الصلاة الصلاة

مبارك العشوان
1437/05/02 - 2016/02/11 07:20AM
إن الحمد لله... ورسوله. أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سأل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: ( الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي ).
أيها المؤمنون: الصلاةُ فريضةٌ يُحبُّها ربُّنا جلَّ وعلا، ويُحبُّ أن نُكثرَ منها، حتى إنَّه تعالى فرضَهَا أولَ الأمرِ خمسين صلاةً؛ ثم خففها إلى خمسٍ في العددِ، وخمسينَ في الأجر، ثمَّ إنه جلَّ وعلا ربط المسلمَ بصلاتِهِ؛ فرائِضِها ونوافِلِها، وشرع له أنواعا متعددة منها، فيومُ المسلم مليئٌ بالصلاة، بل حياتُه مليئةٌ بالصلاة، ففي اليوم والليلة خمسُ صلواتٍ مفروضة، وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وإذا أجدبت الأرض فزع الناس لصلاة الاستسقاء، وإذا كسفت الشـمس أو خسف القمر فزعوا لصلاة الكسوف، وإذاهمَّ أحدُنا بأمر صلى صلاة الاستخارة، يصلي المسلم في إقامته فَيُتِّم، وفي سفره فيقصر، يصلي في صحته ومرضه؛ إن استطاع القيام صلى قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، يصلي في حال أمْنِهِ، فإن كان في خوف أو حربٍ صلى صلاة الخوف.
فالصلاة المفروضة لا تسقُط عن المسلم مادام عقله باقيا.
وفي اليوم والليلة كثيرٌ من نوافلِ الصلاة؛ كالسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وصلاة الليل والوتر.
الصلاة عبادَ الله؛ وصيةٌ كان صلى الله عليه وسلم يوصي بها كثيرا؛ حتى قال أَنَسٌ رضي الله عنه: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
السعادةُ والفلاحُ في إقامةِ الصلاةِ والخشوعِ فيها: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } المؤمنون 1ـ 2
الطمأنينةُ والراحةُ والأنسُ في الصلاة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
ويقول: ( وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ) أخرجه النسائي وصححه الألباني.
الصلاة: شعيرة من شعائر الدين، وفريضة من فرائضه بل هي عمادُ الدين، وأعظمُ أركانه بعد الشهادتين وأولُ ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وهي آخرُ ما يفقد من الدين، وإذا فُقِد آخره لم يبق منه شيء.
لا يحافظ على الصلاة إلا مؤمن، ولا يتهاون بها إلا منافق، ومن أبرز صفات المؤمنين، وأسباب نيلهمُ النعيم المقيم؛ محافظتهم على الصلاة وإقامتهم لها، وخشوعهم فيها. ومن تأمل في آيات القرآن الكريم أدرك ذلك، فلا تكادُ تجدُ فيهِ الحديثَ عن صفاتِ المؤمنين إلا والصلاة من أبرز تلك الصفات، قال تعالى: { الــم ، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } البقرة 1ـ 3 وقال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } الفرقان 63ـ 64 وقال: { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } المعارج 34 ـ 35 إلى غير ذلك من الآيات؛ فإذا علم هذا فليعلم أن من أبرز صفات المنافقين، ومن أسبابِ تصليتهم عذابَ الجحيم تضييعهم للصـلاة، وتهاونهم بها وتكاسلهم عنها، كما ذكر الله ذلك عنهم بقوله: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } النساء 142 . وقال عنهم : { وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى } التوبة 54 وقال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ... ) الحديث رواه البخاري.
الصلاة عباد الله حد فاصل بين الإسلام والكفر، كما قال تعالى: { فإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } التوبة 11 أي: أنهم إن لم يقيموها فليسوا بإخوانٍ لنا في الدين. وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ) رواه مسلم. وعن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) رواه ابن ماجه والترمذي والنسائي وصححه الألباني.
وإذا سئل أصحاب النار عن سبب دخولهم فيها كان أول جوابهم: { لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }المدثر 43 وعن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا، فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا ). وقال ابن حزم رحمه الله: وقد جاء عن عمر وعبدِ الرحمن بن عوف ومعاذِ بن جبل وأبي هريرة وغيرِهم من الصحابة أنَّ مَنْ تركََ فرضَ صلاةٍ واحدٍ متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد.
بارك الله لي ولكم ...وأقول ما تسمعون ...

الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فإذا تقرر أن تارك الصلاةِ كافرٌ، فإنَّ حُكْمَهُ حكمَ الكفارِ؛ لا يتوارث مع المسلمين، ولا يُزوجُ منهم، ولا يُغسل ولا يُكفن ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين... إلى غير ذلك من الأحكام التي تجْري على غير المسلمين.
ثم اعلموا رحمكم الله: أنَّ مِنَ الناسِ من لا يترُكُ الصلاة، ولكن يؤخرُها عن وقتها، وهؤلاءِ متوعدون بالعذاب الأليم؛ قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ }الماعون 4 ـ 5 قال ابن عباس وغيره: ( هم الذين يؤخرونها عن وقتها ).
سماهم الله مصلين؛ لكن لما تهاونوا بها وأخروها عن وقتها توعدهم بويل، وهو شدة العذاب، وقيل: واد في جهنم لو سيرت فيه جبالُ الدنيا لذابت من حَرِّهِ، وهو مسكنُ من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها. قرأ عمر بن عبد العزيز رحمه الله هذه الآية: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } مريم 59 ثم قال: [ لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت ]، فليحذر من يتهاون بالصلاة، فهذا وعيدُهم، ليحذر أولئك الذين يؤخرون بعضَ الصلوات إذا كانوا في عمل كالبنَّاء والمزارعِ وصاحبِ الورشة ونحوهم فيؤخرون الصلاة حتى يفرغوا من أعمالهم بحجةِ أن ملابِسَهم مُتسخة، أو أنها ملابس شغل؛ هذا خطأ عظيم، وإثمه كبير، فالله تعالى جعل للصلاة أوقاتا محددة: { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } النساء 103 وقال عليه الصلاة والسلام : ( وَجُعِلَتْ لِي الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ) رواه البخاري فإذا أدركتك الصلاة واستطعت أن تُغير ملابس الشغل وتأتي الصلاة بثيابٍ نظيفة فهو أفضل، وإن لم تستطع أو ضاق عليك الوقت فصل في الوقت ولو بملابس الشغل.
عباد الله: لا تلهينكم أموالكم عن صلاتكم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } المنافقون 9 قال المفسرون: المراد بذكر الله في هذه الآية الصلوات الخمس، فمن اشتغل بماله في بيعه وشرائه ومعيشته وضيعته وأولاده عن الصلاة في وقتها كان من الخاسرين، حاسبوا أيها الناس أنفسكم ؛ من كان مفرطاً في صلاته فيما مضى فليتب إلى الله؛ وليحافظ عليها، فإن الله تعالى يقبل توب التائبين، ويغفر للمستغفرين، ولمَّا توعَّد جلَّ وعلا من يتهاون بصلاته بقوله: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } مريم 59 قال بعدها: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا، جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا } مريم 60- 63 تناصحوا أيها الناس فيما بينكم، تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، مروا أيها الآباء أولادكم بالصلاة، ربُّوهم على حبها، واصبروا في ذلك وصابروا: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } طه 132
تعاونوا رحمكم الله على البر والتقوى: الأقارب مع بعضهم، والجيران والزملاء، وسلوا ربكم العون والتوفيق.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك... اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه...
ثم صلوا وسلموا ... اللهم أعز الإسلام...
عباد الله: اذكروا الله يذكركم ...
المرفقات

978.pdf

979.doc

المشاهدات 1281 | التعليقات 0