الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ 1443/11/18هـ
عبد الله بن علي الطريف
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ 1443/11/18هـ
الحمد لله الذي فرض الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانا، وجعل صلاة الفجر لمن أقامها بوقتها نوراً وبرهناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالِقُنا ومولانا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أخشى الناس لربه سرّاً وإعلانا.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد أيها الإخوة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. قالت أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ حُضِرَ، جَعَلَ يَقُولُ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ».. فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِهَا، وَمَا يَكَادُ يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. وفي رواية قالت: «كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيصُ بِهَا لِسَانُهُ. يلجلجها: أي: يردِّدُها، ويكررها، من شدة الاهتمام بها. يفيض يجري ويسيل. رواه أحمد قال شاكر: وهو صحيح لغيره.
أحبتي: تأملت هذه الوصية النبوية.. وسألت نفسي لماذا أوصى بها ﷺ في هذا الوقت العصيب من حياته وهو في النزع؟ ولماذا رددها فقال: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ»؟!
فتبين لي أن النبي الله ﷺ فعل ذلك لأن للصلاة في الإسلام منزلة عظيمة لا تعدلها منزلةٌ لأي عبادة أخرى.!! فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ» رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه. لماذا لا يوصي بها والصلاة المفروضة تطفئ النيران المستعرة بسبب الذنوب، قال ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا يُنَادِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمْ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَأَطْفِئُوهَا بِالصَّلَاةِ». رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وهو حديث حسن لغيره عن أنس رضي الله عنه.
أحبتي: وأعظم الصلوات المفروضة صلاة الفجر التي خصصت بنداء جميل، وبدعوة جليلة يطلقها المؤذن فيقول في ندائها: الصلاة خير من النوم.. ثم يعيدها تأكيدًا لها الصلاة خير من النوم.!! فهل فكرنا في هذا النداء وتأملناه.!
أخي الكريم: هل أنت ممن منَّ الله عليهم وسمعت هذا النداء.؟ ثم لبيته لتفوز بما أعده الله لملبيه.. أم أنت ممن يغطون في سبات عميق قد حرموا أنفسهم خير إجابته.!
أما علم هؤلاء أن الصلاة خيرٌ من النوم.! فالنوم استجابة لنداء النفس الأرضي.. أما النهوض إلى أداء الصلاة في وقتها فهو استجابة لنداء الله تعالى العلوي..
الصلاة خير من النوم.! لأن النوم موت.. والصلاة حياة.. ولأن النوم راحة للبدن والصلاة راحة للروح..
الصلاة خير من النوم.. لأن الخلق كله يشترك في النوم.. لكن الصلاة ينفرد بها المؤمنون.. ولذا نادانا المنادى مع أنفاس اليوم الجديد: الصلاةُ خيرٌ من النوم..
الصلاة خير من النوم؛ لأن صلاة الفجر طريق إلى الجنة، وسببٌ للنجاة من النار.. قَالَ: ﷺ «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ» الصُّبْحُ والعَصْرُ. متفقٌ عَلَيْهِ. عن أَبي موسى رضي الله عنه. وقَالَ رسول الله ﷺ: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا». يعني: الفَجْرَ والعَصْرَ. رواه مسلم عن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه.
أيها الأحبة: صلاة الفجر خير من النوم؛ لأنها سبب للتنعم برؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة.. قال جَرِيرُ رضي الله عنه: كُنَّا عِنْدَ الرسول ﷺ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ - من الضمّ أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا يقول أرنيه بل كلّ ينفرد برؤيته-، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، -يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ- ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) [طه:130]، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا لا تَفُوتَنَّكُمْ». رواه البخاري.
صلاة الفجر خير من النوم لأنها سبب في دخول حمى الملك سبحانه وتعالى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». رواه مسلم عن جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه.
قيل من معاني الحديث: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقضْ العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرّط في حقه أدركه، ومن أدركه كبَّه على وجهه في النار.. صلاة الفجر خير من النوم لمن صلى العشاء والفجر في جماعة لأن رسول الله ﷺ قال: «مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ». رواه مسلم عن عثمانَ رضي الله عنه.
الصلاة خير من النوم لمن صلى الفجر في جماعة لأنها صلاة مشهودة قال ﷺ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ وَصَلاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي.؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا). فنعمت الشهادة والشاهد.. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
حُقَ للنبي ﷺ بعد هذا الخير في صلاة الفجر أن يقول: «وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا». رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.............
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ولقد اعتنى ﷺ براتبة الفجر كما اعتنى بفريضته فقَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وفي لفظ: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» رواهما مسلم عَنْ عَائِشَةَ.
ووصفت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حرص النبي ﷺ على راتبة الفجر فقالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ». رواه مسلم.
ومن أحكام سُنة الفجر: إذا لم يتمكن الإنسان من أدائها قبل صلاة الفجر فإنه يقضيها بعدها باتفاق، إلا أن الإمام أحمد اختار أن يقضيها من الضحى، ورأى غيره أن يقضيها بعد الصلاة، حتى لا ينساها، وأداء راتبة الفجر مشروع حتى لمن فاته وقت الصلاة لنوم ونحوه، فلو أن مسلماً غلبه النوم فلم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، فإنه يفعل ما فعله النَبِيُّ ﷺ حِينَ نَامَ في السَفَرِ فَلَمْ يستيقظ هو وأصحابه إلا بعدما ضربتهم الشمس، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ؛ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: "أَقِمْ الصَّلَاةَ ثُمَّ صَلَّى الْفَرْضَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ». رواه أبو داود وصححه الألباني.
أما إذا قام النائم وبينه وبين خروج الوقت دقائق لا تتسعُ إلا للفريضة فإنه يبدأ بها.
أحبتي الكرام: أرعوني أسماعكم وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، ولنحذر كل الحذر من تأخيرها عن وقتها، وليحذر الذين يضعون وقت المنبه للدوام بعد طلوع الشمس فيؤخرون صلاة الفجر إلى هذا الوقت فهم على خطر عظيم.. ففي حديثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ ﷺ أنه قال: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ... »، ثم ذكر ما رآه من المواقف العجيبة ومنها قوله: «حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ (أي: يكسر) فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ (تدحرج) فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا (للذي يضرب رأسه) حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ قُلْتُ: مَنْ هَذَا قَالا انْطَلِقْ..» ثم فسرا له ما رأى فقَال: «أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ -الرجل- يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ». رواه البخاري. أعاذنا الله من ذلك...
أحبتي: كيف يفوّت المسلم على نفسه ذلك الخير العظيم؟! بل كيف يعرض نفسه لهذا العقاب الأليم؟! وكيف يهنأ بالنوم وهو يؤمن بهذا الوعيد.. وكيف يفضل النوم على الصلاة بالمسجد والمصلون مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وبحضور الملائكة الكرام يأنسون.؟!
بل كيف يطيب له الفراش وأرباب العمل قد صفوا أقدامهم في المساجد، بين سجود وركوع، وخشوع.؟!
ترى ما الذي أقعدهم.؟! الجهل بهذا الفضل.. أم غلبهم الكسل وأقعدهم عن معالي الأمور، فآنسهم بمتعة ظاهرة ولذيذ نوم زائل.؟! نسأل الله الهداية للجميع...
أحبتي: مما يعين على القيام لصلاة الفجر: صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لها، والحرص على الطهارة وقراءة الأذكار قبل النوم، فإنها تعين على القيام، وكذلك ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة حتى تحل إحدى عقد الشيطان، أعاذنا الله منه، والمبادرة بالقيام بعد الاستيقاظ فَعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ ﷺ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ -لصلاة الفجر- وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ». رواه البخاري. وفي هذا توجيهٌ لنا بالمبادرة بالقيام بعد الاستيقاظ مباشرة؛ فمن لم يبادر عندما يستيقظ قد يعود إلى النوم مرة أخرى، وينبغي استخدام وسائل التنبيه، وأن يضعها في مكان بعيد عنه قليلاً، لكي يشعر بها ويتحرك، فيستيقظ بإذن الله.. أسأل الله أن يمُن علينا باستثمار فرص الخير..