الصلاة..من كتاب ابن القيم_رحمه الله_

خالد الذيابي
1435/02/17 - 2013/12/20 07:56AM
من شرائع الدين العظيمة ، ومن أركان دين الإسلام الجليلة ، تقرر عن عامة المسلمين أن الحفاظ عليها عنوان الخير والفلاح وإهمالها والتكاسل عنها عنوان الخيبة والهلاك .
سلوة الصالحين ، وراحة قلوب المتقين ، بقدر الإتيان بها يكون قدر الإيمان والدين ‘ إنها الصلاة أيها المؤمنون ، الحديث عنها في هذه الخطبة ، ليس عن حكمها وحكم تاركها ،
ولا عن فضلها وذكر بعض أحكامها وحكم تاركها، ولا عن ذكر بعض صفاتها وذكر بعض أحكامها ، وإن كان كل ذلك خير ومهم ، ونحتاج أن نقرع به الأذان بعد كل حين وحين ، ولكن الحديث أيها الإخوة في هذه الخطبة ، محاولة لغوص في أعماق الصلاة ، ومحاولة للدخول في بعض أسرارها والوقوف مع بعض دقائقها ولطائفها ..
إن الحديث في هذه الخطبة ، محاولة للإجابة على سؤال لربما خطر في البال ، لماذا كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
لماذا كانت الصلاة راحة النبي صلى الله عليه، حتى إنه إذا اجتمعت عليه الخطوب ، وتجمعت عليه الكروب ، قال أرحنا بها يا بلال ، بينما نجد الكثير يجدون راحتهم خارج الصلاة ، فإذا صلى احدهم فكأنما يحمل عبئا ثقيلا يريد أن يلقيه في أسرع وقت ويصدق أن يكون حالة يقول : أرحنا منها يا إمام !!
إن الصلاة أيها الإخوة ، ليست مجرد أقوال وأعمال ظاهرة من قيام وقعود وركوع وسجود ، إنما الصلاة كما قيل صلة بين العبد وربه ن إنما الصلاة خشوع وخضوع بين يدي اله اعلي العظيم ، وعلى قدر هذا خشوع وخضوع يكون نصيب الإنسان من صلاته يقول صلى الله عليه وسلم (( إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له غلا عشر صلاته ما كتب له إلا تسعها أو عشرها ، أو سدسها ، ربعها أو ثلثها أو نصفها .......)) بتصرف في الحديث
أيها الأخوة :.
إن الصلاة فيها من معاني تعظيم الله
عز وجل الشيء العظيم ، فهي تعظيم لله من مبتداها إلى منتهاها ، تعظيم لله من التكبير إلى التسليم تعظيم من القيام والقعود، والركوع والسجود ، فإذا انتصب العبد قائما لله شاهد بقلبه قيومية الله سبحانه وتعالى ،
وإذا ابتدأ العبد صلاته وقال الله أكبر ، شاهد كبرياء الله وعظمته وأن الله أكبر من كل شيء في الوجود (1) ، وإذا استفتح صلاته فقال (( سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك )) شاهد بقلبه معان عظيمة من تسبيح لله والثناء عليه !!
(( سبحانك اللهم وبحمدك )) إذا قالها شاهد بقلبه ربَّا منزها عن كل عيب، إذا قالها شاهد بقلبه ربَّا سالما من كل نقص ، إذا
قالها شاهد بقلبه ربَّا محمودا بكل حمد، فحمده سبحانه يتضمن وصفه بكل كمال، ويستلزم براءته من كل نقص !! ، ((تبارك اسمك )) فلا يذكر اسم الله على قليل إلا كثره ، ولا يذكر اسم الله على خير إلا أنماه وبارك فيه ، و لا يذكر اسم الله على خير آفة إلا أذهبها ولا على شيطان إلا رده خاشا داحرا(2) ، وكمال الاسم من كمال المسمى فإذا كان هذا شأن اسم الله الذي لا يضر معه في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى لا ريب أنه أعلى وأجل ، (تعالى جدك ) تعالى جدَّ الله ارتفعت عظمته وجلَّ فوق كل عظمة ، وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان ، فتعالى جدَّه أن يكون معه من شريك في ملكه وربوبيته ، وتعالى جدَّه أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته ، وتعالى جدَّه أن يكون معه شريك في أفعاله أو صفاته (______________
فكم في هذه الكلمات من تجلِّ لحقائق أسماء الله وصفاته ، وعلى قلوب العارفين بها ، المثبتين لحقائقها ...
وإذا قال العبد : (( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ))يكون قد أوى إلى ركن الله الشديد ، والمعتصم بحول الله وقوته من عدوِّه الذي يريد أن يقطعه عن ربه !!، ويحول بينه وبين صلاته ، والمعتصم بحول الله وقوته من عدوِّه الذي يريد أن يباعده عن قرب ربه ، والمعتصم بحول الله وقوته من عدوِّه الذي يريد أن يجعله يتقلب من حال سيء إلى أسوأ ...
ثم إذا قال العبد ( الحمد لله رب العالمين ) يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب التي لا صلاة ألا بقراءتها ، إذا قال ( الحمد لله رب العالمين )
وقف ينتظر جواب ربه (حمدني عبدي ) ثم إذا قال (( الرحمن الرحيم )) انتظر الجواب من ربه (( أثنى علي عبدي )) ثم إذا قال (( مالك يوم الدين )) أنتظر الجواب من ربه
(( مجدني عبدي )) فيا لذة القلب ويا قرة العين ويا سرور النفس بقول الرب لعبده ثلاث مرات ((حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي))
فوالله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وران الذنوب والخطيئات لا ستطيرت القلوب فرحا وسرورا .. بقول ربها وفاطرها ومعبدوها ((حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي))
ثم أذا قال العبد (( إياك نعبد وإياك نستعين)) ففيها سر الخلق والأمر والدنيا والآخرة !! ( (أياك نعبد ) متضمنة للأجل الغايات عبودية لله .....
( إياك نستعين ) متضمنة لأفضل الرسائل !!
فلا معبود يستحق العبادة إلا الله ، ولا معين على عبادته غير سبحانه وتعالى .....
ثم إذا قال العبد (( أهدنا الصراط المستقيم )) شاهد بقلبه فاقته وضرورته إلى هذه المسألة (( الهداية إلى الصراط المستقيم ))
فالعبد أشد فاقة وحاجة للهداية إلى الطريق الموصل إلى الله سبحانه وتعالى .
وهو أشد فاقة وحاجة للهداية إلى الطريق على وجه المرضي المحبوب للرب سبحانه وتعالى !!
وهو أشد فاقة وحاجة لأن يحفظه الله على الطريق حالة الهداية بعد الهداية ..
(اهدنا الصراط المستقيم ) يشاهد العبد بتلاوتها أنه مفتقر إلى الهداية في جميع مايأتي ويذر : فهو محتاج إلى الهداية في أمور قد أتاها على غير هداية ـ من الذنوب والمعاصي ـ فهو في أمس الحاجة إلى أن يهدى بالتوبة منها والإقلاع عنها !! والعبد مفتقر إلى الهداية في أمور قد أهدى إليها من وجه دون وجه من أمور الطاعات والباقيات الصالحات وهو في أمس الحاجة أيضا إلى إتمام الهداية ليكون ممن ازداد هدى على هدى !!
وهو في أمس الحاجة إلى الهداية إلى الثبات عليها إلى يوم يلقى الله سبحانه وتعالى إلى غير ذلك من أنواع الهدايات التي هو في أمس الحاجة اليها نسأل الله أن يهدينا إليها أجمعين ....
روى الإمام مسلم ـ رحمة الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل
فإذا قال : (( الحمد لله رب العالمين ))
قال الله : ((حمدني عبدي ))
فإذا قال : (( الرحمن الرحيم ))
قال الله : (( أثنى علي عبدي ))
فإذا قال : (( مالك يوم الدين ))
قال الله : (( مجدني عبدي ))
فإذا قال (( إياك نعبد وإياك نستعين ))
قال الله : (( هذا بيني وبين عبدي ولعبدي
ما سأل ))
فإذا قال ((أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ))
قال الله : ((هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ))
أيهاالأخوة :
ثم إذا خر العبد راكعا لله عزوجل ، وكان في هيئة ذل وخضوع وتطامن و انخفاض يشرع له أن يصف الله بعظمته وأن ينزهه عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته ((سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم ))
ثم إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده فإذا انتصب قائما قال : (( ربنا
ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ))
أي نحمد الله ملء العالم العلوي (ملء السماوات)
ونحمد الله ملء العالم السفلي (ملء الأرض)
ونحمد الله ملء الفضاء الذي بين السماوات والأرض ..
بل نحمد الله ملء ماشاء أن يخلقه بعد ذلك ))
هذا الذكر البسيط المتظمن لهذه الحقائق الجليلة طار له بضع ثلاثون ملك كل يريد أن يصعد به إلى الرب سبحانه وتعالى .
روى البخاري عن رفاعة الزرقي ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال ( سمع الله لمن حمده )قال الرجل وراءه
ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال صلى الله عليه وسلم: (( رأيت بضع ثلاثون ملكا يتدبرونها أيهم يكتبها أول ))(3)


أيها الإخوة :.
ثم لا يزال العبد يتقلب في صلاته بين مواضع الذل والخضوع فإذا سجد كان في أبلغ موضع وهيئته في العبودية لله عزوجل لذلك كان السجود أقرب ما يكون فيه العبد من الله وأكد لإجابة سؤله ورجواه لأجل ذلك شرع الإكثار من الدعاء فيه فإن ضمن أن يستجاب للداعي ..
ولو نظرنا إلى جلوس العبد للتشهد والتحيات لله والصلوات لرأينا حقائق عظام يحير العقل أن يلم بها وبكل لسان أن ينطق بما يليق بها ويقف تبعا لهما من الكتابة والتعبير عنها ..
















الخطبة الثانية
أيها المسلمون:.
إن الصلاة عمود دين الإسلام ، ولا يقوم دين المسلم بالتفريط والتكاسل عنها ، ولقد حف الإسلام الصلاة بفضائل كثيرة وأمور عظيمة ، وأكثر من ذكرها تحفيزا للعباد فالوضوء للصلاة مكفر للخطايا ، والمشي إليها يرفع الدرجات ويزيل الذنوب والسيئات ، والدعاء بين الآذان لها وإقامتها مستجاب ، وانتظارها يجعل الملائكة تصلي عليك وتدعو لك بالمغفرة والرحمات إقامة ركوعها وسجودها وخشوعها فذلك الذي فيه الأجر العظيم والجزاء الجليل ولذلك كانت الصلاة محط نظر الرب يوم الحساب فمن كانت في صلاته محسنا فما بقي من أعماله أحسن .. ومن كان في صلاته مسيئا فما بقي من أعماله أسوأ والجزاء من جنس العمل ،،

أيها الإخوة :.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( مامن مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب مالم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله ))
فهذا جزاء من أقام ركوع الصلاة وضوءها وخشوعها ويزداد عليه أنه يجد لذة الصلاة ويحس بأثرها في حياته حيث تنهاه عن الفحشاء والمنكر ..
وأما من كان ينقر الصلاة نقر الغراب فليس جزاؤها إلا على قدر ما يحصل الغراب من نقرته بل ولن يجد لذة للصلاة ولا أثر لها في حياته ، بل ستكون عبئا ثقيلا على كاهله يود لو أن يلقيها عنه متى شاء ...!!















الهوامــــــــــــــــــش
_______________________
(1) انظر كتاب الصلاة لابن القيم
(2) أنظر السابق
(3)أنظر صفة الصلاة للألباني صـــ138ــ

تمت الخطبة بجامع ابن باز (يرحمه الله )
للخطيب/ خالد بن مسعود الذيابي
بعنوان/ الصلاة الموافق 29/7/1429ه



المشاهدات 1875 | التعليقات 0