الصلاة .. الصلاة ..

عبدالله محمد الطوالة
1438/06/11 - 2017/03/10 08:47AM
هذه أحبتي الكرام خطبة منقولة عن سماحة الشيخ صالح بن حميد حفظه الله ونفع به .. وجدتها خطبة رائعة ، وهي عن المحافظة على الصلاة فنقلتها بعد تصرف يسير ..

الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا ، وخلقَ الماءَ والثَّرى ، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} .. سبحانه وبحمده ، له الحمدُ حمداً طيباً يملا السما .. وأقطارُها والأرضَ والبرَّ والبحرا .. له الحمدُ أضعافاً مضاعفة ًعلى .. نعمٍ كبرى في إثرها نعمٌ تترى .. له الحمدُ تعظيماً لوجهه دائماً .. وإن كنتُ لا أُحصِي ثناءً ولا شكرا .. له الحمدُ حمداً سرمدياً مباركاً .. يقلُّ مدادُ البحرِ عنْ كُنههِ حصرا ... وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الجلال والجمال والكمال والغنى ، منه المبتدأ ، وعليه المعتمدُ ، وإليه المُنتَهى ، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ... وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله ، النبي الخاتم المصطفى ، والإمام القدوة المجتبى ، واللهِ ما ذرأ الإله وما برى .. خلقاً ولا خُلقاً كأحمد في الورى .. فعليه صلى اللهُ ما قلمٌ جرى .. أو لاح برقٌ في الأباطح أو سرى .. اللهم صلَّي وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنُّهى ، والتابعين وتابعيهم بإحسان ، وكلُّ من لهم اقتفى ...
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن الإيمان إذا وقر في قلبِ المؤمن فاضَ على الجوارح ، فأصبحت حركاته وسكناته لله ، فَهُو لله وبالله وفي الله ، تراهُ قَرِيباً أَمَلُهُ ، قَلِيلًا زَلَلُهُ ، لَيِّناً قَوْلُهُ ، مَكْظُوماً غَيْظُهُ ، قَانِعَةً نَفْسُهُ ، الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ .. يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ، يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي نْفسِهِ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي عْينِهِ .. جاء في الحديث: "فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمَع به، وبصرَه الذي يبصِر به، ويدَه التي يبطِش بها، ورجلَه التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه" .. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ..
أيها المسلمون، العبادات والقربات تتفاضل عند الله بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص ، والمحبة والخشية ، والخشوع والإنابة .. والعابد حقاً ، والمتقرب لربه صدقاً ، هو الذي تحقق في قلبه صدق الإمتثال للأوامر على وجهها، وابتعد عن المخالفات بجميع أشكالها ..
ومن أجل محاسبة دقيقة ، ومعالجة لأحوال النفس صادقة .. فهذه وقفةٌ مع أعظم الفرائض العملية .. مع الصلاة .. قرة عيون المؤمنين ، ومعراج المتقين ، وأنس المقربين .. وقبل ذلك فهي قرة عين سيد المرسلين .. عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ..
الصلاةُ الصلاةُ .. أيها المسلمون !! ركن الدين وعموده ، صح في الحديث ((لا دين لمن لا صلاة له)) ، ((ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة)) ، ((وليس بين الرجل والكفر والشرك إلا ترك الصلاة)) ، ((ومن ترك صلاة مكتوبة متعمداً برئت منه ذمة الله)) .. وكان أصحاب رسول الله (لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) هذه يا عباد الله كلها أخبار وزواجر وآثار .. صحت عن نبيكم عليه الصلاة والسلام وعن صحابته الكرام ..
فمن أراد أن يحاسب نفسه صادقاً .. فليتفقد نفسه في صلاته وصلته مع ربه .. وليعلم أن من ضيعها فهو لما سواها أضيع ، وإنها آخر ما يٌفقده العبدُ من دينه ، فليس بعد ضياعها والتفريط فيها إسلام ولا إيمان .. ومن أجل هذا فإنها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ، فإن قبلت قبل سائر العمل ، وإن ردت رد سائر العمل ..
الصلاة يا رعاك الله .. أول ما فُرض على نبيك صلى الله عليه وسلم من الأحكام .. وفرضت في أشرف مقام وأرفع مكان ، لمَّا أراد الله أن يتمَّ نعمته على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ويُظهر فضله عليه .. فأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ، ثم رفعه إليه ، وقربه منه قاب قوسين أو أدني ، فأوحى إليه ما أوحى ، وأعطاه من الخير حتى رضي، ثم فرض عليه وعلى أمته هذه الصلوات الخمس ..
فالصلاة يا عباد الله : هي أول ما فرض الله من الأعمال ، وهي آخر ما أوصى به رسول الله .. يكرر عليه الصلاة والسلام وهو على فراش الموت : ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) ..
أيها المحاسب نفسه : تنبه لصلاتك ، فإنه لم يُرخص في تركها لا في مرضٍ ولا في خوف ، بل إنها لا تسقط حتى في أحرج الظروف وأشد المواقف .. حتى في حالات الفزع والقتال والمنازلة: {حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} .. الله أكبر يا عباد الله .. رجالاً أو ركباناً ، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها .. تومِئون إيماءاً .. بقدر الجهد والطاقة ..
أمَّا المريض فليصلِّ قائماً .. فإن لم يستطع فقاعداً ، فإن لم يستطع فعلى جنبه ، وإذا عجز عن شروطها من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة .. فليصل بلا طهارة ، وبلا ستر عورة ، وإلى غير قبلة .. لكن ليس له أن يتركها حتى يخرج وقتها ومعه عقله ، فالصلاة يا رعاك الله لا تسقط بأي حالٍ من الأحوال .. ما دام العقل موجوداً ..
الصلاة ـ أيها المحاسب نفسه .ـ أكثر الفرائض ذكراً في القرآن ، وإذا ذكرت مع سائر الفرائض قُدمت عليها .. لا يقبل الله من تاركها صوماً ولا حجاً ، ولا صدقةً ولا ذكراً ، ولا جهاداً ولا أي عملٍ من الأعمال حتى يؤديها ... هي فواتح الخير وخواتمه ... مفروضة في اليوم والليلة خمس مرات ، يفتتح المسلم بالصلاة نهاره ، ويختم بها يومه ، يفتتحها بتكبير الله ، ويختمها بالتسليم على عباد الله .. بها افتتحت صفات المؤمنين المفلحين ، وبها خُتمت: {قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ} .. ثم قال في آخر صفاتهم: {وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ} ..
هذه هي الصلاة ـ يا عبد الله ـ وإنها لكذلك وأكثر من ذلك ، ولماذا لا تكون كذلك؟ وهي الصلة بين العبد وربه ، لذةٌ ومناجاة .. تتقاصر دونها جميع الملذات ، ضياءٌ في الوجه ، ونورٌ في القلب ، وصلاحٌ للبدن ، وأنسٌ للروح ، تطهر القلوب ، وتزكي الأرواح ، وتكفر السيئات ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر .. مصدر القوة ، ومطرَدةُ الكسل : {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} ... جالبة الرزق والبركة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} ..
أيها المحاسب نفسه ، يجتمعُ للمصلي شرف المناجاة ، وشرف العبادة ، وشرف البقعة في المسجد ، لا يُقعده عن الصلاة ظلمةُ ليل ، ولا وعورة طريق ، ولا صوارف دنيا .. فيا بشراه : ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) ..
قد من الله عليهم فأقاموا الصلاة تكبيراً وتسبيحاً .. وذكراً وقرآناً .. وتشهدٍاً وتوحيداً ، وقياماً وإخباتاً ، وركوعٍاً وخشوعاً ، وتذللاً وخضوعاً ، وسجوداً ومناجاة .. يتطلع معها إلى منزلة القرب من الله العلي الأعلى: {وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب} ..
الصلاة أيها المحاسب نفسه : هي المَفْزَع إذا حزب الأمر ، وهي الملجأ إذا مسَّ اللغوب؛ وهي الطمأنينة إذا حلَّ النصب .. ((أرحنا بها يا بلال)) .. امتلأت أرجاء المصلى بالهيبة ، وسطعت جوانحه بنور الإيمان ، وخالطت بشاشة الإيمان قلبه ، يتدبر في صلاته قرآنه ، ويرفع إلى مولاه دعاءه ، ويخشع لربه في مناجاته ، اجتمع همه على مولاه ، وقرَّت عينه بربه . فقربه وأدناه ..
مؤمنون مفلحون ، في صلاتهم خاشعون ، إذا قاموا إلى الصلاة أقبلوا على مولاهم ، فخفضوا أبصارهم ، ونظروا في مواضع سجودهم ، قد علموا أن الله قِبَلَ وجوههم ، فهم إلى غيره لا يلتفتون ، قد دخلوا على رب الأرباب وملك الملوك والأملاك ، كلُّ خير عنده ، وكل أمر بيده ، إذا أعطى لم يمنع عطاءه أحد ، وإذا منع لم يعط بعده أحدٌ ..
أيها المحاسب نفسه : هذا هو حال أهل الصلاة حين يناديهم منادي الفلاح ..
فأين هؤلاء من مصلٍ لاهٍ .. لا يدري أخمساً صلى أم أربعاً ؟؟ .. تسلَّط عليه الشيطان والهوى ، وعششت في رأسه الصوارف .. ينتقل من وادٍ إلى وادٍ ، ومن همٍّ إلى همٍّ ، يقوم إلى صلاته -إن قام- وقلبه بغير الله متعلق ، وفكره بسواه مشغول ، يحرك لسانه بما لا يعيه قلبه .. وليس للمصلى من صلاته إلا ما عقل ..
ألئك قومٌ .. تحولت الصلاة عندهم إلى عادة ، فقلَّ اكتراثهم بها ، وكثر سهوهم فيها .. فويلٌ لهم ثم ويل .. ويا طُولا لحسرة من ضيع صلاته ، ويله ماذا ضيع؟ لقد ضيع ركن دينه الركين ، ألا ما أعظم خيبته ، وما أشد مصيبته ، وما أكبر خسارته .. حُرِمَ قرة العين ، وراحة البال ، وبرد اليقين .. فتعساً له وبؤساً ... أما سمع الزواجر؟؟ أما سمع قول الملك الجبار : {مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ} ...
كيف يسمع منادي الصلاة والفلاح .. ثم يدبر ويتولى .. لكأنه المعنيُّ بقوله تبارك وتعالى: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ} .. {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} ..
أيها المحاسب نفسه ، قد علمت أن التكاسل وقلَّة الذكر من صفاتُ المنافقين: {إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} ..
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، فلا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة .. ومن ضيع صلاته فهو لما سواها أضيع .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُون} .. بارك الله ...
الحمد لله وكفى ..
أما بعد .. فأيها المسلمون .. اتقوا الله حق تقاته .. واعلموا أن للصلاة في الدين منزلة علية ، وقدراً كبيراً .. فهي عمود الإسلام ، وركن الملة ، من أدى حقها ، وأتم ركوعها وسجودها ، وأكمل خشوعها ، كانت قرة عينه ، وأنس قلبه ، وانشراح صدره .. جاء في الحديث الصحيح : ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة)) ..
ومن المحافظة عليها إتمام أركانها وشروطها ، وواجباتها وسننها، والطمأنينة فيها ، واجتناب مسابقة الإمام أو مقارنته في أفعالها ..
يقول ابن مسعود وسلمان رضي الله عنهما: (الصلاة مكيال ، فمن أوفى استوفى ، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين) ..
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، واستقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، و((أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها) ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، وكما تدين تدان ... اللهم صلى ..
المشاهدات 1604 | التعليقات 2

للرفع .. والمزيد من النفع ..


جزاك الله خيرا