الصلاة نور
حسين بن حمزة حسين
إِنَّ الحَمدَ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً.. أَمَا بَعْدُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
روى أحمد والترمذي بسند صحيح من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله خلق خلقَه في ظلمةٍ، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومَن أخطأه ضلَّ)) ، فالأصل أن الإنسان خُلِق في ظلمة، فهو بحاجة إلى نور من الخالق جل جلاله قال تعالى : ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: ( والصلاة نور) ، وسوف نقف في خطبتنا بإذن الله، ونتعرف على شيء من النور الذي جعله الله عز وجل في الصلاة ، فالصلاة نور لأهل الإيمان، نور بكل ما تعنيه كلمة نور من معنى، فالآذان نور، فحين يرفع المؤذن شهادته: (أشهد أن لا إله إلا الله) فذلك نور ، قال صلى الله عليه وسلم والحديث عند أحمد بسند صحيح: ((إني لأعلم كلمة لا يقولها العبد عند موته إلا كانت له نورًا في صحيفته، وإن جسده ليجد لها راحة عند الموت؛ يعني: لا إله إلا الله)، والوضوء نور قال صلى الله عليه وسلم ((إن أُمتي يدعون يوم القيامة غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء))؛ متَّفق عليه، وعند مشيه إلى الصلاة يضيف نورًا على نور ،قال صلى الله عليه وسلم: ((بشِّر المشائين في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التامِّ يوم القيامة))؛ رواه أبو داود، فيزداد نورًا على نور، ثم يدعو بدعاء الطريق إلى المسجد؛ كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل مِن خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم أعطني نورًا))؛ متفق عليه، فهو في نور على نور على نور .. ثم يدخل المسجد وهو بيت النور؛ قال جل وعلا: ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ﴾ ، ثم يصلي ركعتين قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((صلُّوا ركعتين في ظُلَم الليلِ لِظلمة القبور))، ثم يجلس ينتظر الصلاة ، والملائكة من حوله تستغفر له طول انتظاره ، والملائكة مخلوقات من نور ، ثم تُقام الصلاة، فيقرأ الإمام القرآنَ، والقرآن كله نور ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ ، فإذا قرأ سورة الفاتحة يأتيه من نورها؛ كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "بينا جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا بابٌ من السماء يُفتح اليوم لم يُفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملكٌ، فقال: هذا ملكٌ نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلَّم وقال: أبشِر بنورين أُوتيتهما لم يُؤتهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منها إلا أُعطيته، فيزداد نورًا على نور".
نفعني الله وإياكم بما سمعنا، وجعلنا ممن يسمع القول فيتبع أحسنه
الخطبة الثانية
أهل الصلاة هم أهل النور حتمًا: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾،بينما أهل النفاق خلاف ذلك: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ﴾؛ لأنهم لا يعرفون قدر الصلاة ومكانتها خابوا وخسروا : ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].
إخوة الإيمان: روي أن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن النَّبِيٌ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ذكر الصَّلاةَ يومًا فقالَ: من حافَظَ عليها كانت لَه نورًا وبُرهانًا ونجاةً إلى يومِ القيامةِ، ومن لَم يُحافِظ عليها لم يَكن لَه نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ وَكانَ يومَ القيامةِ معَ فرعونَ وَهامانَ وأبَيِّ بنِ خلفٍ
فيا مَن أراد النجاة في الدنيا والآخرة، الصلاةَ الصلاةَ وصيَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وميراثه، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من الذين يقيمون الصلاة كما يحب ربنا ويرضاه ، نقيمها كاملة بأركانها وشروطها وواجباتها وسننها راكعين ساجدين خاشعين ....
اللهم صل وسلم وبارك على محمد