الصلاة الصلاة.. أرحنا بها يا بلال

abu dana
1446/03/30 - 2024/10/03 09:46AM

الحمدُ للهِ الذي يَقبلُ التَّوبةَ عن عبادِه ويعفُو عن السيئاتِ، وسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا وضاعفَ بفضلِه الحسناتِ، ورفعَ لأصحابِها الدَّرجاتِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له لا يُعجِزُه شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماواتِ، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه أيَّدهُ اللهُ بنصرِه وبالمُعجِزاتِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه السابِقينَ إلى الخيراتِ .. أما بعد:

فيا أيُّها المسلمونَ، اتَّقوا اللهَ كُلَّ وقْتٍ وحينٍ، فَتقَواهُ أفضلُ مُكتَسَبٍ، وَطَاعتُهُ أعلى نَسَبٍ.

أيها المسلمون: عِندَما تَرى الزِّحامَ عِندَ مَدَاخلِ المَلاعبِ قَبلَ المُباراةِ بِساعاتٍ، وتَرى الزِّحامَ عِندَ أبوابِ الأسواقِ في مَواسِمِ التَّخفيضاتِ، وتَرى الزِّحامَ عِندَ أمَاكنِ التَّرفيهِ والألعابِ والمَهرجاناتِ، وتَرى الزِّحامَ عِندَ بَوَّاباتِ العَملِ مُشاةً وسَيَّاراتٍ وباصاتٍ، ثُمَّ تَرى الأرضَ خاويةً عِندَ أبوابِ المَساجدِ قَبلَ إقامةِ الصَّلواتِ، فسَتعلَمُ أنَّ هُناكَ خَلَلاً في تَقديرِ الأمورِ وتَرتيبِ الأولَوياتِ، واسمعوا مَا قَالَهُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكَأنَّهُ يَرى أحوالَنا: (لو يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عليه، ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ) رواه البخاري، يَعني: لو عَلِموا مَا في التَّبكيرِ مِنَ الفَضلِ العَظيمِ، والخَيرِ العَميمِ، لاستَبقوا إليهِ ثُمَّ نَحتاجُ إلى تَنظيمِ دُخولِ المُصلَّينَ إلى المَسجدِ بالقُرعةِ، مِن شِدَّةِ الزِّحامِ عِندَ أبوابِ المَساجدِ قَبلَ الأذانِ.

مَا هو شُعورُكَ عِندَما يَقولُ المؤذنُ: اللهُ أكبرُ؟، فَهلْ هُناكَ شيءٌ أَكبرُ مِنَ اللهِ تَعالى يُشغلُكَ عنهُ، ومَا هو إحساسُكَ عِندَما يَقولُ المؤذنُ: حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفَلاحِ، أليسَ لِسانُ الحَالِ يُفتَرضُ أن يَقولَ: نَعم، ها أنا قادمٌ، بَل كَانَ مِن السَّلفِ مَن يَلومُ مَن لا يأتي إلى المَسجدِ إلا بَعدَ الأذانِ، يَقولُ سُفيانُ بنُ عُيينةَ رَحِمَه اللهُ: لا تَكنْ مِثلَ عَبدِ السُّوءِ، لا يَأتي حَتى يُدعَى، ائتِ الصَّلاةَ قَبلَ النِّداءِ.

الله أكبرُ يا مآذنُ كَبِّرِي     بفريضةٍ يهفو لها العُبَّادُ
وتهيمُ أرواحُ الخلائق بالهدى         بمساجدٍ يزهو بها الأوتادُ
عَمَروا المساجدَ بالصلاة جماعةً  فَهُمُ الأكارمُ بالورى الأشهادُ

مَرِضَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَمَ أيَّاماً، فَبينَمَا المُسْلِمونَ في صَلاةِ الفَجْرِ مِنْ يَومِ الاثنينِ، وأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ يُصلِّي بِهِم، وَهُم صُفوفٌ في الصَّلاةِ، كَشَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الحُجْرَةِ وهو قَائِمٌ كَأنَّ وجْهَهُ ورَقَةُ مُصْحَفٍ، فنَظَرَ إليهم فتبسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمُّوا أنْ يَفْتَتِنوا مِنَ الفَرَحِ برُؤْيَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، فَنَكَصَ أبو بَكْرٍ علَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وظَنَّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ خَارِجٌ إلى الصَّلَاةِ، فأشارَ إليهم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسَلَّمَ بيدِهِ أن أتمُّوا صَلاتَكُم، ثمَّ دَخلَ الحُجرةَ وأَرخى السِّترَ، قالَ أَنسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: "فتوفِّي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسَلَّمَ في ذلِكَ اليومِ" رواه البخاري.

أيُّها المُؤمِنونَ .. هَلْ عَلِمْتُمْ سِرَّ تَبَسُّمِهِ وسَعَادَتِهِ بأبِي هو وأُمِّي في آخِرِ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ؟.

إنَّهُ ذَلِكَ المَنْظَرُ المُبْهِجُ وَهو يَرى المُسْلِمينَ مُجْتَمِعينَ صُفُوفَاً فِي صَلاةِ الجَمَاعةِ، فِي بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ تَعَالى، قَدْ أَجابُوا دَاعيَ اللهِ، وأَقَامُوا شَرِيعَةَ اللهِ، وكَأَنَّ نَظْرةَ الوَداعِ تَقولُ لجَمِيعِ المُسلِمينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ ومَكَانٍ: لا خَوفٌ عَلِيكُم ما دُمْتُمْ مُحَافِظِينَ عَلَى صَلاةِ الجَمَاعَةِ في بُيُوتِ اللهِ تَعالى.

إنَّها صَلاةُ الجَماعَةِ .. التي تَعلَّقَ بِها قُلُوبُ الأتْقِياءُ، ورَابَطَ فِي انْتِظَارِها الأوْلِيَاءُ، وحَافَظَ عَلى إقَامَتِهَا الأوْفِيَاءُ .. فِي المَشِي لها: تُرْفَعُ الدَّرَجاتُ، وتُكْتَبُ الحَسَناتُ، وتُمْحى السَّيِّئاتُ، قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَا مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بهَا سَيِّئَةً) رواه مسلم، في المشي لها: يُبشَّرُ المَشَّائونَ لها في الظُّلُمَاتِ بالنُّورِ التَّامِ يَومَ القِيامَةِ، قال صلى الله عليه وسلم : " بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ" صححه الألباني، في المشي له: يُعِدُّ اللهُ تَعالى نُزُلاً وضِيَافَةً لِزوَّارِه فِي الجَنَّةِ كُلَمَا غَدَوا أو رَاحوا إلى المَسْجِدِ، قال صلى الله عليه وسلم: " مَن غَدَا إلى المَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ له في الجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّما غَدَا، أَوْ رَاحَ" رواه مسلم، فَمَا بَالُكَ بِمَصيرِ عَبْدٍ يَومَ القِيامةِ، قُد أُعِدَّتْ لَهُ الضِّيافةُ في الجَنَّةِ، وَهيَ تَنْتَظِرُه؟، وهَذا الذي عَلَّقَ قُلوبَ أهلِ الإيمانِ، ولِذَلِكَ اسمعْ كَيفَ كَانوا يَنتَظرونَ الصَّلاةِ، يَقُولُ عَديُّ بنُ حَاتمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ إِلَّا وَأَنَا إِلَيْهَا بِالْأَشْوَاقِ، وَمَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ قَطُّ إِلَّا وَأَنَا لَهَا مُسْتَعِدٌّ.

جالسٌ في المَسْجِدِ: لا تَزَالُ في صَلاةٍ ما دُمْتَ في وَقتِ الانْتِظَارِ، وتَدْعُو لَكَ بالمَغْفِرةِ والرَّحْمَةِ المَلائكَةُ الأبْرَارُ، قال صلى الله عليه وسلم: (المَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دامَ في مُصَلّاهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ولا يَزالُ أحَدُكُمْ في صَلاةٍ ما دامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمْنَعُهُ أنْ يَنْقَلِبَ إلى أهْلِهِ إلَّا الصَّلاةُ) رواه البخاري، هُنَاكَ المَوعِد مَع عَلَّامِ الغُيُوبِ، وهُنَاكَ حَياةُ القُلُوبِ، وهُنَاكَ مَغْفِرةُ الذُّنوبِ، وهُنَاكَ الحَدُّ الفَاصِلُ بينَ النِّفَاقِ والإيمَانِ، كَما قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ)، وهَا هو عامِرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: خُذُوا بِيَدِي، فَقِيْلَ: إِنَّكَ عَلِيْلٌ، قَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللهِ، فَلاَ أُجِيْبُهُ، فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي المَغْرِبِ، فَرَكَعَ رَكْعَةً، ثُمَّ مَاتَ.

ويَقولُ سَعيدُ بنُ المُسيِّبِ رَحِمَه اللهُ: مَا أَذَّنَ المؤذنُ مِنذُ ثَلاثينَ سَنةٍ إلا وأنا في المسجدِ، ومَا فَاتتني صَلاةُ الجَماعةِ مِنذُ أَربعينَ سَنةٍ، ومَا نَظرتُ إلى قَفَا رَجلٍ في الصَّلاةِ، يَعني لَمْ يُصلِّ فِي الصَّفِ الثَّاني فِي حَياتِه، وكأنَّ لِسانَ حَالِهِ يَقولُ:

تَتَلاشَى مَظاهرُ الكَونِ عِندِي *** حِينَ تَصطَفُّ للصَّلاةِ الصُّفوفُ

يا أيُّها الكرام .. نَحْتَاجُ دَائمَاً إلى مَن يُذَكِّرُنا بفَضلِ صَلاةِ الجَمَاعةِ والتَّبْكِيرِ إلى المَسَاجِدِ، خَاصَّةً مع كَثْرةِ المَشاغِلِ والمُلهياتِ والتَّوَتُّرِ المُتَصَاعِدِ، فرَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ لَمَّا رَأى التَّأخيرَ في أَصْحَابِه، قَالَ لهم مًذَكِّراً ومُحَذِّراً: (تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ)رواه مسلم. قَالَ إبراهيمُ النَّخعيُّ: إذا رَأيتَ الرَّجلَ يَتهاونُ بالتَّكبيرةِ الأولى، فاغسلْ يَديكَ مِنهُ.

ولِذَلكَ فَقَدْ كَانُوا يَخافُونَ من التَّأخرِ عن الصِّلاةِ، وكَانَ فَواتُ الصَّلاةِ مُصيبةً يُواسُونَ عَليهَا، قَالَ إبراهيمُ الوَاسِطيُّ: رأيتُ أَبا الليثِ الخُراسَانيَّ بطَرَسُوسَ يُعَزَّى، قُلتُ: مَا شَأنْهُ؟، قَالوا: فَاتَتْهُ الصَّلاةُ في جَماعةٍ.

فإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ، وأَحْسَنَ اللهُ عزاءَنا، إنْ كَانَتْ قُلوبُنا تَعلَّقَتْ في كُلِّ مكانٍ، إلا في المَسجِدِ، (إلا من رحم الله(.

وهلْ نَسيتُم - أيُّها المُصلُّون - قبلَ سنواتٍ قريبةٍ مضتْ، ونحنُ في وباءِ كورونا، كُنَّا لا نريدُ الجلوسَ في المنازلِ، وكُنَّا نتمنَّى أنْ نُصلِّيَ في المساجدِ، وأَحَسَسْنا بالذنبِ العظيمِ لتفريطِنا في الصلاةِ بالمساجدِ.. أينَ نحنُ اليومَ من هذه الأمنياتِ ؟؟.. ولكنْ لا زالَ هناكَ أملٌ بأنْ تَعودَ وتَتوبَ وتُصلِّي.

أتَعْلَمُونَ أنَّ اللهُ يَبْعَثُ مَلائكةً في اللَّيلِ والنَّهارِ يَحضرونَ الصَّلواتِ، يَشهدونَ على مَنْ حَضَرَ ومَنْ فَاتَ؟، ويَجتَمِعونَ في صَلاةِ العَصِرِ وصَلاةِ الصُّبْحِ، قال صلى الله عليه وسلم: (يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ بالنَّهارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلاةِ العَصْرِ وصَلاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ) رواه البخاري، فَهلْ اسْمُكَ مَرْفُوعٌ في سِجِّلاتِهم؟.

خمسٌ بخمسين الصلاةُ أجورُها   تهفو لها في الطيباتِ عِبَادُ

اللهُمَّ عَلِّقْ قُلُوْبَنَا بِالْمَسَاجِدِ، وَاجْعَلِ الصَّلَاةَ قُرَّةَ أَعْيُنِنَا، وَاجْعَلِ رَاحَتَنَا وَأُنْسَنَا فِيْهَا، اللهمَّ اجْعَلْنَا وذُرِّيَاتِنَا مُقِيمِي الصَّلاةِ، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَنَا..

أَقولُ مَا تَسمعونَ...

الحَمدُ للهِ حَمدًا يَليقُ بجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وأَتباعِه، أمَا بَعدُ:

لَهُم تَحتَ الظَّلامِ وَهُمْ سُجُودٌ     أنِينٌ مِنهُ تَنفَرجُ الضُّلُـوعُ

وَخُرسٌ بالنَّهارِ لِطُولِ صمتٍ    عليهِم منْ سكينتهمْ خشوعُ

هَل لكَ دُعاءٌ تُريدُ سَريعاً أن يُستَجابَ؟، هَل لكَ حَاجةٌ تَنتَظِرُها مَنَ اللهِ عِندَ البابِ؟، فاسمعْ لِهَذا الحَديثِ يَا مَن صَدقَ النِّيةَ والاستِقامةِ، قال صلى الله عليه وسلم : (لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) صححه الألباني، فَأَينَ الذينَ إذا خَرجوا مِن المساجدِ عَلَّقوا فيهِ قُلوبَهم، حَتى يَرجِعُوا إليها في الفَريضةِ القَادمةِ؟، أولئكَ فِي الظِّلِّ الظَّليلِ، يَومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّ الجَليلِ، قَالَ صَلى اللهُ عَليهِ وسلَمَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: -وَمِنْهُم- رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ) رواه البخاري.

أيها المصلون: وقد وَصَفَ اللهُ تَعالى أهْلَ المَساجِدِ، بأنَّه لا يُلهيهِم عن الصَّلاةِ شيءٌ، فَهي عِندَهم كِتاباً مَوقُوتاً، يَتْرُكونَ ما بأَيدِهِم ويُجيبونَ لها النِّداءُ، ولو كانوا في مَصْدَرِ رِزقِهم مِنْ بَيعٍ أو شِراءٍ، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) ، كَانَ إبراهيمُ بنُ مَيمونَ يَعملُ في صِياغةِ الذَّهبِ والفضة، وكَانَ إذا رَفعَ المِطرقةَ وسَمعَ الأذانَ لم يَردَّها.

وأَما يومُ الجُمعةِ فَهو يومُ تَقديمِ القَرابينَ، لِمنَ أتى قَبلَ أن تَطويَ المَلائكةُ الدَّواوينَ، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ كَبْشًا أقْرَنَ، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) رواه البخاري، فَماذا قَدَّمَتَ اليومَ مِن قُربانٍ، يَكونُ لإيمانِكَ وحُبِّكَ بُرهانٌ؟، فَبَكِّروا عِبادَ اللهِ إلى الصَّلواتِ.

وإيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أن تَترُكَ الصَّلاةَ، بِحُجَّةِ أنَّكَ تَفعَلُ المَعاصي، فاللهُ غفورٌ رحيمٌ، أوْ بِحُجَّةِ أنَّكَ تَنامُ عنها. فقد قال أبو هُريرةَ رضيَ اللهُ عَنهُ: "جاءَ رجلٌ إلى النَّبي صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ : إنَّ فُلانًا يصلِّي باللَّيلِ فإذا أصبحَ سرقَ، فقالَ : إنَّهُ سينْهاهُ ما تقولُ" صححه الألباني. أي: إنَّ صلاتَهُ ستنهاهُ عن هذا الفعلِ الشنيعِ، لأنَّ اللهَ تعالى قال: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، فالصلاةُ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ، قَولاً من اللهِ حقَّاً وصِدقاً.

فَهذهِ الصَّلاةُ سَوفَ تُغيُّرُ يوماً طَريقَ حياتِكَ، وسَتكونُ سَبباً في صَلاحِكَ ورزقِكَ وهِدايتِكَ، فهي سبيلُ الخيرِ والرَّشادِ، وهي طَريقُ الهُدى والسَّدادِ.

وقُلْ لبِلالِ العَزمِ مِنْ قَلبِ صَادقٍ *** أَرِحْنَا بِها إنْ كُنْتَ حَقَّاً مُصَليَّاً

رَبَّنا اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرياتِنا رَبَّنا وتَقبلَ دُعاء، ربَّنا أَصلحْ أَعمالَنا وأَحوالَنا وقُلوبَنا وذُرياتِنا..

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مُحمدٍ بنِ عَبدِ اللهِ كَمَا أَمَرَكم اللهُ بِذَلِكَ في كِتَابِهِ قائلاً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ...)، فَاللهمَّ صَلِّ وَسَلم عَلى عَبدِكَ ونبيِّكَ مَحَمدٍ... اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَّ الشركَ والمشركينَ ودمرْ أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهمَّ آمنا في أوطانِنا وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، ووفِّقْ رِجَالَ وَطَنِنا، وأَبطالِ أَمنِنا، اللهم من أرادنا وأرادَ بلادَنا بسوءٍ فأشغله بنفسِه وردَّ كيدَه في نحرِه.. اللهم وفق وليَ أمرِنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى..

اللهمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ ورُدَهم إليك رَداً جميلاً، اللهم اجمع كلمتَهم على الحقِ والهُدى وألّْف بينَ قلوبِهم وَوَحدْ صفوفَهم وارزقهم العملَ بكتابِكَ وسنةِ نبيكَ صلى الله عليه وسلم ، اللهمَّ اجعلْ لهم مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخرجًا، ومِنْ كُلِّ بَلاءٍ عَافيةً..

.. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا..

اللهم نَسألُكَ رَحمةً تَهدِ بها قُلوبَنا، وتَجمعُ بها شَملَنا، وتُلِمُّ بها شَعثَنا، وتَصرِفُ بها الفِتنَ عَنَّا، رَبَّنا آتنا في الدنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عَذابَ النَّارِ.

سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يَصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

 

مستفادة من بعض الخطب عن الصلاة..
المشاهدات 536 | التعليقات 0