الصلاة عمود الإسلام وواجب القيام بالمسؤولية تجاه الأهل والذرية

محمد بن عبدالله التميمي
1440/10/16 - 2019/06/19 08:06AM

الخطبة الأولى

الحمد لله.. حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مِلْءَ السموات وملء الأرض ، وملء ما بينهما و ما فيهما ، فالكون كلّه ناطق بحمده ، و الخلق و الأمر كلّه صادر عن حمده ، و قائم بحمده، و كلّ موجود شاهد بحمده، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له لا حد لمجده ولا مُنتهى لحمده، وأشهد أن محمدا رسول الله وعبدُه، القائمُ بحمده، وإرشادِ الناس لعبادة ربه وحمده، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله بالقيام بما أوجب الله، والمجافاةِ عما عنه نهى الله، مجافاةٍ عن الكبير منها والصغير، فإنَّ العبدَ لا يزال يرتكب الذنوب حتى تَهُونَ عليه وتَصْغُرَ في قَلْبِه، وتلك هي عَلامة الهلاك، فإنَّ الذَّنبَ كُلّما صَغُرَ في عين العبدِ عَظُمَ عند الله تعالى..

عباد الله.. إنها العمود، الذي بثباته يكون للبناء بقاء، وإن تَهدَّمت منه أجزاء فتُصلَحُ ما دام العمود باقيا، إنها الصلاة.. الركنُ الثاني من أركان الإسلام، والعمودُ له بوصف نبينا عليه الصلاة والسلام، الصلاة التي هي العهد وبها البَينِيَّة بين الكفر والشرك، في صحيح مسلم من حديث جابر  أن النبي قال: "بين الرجل وبين الكفر والشرك، ترك الصلاة"، وثبت في السنن من حديث بريدة بن الحُصَيب  أن النبي  قال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، وقالَ عمرُ بنِ الخطّاب :  "لا حظَّ في الإسلامِ لمن تركَ الصَّلاةِ"، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود  أنه قال: " مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحافِظْ على هَؤُلاءِ الصَّلَواتِ حَيْثُ يُنادى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الهُدى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَما مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَساجِدِ، إلّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوها حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بها دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بها سَيِّئَةً، وَلقَدْ رَأَيْتُنا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْها إلّا مُنافِقٌ مَعْلُومُ النِّفاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتى به يُهادى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتّى يُقامَ في الصَّفِّ"

عباد الله.. إن الصلاة أول ما يجري فيه حساب المرء على عمله، كما في الترمذي أن النبي  قال: " إنَّ أوَّلَ ما يُحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه، فإن صلُحتْ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقدْ خاب وخسِر" فهي أول منظور فيه من عمل المرء، فهذا الذي لا يصلي، بل كان مضيّعاً لها، كيف يكون النظر في سائر أعماله؟ كيف يكون حاله عند الحساب؟!

إن هذه الصلوات هي أفضل العمل، كما في صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو  أنَّ رجُلًا جاء إلى رسولِ اللهِ فسأَله عن أفضلِ الأعمالِ قال: فقال : (الصَّلاةُ) قال: ثمَّ مَهْ؟ قال: (ثمَّ الصَّلاةُ) قال: ثمَّ مَهْ؟ قال: (ثمَّ الصَّلاةُ) ثلاثَ مرّاتٍ .

عباد الله.. إنه لو قال عظيم من أهل الأرض لأحدنا: "أنت في جواري" فإن الإنسان يشعر بالأمان، والطمأنينة، وتتلاشى عنه المخاوف، وإن الله تبارك وتعالى يجعل الذي صلى الصبح في جواره، كما في صحيح مسلم أن النبي  قال: " مَن صَلّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ، فإنَّه مَن يَطْلُبْهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ على وَجْهِهِ في نارِ جَهَنَّمَ" قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: "صلاة الفجر لها شأن عظيم، فصاحبها في ذمة الله وأمانه وعهده،ومن تعدى عليه فالله سيطلبه بهذه الذمة التي خانها".

عباد الله.. وإن الله تعالى وصف حال المنافقين مع الصلاة، بما يجعل المؤمنَ يتمسك بإيمانه وينأى عن النفاق ويأباه، فقال الله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، وقال: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلا" رواه مسلم، يقول ابن القيم : فهذه ست صفات في الصلاة من علامات المنافق: الكسلُ عند القيام إليها، ومراءاةُ الناس في فعلها ، و تأخيرُها عن وقتها ، ونقرُها ، و قلةُ ذكرِ الله فيها ، و التخلفُ عن جماعتها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله الحميد، ذي العرش المجيد، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسولُه، المرسلُ رحمةً للعالمين، فالشرعُ بجميع تفاصيله يُسْرٌ ورحمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:      فاتقوا الله عباد الله.. وأقيموا العمود لدينكم، وأقيموا عمود من ولاه الله أمركم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، وفي الصحيحين أنه قال: "كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، فالإمامُ راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والرجلُ راعٍ في أهلِه، وهو مسؤولٌ عن رعيّتِه" وقد قال رب العزة على لسان إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي)، وقال على لسان إسماعيل : (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)، وقال على لسان عيسى : (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)، من وصايا لُقمانَ لابنه أَن قَالَ: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالمَعرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِرْ عَلَىَ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ) وأمر الله محمداً بقوله: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ)، وبقوله: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ).

عباد الله.. إن كثيرا يشكو ولده، وإن إقامةُ الصلاة لمقيمة لهم -بصلاح دينِهم وتَيَسُّرِ دنياهم ورزقِهم- (إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَىَ عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ) (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) فاتقوا الله فيهم وأبشروا.

وإن الحال كان في رمضان يَسُرّ –لا فيه كلِّه، وإنما في المغرب والفجرِ منه- فأين أولئك عن شهود الصلوات سائر العام أَهُم من هجمة الموت في غير رمضان في مأمن؟! "كن ربانيا ولا تكن رمضانيا"  {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} والمرء على مات يُبعث، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكَوْر، ومن الضلالة بعد الهدى.

ثم اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم صلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير كما قال ربكم العلي القدير: ....

المرفقات

عن-عمود-الإسلام-ووجوب-القيام-بالمسؤول-4

عن-عمود-الإسلام-ووجوب-القيام-بالمسؤول-4

المشاهدات 783 | التعليقات 0