:103]
الله أكبر! أي دليل أعظم من هذا يبرهن على وجوب الصلاة وصلاة الجماعة ؟ ففي حال الحرب والأشلاء تمزق والرؤوس تفارق الأجساد، والدماء تسيل، والخوف قد ملأ النفوس، يوجب الله صلاة الجماعة، ليس هذا فحسب، بل ويأتي الشرع الحكيم بصفات متعددة لصلاة الخوف بكيفيات مختلفة تتناسب وحال المقاتلين في كل عصر وموقعة.
جاء عبدالله بن أمِّ مكتوم، وهو الرَّجُل الأعْمى إلى رسولِ الله  فقال: يا رسولَ الله، إنِّي رجُل ضرير البَصَر، بعيدُ الدَّار، وليس لي قائد يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فهل لي رخصةٌ أن أصلِّي في بيتي؟ قال: "هل تسمع النِّداء؟ -وفي رواية: أتسمع: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح؟" قال: نعم، قال: "لا أجد لك رخصة"، وفي رواية: "قَالَ فَأَجِبْ" رواه مسلم وغيره.
وقد جمع في ابن أم مكتوم ستَّة أعذار:
فهو ضرير البصر وكبير السن، ولايوجد معه قائد يُرافقه، ودارِه بعيدة عن المسجد، وبيْنه وبين المسجد نخل وشجر وهوامّ وسباع،
ومع هذا كله لَم يرخِّص له  ليصلِّي في بيته!
فكيف يصنع وماذا يقول من هو آمن في بيته يهنأ بطيب العيش ورغد الحياة، قد متعه الله بالعافية، في بدنه وسمعه وبصره، ثم يستثقل خطوات يخطوها إلى المسجد في دقائق معدودة ليبقى حبيس الهوى والكسل؟
فلننظُر في صلاتنا: أين نصلّيها، وكيْف نصلِّيها، ومتَى نصلِّيها؟ هل هي تؤثِّر في حياتِنا أم أنَّ حياتَنا المؤثِّرة فيها؟ ولننظُر إلى حالنا في صلاتنا: مَن يقرأ الآية من القرآن ويبكي؟! مَن تتفطَّر قدماه من أثر الوقوف والسجود؟! مَن يقضي أدْنى من ثُلُثَي اللَّيل ونصفه وثلثه قائمًا بين يدَي الله؟!
لا بدَّ أن نؤدِّيَ الصَّلاة كما يحب الله ويرضى، نؤديها في خشوع وإنابة، نُقيمها في بيوت أذِن الله أن تُرفع ويُذْكَر فيها اسمه، فالصَّلاة حياتُنا، والصلاة نجاتنا، والصَّلاة نورُنا في الدنيا والآخرة.
اللَّهمَّ تقبَّل منَّا صلاتَنا، واجعلْها اللهُمَّ في قلوبنا، اللهُمَّ نوِّر بها صدورنا، ويسِّر بها أمورنا، واجعلنا من الطَّائعين واكتبنا من الخاشِعين برحمتك يا أرحم الراحمين.


الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الطائعين، نحمَده -سبحانه وتعالى- ما سبَّحتْ بحمْدِه ألسنة الذَّاكرين، وأشهَد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، نستغْفِرُه ونتوب إليْه وبه نَستعين، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَ قلوبِنا محمَّدًا عبدُه ورسوله، نبيّ المتَّقين وإمام المرْسلين، صلَّى الله عليْه وعلى آلِه وأصحابِه والتَّابعين، ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
معاشر المؤمنين: أتى النبي  إلى المقبرة فوقف على قبورها فنظر إليهم -أي إلى قبور الصحابة- وذهب يناجيهم بعينيه وبقلبه دون لسانه، وأخذ شريط الذكريات وصفحات الحب والعزة والتضحية يعرض أمام عينيه، فذاك قد مات بين يديه، وذاك توفي في غزوة أحد، وذاك في الخندق، وذاك ببدر، وذلك بذل ماله، والآخر دمه، والآخر هاجر بدينه، افتقدت الأجساد وبقيت الأعمال والأفعال، كلهم أصحابه، وكلهم عاشوا معه، حدَّثوه وحدثهم، وجالسوه وجلس معهم، أنِسوا بحديثه وأنس بحديثهم، فلما وقف على قبورهم قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"، ثم قال: "وددت أنا قد رأينا إخواننا "، قالوا: يا رسول الله، أوَلسنا إخوانك؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد"، أي: لم يصلوا إلى الدنيا بعد، فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ ؟ قال: "أرأيتم لو أن رجلا له خيل غُرّ محجلة -يعني في أطرافها بياض وفي جبينها- في ظهر خيل بهم -أي: سوداء- ألا يعرف خيله؟"، قالوا: بلى يا رسول الله،
قال: فإنهم يأتون غُرَّاً مُحَجَّلِينَ من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض،
ألا ليذادنَّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: "سحقا سحقا!"رواه مسلم.
يوم القيامة أناسٌ أياديهم وسواعدُهم وأرجلُهم ووجوهُهُم بيضاءُ مِن أثَر الوضوء، كانوا يتوضؤون في الدنيا، فبعُدا ثم بعدا ثم بعدا للذي لا يعرف الوضوء! بعداً لمن لم يركع لله ركعة! بعدا لا يعرفه محمد .
أيها الأخ المبارك: ألا تحب أن تكون أخا لرسول الله ؟ إن رسول الله  قد جعل لكم موعداً، فقال: إني أنتظركم على الحوض، فقابلوني هناك! أتخلفون موعد رسول الله  ؟! مَن أراد الأخوة فإنه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، فالحوض موجود، ومحمد  صادق، وسينتظرنا على الحوض -عليه الصلاة والسلام-.
لكن؛ مَن الذي سينال هذا الشرف ويحظى بمقابلة النبي  ؟
إنهم المحبون، الصادقون في المحبة.
ولو جلس شخص عند الباب وسأل كل الموجودين هنا هل: تحبون رسول الله ؟ كلنا سنقول: نعم.
لكن هل نحن صادقون في محبة النبي  ؟.
لو كان حبُّكَ صادقاً لأطَعْتَهُ *** إنَّ المـــُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مطيع

إذا كنا كذلك فلنحن ظهورنا ولنسجد لربنا، فأول أسباب المحبة لله والمحبة لرسوله  الصلاة، فمن ضيعها فقد أضاع دنياه وآخرته.
اللَّهُمَّ زِدْ في إيمانِنا ويقيننا واجعلنا من عبادك الطَّائعين، اللَّهُمَّ تقبَّل بفضلك أعمالَنا وحقِّق بالزيادة آمالنا، واجبُر برحمتك أحوالنا، وتجاوز عن السيئات من أفعالنا، اللهم واختِمْ بالسَّعادة آجالنا، واجعل إلى جناتِك مصيرَنا ومآلنا.
اللَّهُمَّ أصلِحْ لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتَنا الَّتي إليْها معادنا، برحمتِك يا أرحم الرَّاحمين،
يا خالقَ الخلق أجمعين يا مُجيب السائلين، نسألُك اللَّهُمَّ أن تعزَّ الإسلام وتنصر المسلمين، وأن تجمع المسلمين على شرائِع هذا الدين، وأن تُعلي رايات العزَّة والنَّصر فوق أرض المسلمين.
اللَّهُمَّ أمِّنا في دورِنا ووفِّق إلى الخير والصَّلاح ولاة أمورنا، واجعَل اللهُمَّ بلدَنا آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 1693 | التعليقات 0