الصحابة أمنة للأمة
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الاولى : الصحابة أمنة للأمة 3/7/1443
الحمد لله العلي الأعلى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى وسلم تسليما أما بعد :
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).. بلغوا أعلى مراتب الرضى، الرضى الشامل الغامر، المتبادل الوافر، الوارد الصادر {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}.. رضا لم يبلغه جيل بشر
من ذا يناسقهم من ذا يطابقهم ** من ذا يسابقهم في العز الكرم
ثمار الصحبة العالية والرضا الرباني أنْ (أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
ما حازوا هذا السبق العظيم والفوز الكبير والمقام الرفيع إلا بقوة الإيمان والثبات على السنة والقرآن، اعتقادٌ وثباتٌ واتباعٌ لا تزحزحه صروفُ الايامِ، ولا تغيره كوادر الزمان ..
جباههم ما انحنت إلا لخالقها ** وغير من أبدع الأكوان ما عبدو
أخرج البيهقي عن أَبِي هُرَيْرَةَ، t قال: وَجَّهَ رَسُولَ اللَّهِ r أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي سَبْعِ مِائَةٍ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ r وارْتَدَّتِ الْعَرَبُ فقال الصحابه: كيف تُوَجِّهُ هَؤُلَاءِ إِلَى الرُّومِ وَقَدِ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ أبو بكر -بقوةٍ وثباتٍ وصدق اتباع-: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ ظننتُ أنّ الطيرَ تخطفُني وأنَّ السباعَ جَرَّت بأَرْجُلِ أمهاتِ المؤمنين مَا رَدَدْتُ جَيْشًا وَجَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا حَلَلْتُ لِوَاءً عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ، ووالله لو لم يبقى في القرى غيري لأنفذتُه .
بثباتِ القاماتِ تقوى القلوب ويثبت الأتباع .. أمضى الصديق جيش أسامه ، وبعث خالد إلى قتالِ مسيلمة، والمثنى لفتح فارس، وأبوعبيدة لفتح الشام، وكلف زيد بن ثابت بجمع القرآن .. فكانت النتيجه أن رجع الناس إلى دين الله، وفُتحتِ المدائنُ والقلاعُ ، وجمع القرآن، وعلت راية الإسلام ، ودام الأمنُ السلام في ثلاثين شهرا
ولَّى أبو بكرٍ ، فراعَ لهُ الورَى ** هولٌ ، تقاصرُ ، دونَهُ ، الأهوالُ
الصحابة أعلام تقى، ومنائر هدى، ومصابيح دجى.. هم أمان للامة عند ظهور البدعِ وَغَلَبَةِ الأهواءِ، في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام «أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ».
ذاك لفضلهم وقوة إيمانهم ورجاحة عقلهم وسعة علمهم، هم خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء « فَلَوْ أَنَّ أَحَدَاً أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ»
لغبـارُ أقدام الصحابة في الـردى ** أغلى وأعلى من جبـين الأبعــدِ
من غيرهم شـهد المشاهد كلهــا ** بـل من يشابهـهم بحُـسن تعبــــدِ
الصحابةُ الكرام .. وردوا الماء عذبًا زلالاً، أيدوا قواعدَ الإسلامَ فلم يدعوا لأحدٍ مقالاً، زكوا القلوبَ بالقرآنِ، وفتحوا القرى والمدائن بالسنان، هم أنصارُ الدينِ في مبتدئِه، وفرسانُ الجهادِ في ذروةِ سنامه، بذلوا المُهجَ والنفوس، وحصدوا من الكفارِ الرؤوس، رجال المغارم، وحماة المحارم .
لم يجعلوا همَّهم حشو البطونِ ولا ** لبسُ الحريرِ ولا الإغراقِ في النعمِ
شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، حملوا الوحْيَين، وحضروا البيعتين. فكان لهم في الفضل القدح المعلى، وفي العلم البيان الأسمى ..
اشتروا الجنة بأنفسهم واموالهم.. يَمُنُّ يهوديٌ بالماءِ على المسلمين فيقول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ ولَهُ الجَنَّةُ». فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ. أخرجه البخاري .
وأخرج الإمام أحمد وأصله في البخاري عَنْ أَنَسٍ y، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r: " أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ " فَأَبَى، فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي. فَفَعَلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي فَاجْعَلْهَا لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ r: " كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ مدلى لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ " قَالَهَا مِرَارًا. قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ..
بيضُ الوجوهِ ترى بطون أَكُفِّهِم ** تندى إذا اعتذر الزمانُ الممحلُ
لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله، إذا سمعوا أمر الله وأمر رسوله ألقوا مافي أيديهم بلا مراجعة أو اعتذار "وقالوا سمعنا واطعنا" .. قال أنس بن مالك yكُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: «أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ»، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ بها سِكَكِ المَدِينَةِ . متفق عليه..
يُبَلِغون الدين لا يخافون في الله لومة لائم..قَالَ أَبُو ذَرٍّ t: «لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ r قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا» أخرجه البخاري.
الكذب لا يعرف إلى كلامهم سبيلا.. وقصة الثلاثة الذين خلفوا أعظمُ برهان على ثباتهم على الصدق .
إذا فعلوا فخيرُ الناس فعلاً ** وإن قالوا فأكرمهم مقالا
الصحابة أشد هذه الأمة غيرة على محارمهم .. قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ" متفق عليه
وفي البخاري عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى عَلَى رَأْسِي، فمر بي رَسُولَ اللَّهِ r وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ،فأناخ بعيرا لِيَحْمِلَنِي، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ غيرةَ الزُّبَيْرِ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ.
قف أيها التاريخ سجل صفحةً ** غراء تنطق بالخلود الكاملِ
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات..
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد
الصحابة حملة الشريعة، ورواة السنة ، إجلالهم إجلال لميراث النبوة ..
كان عمرُ وعثمانُ رضي الله عنهما إذا مروا بالعباسِ وهما راكبان، نزلا حتى يجاوزهما إجلالا له .
الصحابة حبهم والذب عنهم ديانة « لاَ يُحِبُّ الأَنْصَارَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» متفق عليه.
وترسيخ مبدأ اجلال الصحابة ومحبتهم والترضي عنهم عقيدة وايمان ، والتنقص منهم ولمزهم زندقة ونفاق {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
يُعرف قدر الصحابة وعظم مكانتهم وعلوا بمنزلتهم بمعرفة ما حملوا لنا من العلم الغزير وما حفظوا لأمة من ميراث النبوة .. في صحيح البخاري قَالَ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَفِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ، تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ»
وقال أَبِو هُرَيْرَةَ t : َكُنْتُ امْرَءًا مِسْكِينًا ، أَلْزَمُ النَّبِيَّ r عَلَى مِلْءِ بَطْنِي " حتى حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِr وِعَاءَيْنِ " أخرجه البخاري
لزاما على مربي الأجيال والمعلمين والمعلمات والآباء والأمهات غرس مبدأ تعظيم الشريعة بإجلال الصحابة الكرام والأئمة الأعلام، فهم قوام الدين وبهم تحفظ بيضة الإسلام.
تَتَزعزعُ العقيدةُ عندما تغيب قامات الأمة عن الأذهان من لدن صحابة رسول الله r ورجالات الإسلام الكبار ..
من أولى الأولويات في هذا الوقت توجيه الناشئة والأبناء، والطلاب والطالبات للاطلاع على سير الصحابة والصحابيات، وايجاد مكتبة في المنزل والمدرسة يكون من خلالها برنامج للقراءة في قصصهم والاطلاع على حياتهم ، ففيها صقل لمواهبهم، ورفعا لهمتهم ، وصناعة لقدوات ورموز لهم، ومزاحمة لهذا الزخم الاعلامي الذي يزخ بترهات من رموز أودت بأبنائنا إلى حضيض من الأخلاق، ودنوا في الهمه، وضعفا في القدرات والاهتمامات .
اللهم اصلح قلوبنا واعمالنا وذرياتنا وهب لنا من لدنك رحمة وعلما واجمعنا بصحابة نبيك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
المرفقات
1643886975_الصحابة أمنة للأمة.docx
1643886980_الصحابة أمنة للأمة.pdf