الصفةُ المسنونةُ لصلاة الإمام في رمضان وقنوته: 27/8/1437

أحمد بن ناصر الطيار
1437/08/26 - 2016/06/02 20:08PM
الحمدُ للهِ الَّذي أكرمَ بالإسلامِ أولياءَهُ، وشرَّفَ بالإيمانِ أصفياءَهُ، وأقامَ بالميزانِ والعدْلِ أرضَهُ وسماءَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ, شهادةً أدَّخِرُها ليومِ لقائِهِ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه, المختومُ به ديوانُ رسُلِ اللهِ وأنبيائِهِ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ, وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وأصحابِهِ, الذين اصطفاهمُ اللهُ لنُصْرَةِ نبيِّهِ واقتفائِهِ.
أما بعدُ: فأُوصيكمْ ونفسيْ بتقوى اللهِ تعالى أيُّها المؤمنونَ، فاتَّقُوا اللهَ: {وابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
عبادَ اللهِ: إننا على مشارف شهر رمضان المبارك, وبما أنّ صلاة التراويح والتهجُّدِ هي من أعظم العبادات فيه, ومن أهمّ ما يُفكر بها الأئمةُ والْمَأمومون, فإنّ الحديث هذا اليومَ سيتوجَّه لأئمة المساجد الْمُوفقين, الذين قد استعدوا لإمامةِ المصلين في التراويح والقيام.
وهو من باب التذكير والْمُدارسة, وإلا فالأئمةُ جزاهُم الله خيرا, لم يُوضعوا في هذا المنصبِ الشريف, ولم يَصْعدوا إلى هذا الطَوْد الْمُنِيف, إلا وقد أحاطوا علما وفقها ودراية, بِمَا يُسْتحب فعله في الصلاة وما لا يُسْتحب.
فالذي ينبغي على كل إمام, أن يصلي بجماعته بطمأنينة وتؤدة, ويحافظَ على أداء الصلاة بأركانها وواجباتها وسننها.
والأصل للإمام أن يخفف الصلاة, مع إتمام ركوعها وسجودها وأركانها.
فقد ثبت في صحيح مسلم عن عُثْمَان بْن أَبِى الْعَاصِ الثَّقَفِىّ رضي الله عنه, أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ « أُمَّ قَوْمَكَ, فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ, وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ, وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ, وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ, وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ ».
قال ابن عبد البر رحمه الله: في هذا الحديث أوضح الدلائل, على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك.
ولا يجوز لهم التطويل؛ لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهياً عن التطويل. ا.هـ
وقد قال عمرُ رضي الله عنه : أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تُبَغِّضُوا اللهَ إِلَى عِبَادِهِ ، يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَامًا, فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ, حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُوَ فِيهِ، وَيَقْعُدُ أَحَدُكُمْ قَاصًّا, -أي واعظاً-, فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ, حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ.
فلا ينبغي أن يشق الإمام على جماعته.
وهذا الأصل الذي هو التخفيف, قد يحدث ما يطرأ عليه فيُخرجه عن أصله, كجمالِ وحُسْنِ قراءةِ الإمام, وسلاسةِ قراءته, ورغبةِ المأمومين بالإطالة, ونشاطِهم لذلك.
وينبغي للإمام أن تكون صلاتُه متقاربةً مُعتدلة.
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلاَةً مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَامٍ, كَانَتْ صَلاَته مُتَقَارِبَةً. رواه مسلم
قول أَنَسٍ رضي الله عنه: أوجز: أي أنها لم تكن طويلةً شاقة, "فِي تَمَامٍ": أي لم تكن مُخلَّةً سريعة بلا طُمأنينة.
وقوله: متقاربة: أي أن ركوعه والرفع منه, وسجودَه وجلوسه بين السجدتين, قريب من القيام, فلم يكن يقصِّر هذه الأركان ويطيل القيام, كما يفعله كثير من الأئمة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة: كان يخفف القيام والقعود- أي القعودَ للتشهد-، ويطيل الركوع والسجود. ا.هـ
وثبت في صحيح مسلم عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلاَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ, فَرَكْعَتَهُ, فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ, فَسَجْدَتَهُ, فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ, فَسَجْدَتَهُ, فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالاِنْصِرَافِ: قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ.
فهذا الحديث صريحٌ بأن جميع أركان الصلاة تكون متقاربة, فإذا أطال الإمام القيام, كما لو قرأ في فجر الجمعة بالسجدة والغاشية, أو أطال القراءة في صلاة التهجد, فإنه يطيل بقية الأركان, وإن قصَّر القيام كما لو قرأ بقصار المفصل, فإنه يقصر بقية الأركان.
وينبغي أن يتنبه لهذه السنة: أولئك الأئمةُ الذين يطيلون في الركوع والسجود, ويقصِّرون في الجلسة بين السجدتين والاعتدال من الركوع, فهذا خلاف السنة, فلا بد أن تكون جميع الصلاة متناسبة متقاربة.

والحرص على الختمة عند بعض الأئمة, قد يؤدي بهم إلى الاستعجال في القراءة والصلاة, لكي يتمكن من ختم القرآن, وهذا لا ينبغي أبدا, فالكل يريد أن يتمّ الركوع والسجود والاعتدال منهما, وأن يتلذذ فيها بالدعاء والخشوع والتضرع, فلا تحرمهم ذلك لأجل رغبتك في الختمة, وليس هذا فعل السلف الصالح رحمهم الله.
قال ابن عباس رضي الله عنه: لأنَ أقرأ البقرة في ليلة وأتفكّر فيها أحبُّ إلي من أن أقرأ القرآن هذْرمةً. والهذرمة: هي السرعة في القراءة وغيرها.
ووالله لَأَنْ نقرأَ رُبع القرآنِ في التراويح والقيام, بخشوعٍ وتدبُّرٍ, خيرٌ من قراءته مراراً دون ذلك.
والقرآنُ إنما أُنزل لِنَتدَبَّره, قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
فلْتكن قراءتُك في تُؤدة, وصلاتُك متقاربة, كما كانت قراءةُ وصلاةُ النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا أطلت القيام والقراءة, فأطل الركوع والسجود والاعتدال منهما.

ولا يعني هذا أنَّ ختمَ القرآن في صلاة التراويح غيرُ مشروع, ولكن الذي لا يُشرع, أن نعتني بالختمة على حساب السنن والواجبات الأُخرى.

ولا ينبغي للإمامِ الإطالةُ في دعاء في القنوت, حتى إنّ بعضَ الأئمة جعلوه أطولَ من القراءة.
والدعاء اليسير عند ختم القرآن, خيرٌ من الدعاء الطويلِ الذي يشقَّ على الناس, وليس عليه دليل من الكتاب والسنة.
قال العلاَّمة ابن عثيمين رحمه الله: الختمة التي يُدعى بها في آخر رمضان, ليس لها أصل في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام, ولا عن خلفائه الراشدين, ولا عن أحد من الصحابة, فلا أعلم إلى ساعتي هذه, أنه ورد عنهم أنهم كانوا يدعون مثل هذا الدعاء في الصلاة. ا.هـ
والإطالة في الدعاء, وذكرُ التفاصيل والاستطراد, ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وهم القدوةُ والأسوة, ولا خير فيمن خرج عن هديهم وطريقهم, وهو من الاعتداء في الدعاء المنهيِّ عنه.
فعن عَبْد اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه, أنه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا. فَقَالَ: أَيْ بُنَىَّ, سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ, فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّهُ سَيَكُونُ فِى هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ ». رواه أبو داود وصححه الألباني


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الحمدُ للهِ غافِرِ الذُّنوبِ، وقابلِ التَوْبِ وساترِ العُيوبِ، ومُفرِّجِ الهمِّ وكاشفِ الكُروبِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له السَّميعُ البصيرُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ البشيرُ النَّذيرُ؛ والسِّراجُ المنيرُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ, وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وأصحابِه,ِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ المصيرِ.
أما بعدُ: أيّها المسلمون: ومِمَّا ينبغي على الأئمة اجْتِنابُه: السجعُ الْمُتكلَّف في الدعاء, قال البخاريُّ رحمه الها في صحيحه: بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ. ثم روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: لَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ.. وانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ, فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ, لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ, يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ.

فلْنتق الله معاشرَ الأئمةِ, ولْنصلِّ بالناسِ صلاةً كصلاةِ رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فهذا مِن حقِّ الْمَأمومين علينا, فلْنؤدِّ هذا الحقَّ على أتم وجه, فنحن مسؤولون ومحاسبون عن ذلك.

نسأل الله أن يُعِيننا على أداء ما حُمِّلْناه, وأن يُبلِّغنا بذلك رحمته ورضاه, إنه سميعُ مجيب.
المشاهدات 1237 | التعليقات 0