الصلاة والتسليم على النبي الكريم -

محمد بن عبدالله التميمي
1441/02/25 - 2019/10/24 20:17PM

عباد الله.. إن نبيَّكم مُحَمَّدًا –صلى الله عليه وسلم- رَسُولُ الله وأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، الْمَبْعُوثُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ وَالْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَإِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ.. افْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ، شَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، وبِحَسَبِ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - تَكُونُ الْعِزَّةُ وَالْكِفَايَةُ وَالنُّصْرَةُ والْهُدَى وَالْأَمْنُ وَالْفَلَاحُ وَالْوِلَايَةُ وَالتَّأْيِيدُ وَطِيبُ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ أَقْسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَأَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ مَنْ لَا يُحَكِّمَهُ فِي كُلِّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ يَرْضَى بِحُكْمِهِ، وَلَا يَجِدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا حَكَمَ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ لَهُ تَسْلِيمًا وَيَنْقَادَ لَهُ انْقِيَادًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمحمد - صلى الله عليه وسلم - لما كان أكمل الناس فيما يستحق به الصلاة من الإيمان وتعليم الخير وغيرِ ذلك، كان له من الصلاة عليه خبرا وأمرا، خاصية لا يوجد مثلها لغيره –صلى الله عليه وسلم- ..[فقد] أمر الله أمر بالصلاة عليه والتسليم بعد أن أخبر أن الله وملائكته يصلون عليه): {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، قال رحمه الله: (والصلاة تتضمن ثناء الله عليه ودعاء الخير له وقربته منه ورحمته له والسلام عليه يتضمن سلامته من كل آفة فقد جمعت الصلاة عليه والتسليم جميع الخيرات) وقال: (فلم يرد في الشرع الأمر بالسلام على معين مع مغيبه إلا عليه -صلى الله عليه وسلم-)، وقد جاء في السنة أمره -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة عليه، روى ذلك اثثان وأربعون صحابيًا .

عباد الله.. ومن عرف عظيم الأجر نَشِط لذلك أكثر، فإليكم طرفا من فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صلى علي واحدة، صلى الله عليه عشرًا) رواه مسلم، وروى أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أنه سمع  النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمَن سأل الله لي الوسيلة حلَّت له الشَّفاعة).

وروى الإمام أحمد والترمذي من حديث أبيّ بن كعب قال: (قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: (ما شئت)، قلت: الربع؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خير لك)، قلت: النصف؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خير لك)، قلت: الثلثين؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خير لك)، قلت: أجعل صلاتي كلها لك؟ قال: (إذًا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك) .

وعن أنس -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- (من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات) .

عباد الله.. وللصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- فوائد جليلة ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- جملة منها، فمن ذلك: امتثال أمر الله تعالى، ومنها: موافقته سبحانه في الصلاة عليه، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف، ومنها: موافقة ملائكته فيها، ومنها: حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة، ومنها: أنه يرفع عشر درجات، ومنها: أنه يكتب له عشر حسنات، ومنها: أنه يمحى عنه عشر سيئات، ومنها: أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، ومنها: أنها سبب لشفاعته -صلى الله عليه وسلم- إذا قَرَنها بسؤال الوسيلة له، ومنها: أنها سبب لغفران الذنوب، ومنها: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أَهَـمَّه، ومنها: أنها سبب لقرب العبد منه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، ومنها: أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها، ومنها: أنها سبب لمحبته -صلى الله عليه وسلم- للعبد، ومنها: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، ومنها: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه -صلى الله عليه وسلم- (إن صلاتكم معروضة علي)، وكفى بالعبد نُبلًا أن يُذكر اسمُه بين يدي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنها: أن الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- أداءٌ لأقلِّ القليل من حقه، وشكرٌ له على نعمته التي أنعم الله علينا، ومنها: أنها متضمنةٌ لذكر الله وشكرِه، ومنها: أن صلاة العبد عليه -صلى الله عليه وسلم- دعاء وسؤال أن يثني على خليله -صلى الله عليه وسلم-، ونصوص الكتاب والسنة متظاهرة بأن الله أمرنا أن نصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ونسلم عليه، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- .

الخطبة الثانية

عباد الله.. إن للصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- مواطن كثيرة، فمنها: في الصلاة في آخر التشهد، كما أجمع المسلمون على مشروعيته، ومنها: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وهذا جاء عن الشافعي -رحمه الله- واختيار سماحة الشيخ ابن باز، ومنها: آخر القنوت، جاء في حديث عند النسائي واستحبه الشافعي، ومنها: بعد التكبيرة الثانية في صلاة الجنازة، ولا خلاف في مشروعيتها فيها، ومنها: في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين، والاستسقاء، وغيرها، واختيار الإمامين الشافعيِّ وأحمدَ عدمُ صحة الصلاة إلا بها، ومنها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة، كما تقدم، ومنها: عند الدعاء، كما في حديث فَضالة بن عُبيد –رضي الله عنه-: (سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يدعو في صلاة لم يحمد الله ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (عجل هذا) ثم دعاه، فقال له أو لغيره: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بما شاء)، ومنها: عند دخول المسجد وعند الخروج منه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(والصلاة والسلام عليه عند دخول المسجد مأثور عنه -صلى الله عليه وسلم- وعن غير واحد من الصحابة والتابعين)، ومنها: عند اجتماع القوم قبل تفرقهم: كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما جلس قوم مجلسًا فلم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء أخذهم) أخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، ومنها: عند ذكره -صلى الله عليه وسلم-، وقد جاء في الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي)، وفي المسند والسنن من حديث الحسين بن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)، فهذه المواطن كلها في كل الأيام، ومن المواطن ما هو من خصائص يومكم هذا -يومِ الجمعة-، كما في المسند والسنن من حديث أوس بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي) .

قال ابن القيم –رحمه الله-: (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ الْأَنَامِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، فَلِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مَعَ حِكْمَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمَّتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّمَا نَالَتْهُ عَلَى يَدِهِ، فَجَمَعَ اللَّهُ لِأُمَّتِهِ بِهِ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَأَعْظَمُ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ، فَإِنَّمَا تَحْصُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ فِيهِ بَعْثَهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَقُصُورِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَوْمٌ فِيهِ يُسْعِفُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِطَلَبَاتِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ، وَلَا يَرُدُّ سَائِلَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا عَرَفُوهُ وَحَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ وَعَلَى يَدِهِ، فَمِنْ شُكْرِهِ وَحَمْدِهِ وَأَدَاءِ الْقَلِيلِ مِنْ حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُكْثِرَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَيْلَتِهِ) .

[من كلام ابن القيم، وبعضٌ من كلام شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله]

المرفقات

والتسليم-على-النبي-الكريم-26-صفر-1441

والتسليم-على-النبي-الكريم-26-صفر-1441

المشاهدات 696 | التعليقات 0