الصبر
أبو ناصر فرج الدوسري
1438/04/12 - 2017/01/10 07:42AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وطاعته في المَنْشَط والمَكْرَه، وذكره في الرخاء والشدة، والصبر على طاعته وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ آل عمران:200 إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ الزمر:10.
واعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أنكم تعيشون بدار ابتلاء وامتحان، وتحيون حياة فتن واختبار، رماح المصائب عليكم مُشْرَعَة، وسهام البلاء إليكم مُرْسَلَة، قضاء الله فيكم نافذ صائر، وحكمه فيكم حاصل سائر، لا رادّ لما قضاه وقدّره، ولا مانع لما أراده ودبّره،
فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [غافر:68]، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [الأحزاب:38].
واعلموا أن الله تعالى قد أمر بالصبر فقال وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال:46
نعم إخوة الإيمان إنه الصبر، هذا مقام الأنبياء والمرسلين، ومنازل المتقين، وحلية أولياء الله المخلصين،
وهو أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا الوقت الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى
من المصيبة، ولو يعلم المصابون ما ينالون من الأجر الكبير إن هم صبروا، لتمنوا أن مصيبتهم أشد بلاء.
واعلموا يا عباد الله أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً
وقال تعالى عن أهل الجنة: سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ هذا هو الصبر، وتلك منزلته.
وما أجمل أن نعلم هذه المنزلة، وأن نقدرها حق قدرها، وأن نصبّر أنفسنا ومن حولنا عندما تقع المصيبة،
إخوة الإيمان قِفُوا مع آية عظيمة في كتاب الله كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ
(إنا لله وإنا إليه راجعون) علاج ناجح لكل من أصيب بمصيبة كبرة أو صغيره, ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق
لابد أن يترك الدنيا وراء ظهره ويأتي ربه فرداً لوحده كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات.
أيها المسلمون، هنالك أمران مما يسلّي المؤمن في مصيبته ويعينه عند محنته، ينبغي أن يضعهما كل مبتلى نصب عينيه وأمام ناظريه:
الأمر الأول: أن يعرف أن أهله وماله ملك لله عز وجل على الحقيقة، وأنه ليس إلا أمينًا على ما في يده، فإذا أخذه الله منه فكأنه رد الأمانة إلى صاحبها، فليس العبد هو الذي أوجد الشيء، وإنما المالك الحقيقي لذلك هو الله عز وجل، وهو المتصرف فيما يريد كيف يشاء.
الأمر الثاني: ما دام مصير العبد إلى الله فيجب عليه أن يعلم أن هذه الدنيا قصيرة مهما طالت، وأنه سيتركها عاجلاً أو آجلاً، وأنه سيلقى ربه كما خُلِق أول مرة بلا أهل ولا مال، وإنما سيلقاه بحسناته وسيئاته، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يفرح بموجود ويحزن لمفقود؟!
فيا من بليت بمصيبة أو رَزِيّة من مرض مزعج أو ألم مُضْن أو فقد قريب أو موت حبيب، عليك بالصبر؛ فإنه مرضاة للرب، مؤنس للقلب، مُذْهِب للهَمّ، طارد للغَمّ، مُعْظِم للأجر، مُؤْذِن بالعِوَض. عليك بالصبر؛ فإنه مطية لا تكبو، وصارم لا يَنْبُو، وحصن لا يهدم، وحَدّ لا يُثْلَم. عليك بالصبر؛ فإنه حسن توفيق وأمارة سعادة وعنوان إيمان ودليل إذعان.
إذا ادْلَهَمّت الأمور واسودت الحياة وعظمت المصائب وكثرت الرزايا فالصبر ضياء. إذا نزل المكروه وحَلّ الأمر المخوف وعظم الجزع واحتيج لمصارعة الحُتُوف فالصبر التجاء. إذا انسدت المطالب وهيمن القلق واشتد الخوف وعظمت الكربة فالصبر دواء. إذا أصبح الدين في غربة والإسلام في كُربة وعمت المعاصي وعظمت الشبهات والشهوات فالصبر عزاء.
قال : ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة))،
أخي يا من أصابته المصيبة هذه آيات الله وأحاديث نبيك تحثك على الصبر، وتسليك في مصابك، فاحمد الله، وأحسن نيتك، واحتسب مصيبتك وارض بما قدر الله لك، فلعل لك عند الله منزلة لا تبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما يبتليك به حتى تبلغ تلك المنزلة العالية من الله، فاحمد الله وكن من الصابرين؛
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من غير شك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب وسلم تسليما.
أما بعد، فاتقوا الله تعالى أيها الناس واعلموا أن للصبر أقساما ذكرها العلماء،
وهي ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله،
التي يجريها إما مما لا قدرة للعباد فيه، وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء، والاعتداء.
والصبر على طاعة الله أن يحبس الإنسان نفسه على العبادة، ويؤدّبها كما أمره الله تعالى وأن لا يتضجر منها، أو يتهاون بها، أو يتركها، فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه، ومتى علم العبد ثواب الله على هذه الطاعة، هان عليه أداؤها وفعلها.
فالحسنة ولله الحمد إذا أخلص الإنسان فيها لله واتبع رسوله، كانت بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والله يُضاعِف لمن يشاء
أما الصبر عن محارم الله فأن يحبس الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه، مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده،
وأما الصبر على أقدار الله فمعناه أن يستسلم الإنسان لما يقع عليه من البلاء والهموم والأمراض والأسقام،
وإذا وقعت به مصيبة فلا يقابلها بالتسخط والتضجر، وأن يعلم أن هذا البلاء لنزوله أسباب وحكم، لا يعلمها إلا الله،
وأن يعلم أن لدفعه ورفعه أسبابا، من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه، فهذه الأمراض التي أرسلها الله تعالى على عباده،
إنما هي رحمة بهم ليرجعوا إليه، وليعرفوا أنه هو المتصرف بعباده كما يشاء،
يقول تعالى: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ
هذه أقسـام الصـبر إخوة الإيمان ـ فمن حقق مقام الصبر ومقام الشكر، كمل بذلك إيمانه ونجا، ولذلك قال النبي : ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له))
ثم صلوا وسلموا ـ عباد الله ـ على خير خلق الله محمد بن عبد الله، فقد أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل:
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً
اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، اللهم وارضَ عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن آلِه وأصحابهِ أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا مجيب الدعوات
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين , اللهم اجعل ما أصابهم تمحيصاً لهم برحمتك يا أرحم الراحمين ,
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين يا رب العالمين.
اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين الذين قتَلوا الأبرياء، وسفَكوا الدماءَ، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، يا سميعَ الدعاء.
اللهم احفَظ أهلَنا في الشام، اللهم احفَظ أهلَنا في الشام والعراق واليمن وفلسطين وبورما، وفي كل مكان يارب العالمين
اللهم احفَظهم من كل سوءٍ وشرٍّ وفتنةٍ ، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم واحفَظ أموالَهم وادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادَنا أو أراد بلادَنا أو أرادَ بلاد السلام والمُسلمين بسوءٍ، اللهم فأشغِله في نفسه، واحبِسه في بدنه، وعذِّبه في جسده.
اللهم اكشِف سِرَّه، واهتِك سِترَه، وأبطِل مكرَه، واكفِنا شرَّه، واجعلهُ عِبرَة يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلادنا أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها. اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين يا رب العالمين
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
الخطبة منسقة
https://docs.google.com/document/d/1x0jb4-XDEVArSbvFWo1p3RHGBh8kK-56xRfmTWFiBdc/edit?usp=sharing
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وطاعته في المَنْشَط والمَكْرَه، وذكره في الرخاء والشدة، والصبر على طاعته وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ آل عمران:200 إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ الزمر:10.
واعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أنكم تعيشون بدار ابتلاء وامتحان، وتحيون حياة فتن واختبار، رماح المصائب عليكم مُشْرَعَة، وسهام البلاء إليكم مُرْسَلَة، قضاء الله فيكم نافذ صائر، وحكمه فيكم حاصل سائر، لا رادّ لما قضاه وقدّره، ولا مانع لما أراده ودبّره،
فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [غافر:68]، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [الأحزاب:38].
واعلموا أن الله تعالى قد أمر بالصبر فقال وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال:46
نعم إخوة الإيمان إنه الصبر، هذا مقام الأنبياء والمرسلين، ومنازل المتقين، وحلية أولياء الله المخلصين،
وهو أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا الوقت الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى
من المصيبة، ولو يعلم المصابون ما ينالون من الأجر الكبير إن هم صبروا، لتمنوا أن مصيبتهم أشد بلاء.
واعلموا يا عباد الله أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً
وقال تعالى عن أهل الجنة: سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ هذا هو الصبر، وتلك منزلته.
وما أجمل أن نعلم هذه المنزلة، وأن نقدرها حق قدرها، وأن نصبّر أنفسنا ومن حولنا عندما تقع المصيبة،
إخوة الإيمان قِفُوا مع آية عظيمة في كتاب الله كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ
(إنا لله وإنا إليه راجعون) علاج ناجح لكل من أصيب بمصيبة كبرة أو صغيره, ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق
لابد أن يترك الدنيا وراء ظهره ويأتي ربه فرداً لوحده كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات.
أيها المسلمون، هنالك أمران مما يسلّي المؤمن في مصيبته ويعينه عند محنته، ينبغي أن يضعهما كل مبتلى نصب عينيه وأمام ناظريه:
الأمر الأول: أن يعرف أن أهله وماله ملك لله عز وجل على الحقيقة، وأنه ليس إلا أمينًا على ما في يده، فإذا أخذه الله منه فكأنه رد الأمانة إلى صاحبها، فليس العبد هو الذي أوجد الشيء، وإنما المالك الحقيقي لذلك هو الله عز وجل، وهو المتصرف فيما يريد كيف يشاء.
الأمر الثاني: ما دام مصير العبد إلى الله فيجب عليه أن يعلم أن هذه الدنيا قصيرة مهما طالت، وأنه سيتركها عاجلاً أو آجلاً، وأنه سيلقى ربه كما خُلِق أول مرة بلا أهل ولا مال، وإنما سيلقاه بحسناته وسيئاته، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يفرح بموجود ويحزن لمفقود؟!
فيا من بليت بمصيبة أو رَزِيّة من مرض مزعج أو ألم مُضْن أو فقد قريب أو موت حبيب، عليك بالصبر؛ فإنه مرضاة للرب، مؤنس للقلب، مُذْهِب للهَمّ، طارد للغَمّ، مُعْظِم للأجر، مُؤْذِن بالعِوَض. عليك بالصبر؛ فإنه مطية لا تكبو، وصارم لا يَنْبُو، وحصن لا يهدم، وحَدّ لا يُثْلَم. عليك بالصبر؛ فإنه حسن توفيق وأمارة سعادة وعنوان إيمان ودليل إذعان.
إذا ادْلَهَمّت الأمور واسودت الحياة وعظمت المصائب وكثرت الرزايا فالصبر ضياء. إذا نزل المكروه وحَلّ الأمر المخوف وعظم الجزع واحتيج لمصارعة الحُتُوف فالصبر التجاء. إذا انسدت المطالب وهيمن القلق واشتد الخوف وعظمت الكربة فالصبر دواء. إذا أصبح الدين في غربة والإسلام في كُربة وعمت المعاصي وعظمت الشبهات والشهوات فالصبر عزاء.
قال : ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة))،
أخي يا من أصابته المصيبة هذه آيات الله وأحاديث نبيك تحثك على الصبر، وتسليك في مصابك، فاحمد الله، وأحسن نيتك، واحتسب مصيبتك وارض بما قدر الله لك، فلعل لك عند الله منزلة لا تبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما يبتليك به حتى تبلغ تلك المنزلة العالية من الله، فاحمد الله وكن من الصابرين؛
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي وعد الصابرين أجرهم بغير حساب، وأثاب الشاكرين على النعم بدوامها والازدياد،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من غير شك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب وسلم تسليما.
أما بعد، فاتقوا الله تعالى أيها الناس واعلموا أن للصبر أقساما ذكرها العلماء،
وهي ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله،
التي يجريها إما مما لا قدرة للعباد فيه، وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء، والاعتداء.
والصبر على طاعة الله أن يحبس الإنسان نفسه على العبادة، ويؤدّبها كما أمره الله تعالى وأن لا يتضجر منها، أو يتهاون بها، أو يتركها، فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه، ومتى علم العبد ثواب الله على هذه الطاعة، هان عليه أداؤها وفعلها.
فالحسنة ولله الحمد إذا أخلص الإنسان فيها لله واتبع رسوله، كانت بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والله يُضاعِف لمن يشاء
أما الصبر عن محارم الله فأن يحبس الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه، مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده،
وأما الصبر على أقدار الله فمعناه أن يستسلم الإنسان لما يقع عليه من البلاء والهموم والأمراض والأسقام،
وإذا وقعت به مصيبة فلا يقابلها بالتسخط والتضجر، وأن يعلم أن هذا البلاء لنزوله أسباب وحكم، لا يعلمها إلا الله،
وأن يعلم أن لدفعه ورفعه أسبابا، من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه، فهذه الأمراض التي أرسلها الله تعالى على عباده،
إنما هي رحمة بهم ليرجعوا إليه، وليعرفوا أنه هو المتصرف بعباده كما يشاء،
يقول تعالى: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ
هذه أقسـام الصـبر إخوة الإيمان ـ فمن حقق مقام الصبر ومقام الشكر، كمل بذلك إيمانه ونجا، ولذلك قال النبي : ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له))
ثم صلوا وسلموا ـ عباد الله ـ على خير خلق الله محمد بن عبد الله، فقد أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل:
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً
اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، اللهم وارضَ عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن آلِه وأصحابهِ أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا مجيب الدعوات
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين , اللهم اجعل ما أصابهم تمحيصاً لهم برحمتك يا أرحم الراحمين ,
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين يا رب العالمين.
اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين الذين قتَلوا الأبرياء، وسفَكوا الدماءَ، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، يا سميعَ الدعاء.
اللهم احفَظ أهلَنا في الشام، اللهم احفَظ أهلَنا في الشام والعراق واليمن وفلسطين وبورما، وفي كل مكان يارب العالمين
اللهم احفَظهم من كل سوءٍ وشرٍّ وفتنةٍ ، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم واحفَظ أموالَهم وادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادَنا أو أراد بلادَنا أو أرادَ بلاد السلام والمُسلمين بسوءٍ، اللهم فأشغِله في نفسه، واحبِسه في بدنه، وعذِّبه في جسده.
اللهم اكشِف سِرَّه، واهتِك سِترَه، وأبطِل مكرَه، واكفِنا شرَّه، واجعلهُ عِبرَة يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلادنا أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها. اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين يا رب العالمين
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
الخطبة منسقة
https://docs.google.com/document/d/1x0jb4-XDEVArSbvFWo1p3RHGBh8kK-56xRfmTWFiBdc/edit?usp=sharing
المرفقات
الصبر.docx
الصبر.docx